وداعاً محمد البلم: الأب الروحي للمسرح القطري وذاكرته الخالدة

  • تاريخ النشر: الخميس، 24 يوليو 2025 زمن القراءة: 4 دقائق قراءة
مقالات ذات صلة
وداعاً خالد صالح
فيديو خالد النبوي يستحضر روح محمد أنور السادات
حادث مأساوي يُغيب الفنان محمد البلم الأب الروحي للمسرح القطري

برحيل الفنان القطري القدير محمد سعد البلم، فقدت قطر رمزًا من رموز الفن والمسرح والتربية. الفنان الذي وافته المنية مساء 23 يوليو 2025 بعد تعرّضه لحادث سير عقب خروجه من صلاة العشاء، ترك وراءه مشوارًا غنيًا بالأعمال الفنية والتربوية، جعله بحق الأب الروحي للمسرح القطري.

انطلاقة مبكرة من دار المعلمين

ولد محمد البلم عام 1956، وبدأ أولى خطواته الفنية عام 1971 في دار المعلمين، حيث عمل كممثل ومخرج ضمن الأنشطة الفنية. واصل شغفه بالفن حتى شارك في تأسيس فرقة السد المسرحية عام 1973، ليصبح لاحقًا رئيس مجلس إدارتها وواحدًا من أبرز أعمدتها التنظيمية والفنية.

تأصيل المسرح المدرسي

إلى جانب نشاطه الفني، شغل البلم منصب رئيس قسم التوجيه المسرحي في وزارة التربية والتعليم القطرية، حيث لعب دورًا أساسيًا في إدخال المسرح إلى المدارس كمكوّن تعليمي وثقافي، وأشرف على إطلاق مهرجانات المسرح المدرسي، مؤمنًا بأن المسرح أداة تربوية قبل أن يكون وسيلة ترفيهية.

شهادة أكاديمية وخبرة مسرحية

نال البلم شهادة البكالوريوس في التمثيل والإخراج عام 1985 من المعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت، ما أتاح له الدمج بين الخبرة الفنية والتعليم الأكاديمي. وقد أثر هذا المزيج في نوعية الأعمال التي قدّمها، والتي امتازت بالعمق التربوي والطرح الهادف.

قدم محمد البلم مجموعة كبيرة من المسرحيات التي أصبحت من كلاسيكيات المسرح القطري، منها بيت الأشباح، مجلس العدل، خلود، وسقراط يبيع التحف. كما أخرج عددًا من الأعمال ذات الطابع التوعوي والتاريخي، وشارك في كتابة النصوص وتطوير الرؤية الإخراجية لكثير من الأعمال.

تميز محمد البلم باختياراته الفنية الدقيقة التي تجمع بين الطابع الكوميدي والرسالة الاجتماعية والإنسانية، ما جعله من رواد المسرح القطري الذين قدموا فنًا راقيًا يخاطب مختلف الفئات العمرية. من أبرز أعماله المسرحية مسرحية بيت الأشباح التي ناقشت قضايا المجتمع بطرح رمزي، ومسرحية مجلس العدل التي حملت بعدًا فلسفيًا حول السلطة والعدالة، بالإضافة إلى مسرحية خلود التي لاقت صدى واسعًا عند عرضها.

شارك البلم أيضًا في عدد من الأعمال الجماهيرية التي شكلت جزءًا من ذاكرة المسرح الخليجي، مثل مسرحية مغامرون في ورطة، وحارس الفنار، ومسرحية لوحات شعبية، حيث أظهر براعة خاصة في أداء الأدوار المركبة ذات الطابع الشعبي والتراثي.

 مسلسلات محمد البلم

وفي الدراما التلفزيونية، قدم أدوارًا لافتة في مسلسلات مثل يوميات عائلة، ومساكم الله بالخير، ومسلسل عيال الذي نال إعجاب الجمهور المحلي لما عكسه من تفاصيل الحياة اليومية في المجتمع القطري بأسلوب بسيط وواقعي.

كما شارك البلم في الأعمال الإذاعية التي كانت لها شعبية واسعة في فترة التسعينات وبداية الألفية الجديدة، حيث قدم برامج درامية عبر إذاعة قطر ناقشت موضوعات اجتماعية وقيمًا أسرية، مما جعل صوته مألوفًا ومحببًا لدى الجمهور.

نشاط فني حتى اللحظة الأخيرة

حتى في عام رحيله، لم يتوقف محمد البلم عن العطاء، فقد شارك في مهرجان الدوحة المسرحي 2025 من خلال مسرحية غرق ضمن فرقة الوطن، مما يدل على إيمانه برسالة الفن وأهمية التواجد الفعلي في المشهد المسرحي المحلي، سواء كفنان أو موجّه.

بصمته في الدراما والإذاعة

إلى جانب المسرح، عمل البلم في مجالات الدراما التلفزيونية والإذاعية، ومن أبرز مشاركاته مساكم الله بالخير، يوميات عائلة، وحارس الفنار. وقد تميزت مشاركاته بكونها لا تقتصر على التمثيل، بل امتدت إلى الإخراج والمشاركة في كتابة السيناريو أحيانًا.

مدرسة فنية تخرج منها جيل كامل

لم يكن البلم مجرد فنان بل كان مدرسة بحد ذاته، احتضن المواهب ووجهها، وساهم في صقل جيل كامل من الفنانين والمخرجين الشباب. كما أشرف على مهرجانات للهواة والشباب، وعمل على تأسيس قواعد للمسرح المدرسي والمجتمعي في قطر.

نعي واسع من الوسط الفني

عقب إعلان وفاته، نعاه كبار الفنانين في قطر والخليج العربي، واصفين إياه برجل المسرح الصادق والأب التربوي المثقف. وقالت وزارة الثقافة القطرية إن الراحل شكّل ركيزة مهمة في الحركة المسرحية الوطنية، وأثرى المشهد الفني بتجارب متنوعة.

ترك محمد البلم وراءه إرثًا فنيًا ضخمًا سيظل حاضرًا في الذاكرة الوطنية. لم يكن مجرد ممثل أو مخرج، بل كان قائدًا ثقافيًا، وضع الفن في خدمة الإنسان والمجتمع، وساهم في ترسيخ المسرح كأداة للنقد والوعي والتربية.

برحيله، خسر المسرح القطري أحد أهم أعمدته، لكن أعماله ستبقى نبراسًا تهتدي به الأجيال القادمة. محمد البلم لم يكن مجرد اسم في تاريخ الفن، بل كان صوتًا مسرحيًا يحمل رسالة نبيلة، وعطاءً لم يتوقف حتى اللحظة الأخيرة.