ما هو مرض عرق النسا وماهي أسبابه؟

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 | آخر تحديث: الإثنين، 25 نوفمبر 2019
مقالات ذات صلة
أهم تمارين عرق النسا
العرق
العرق

يمكننا أن نعتبر آلام أسفل الظهر من الأعراض الشائعة التي تشتكي منها شريحة لا بأس بها من الأفراد حول العالم، وعادة ما تختفي تلقائياً خلال يومين إلى أسابيع قليلة بعد ظهورها.

أما إذا اشتكيت من آلام مزعجة تمتد من أسفل الظهر لتصل إلى القسم الخلفيّ للفخذ وبعدها إلى الساق والقدم لتشمل بذلك كامل الطرف السفلي (Lower Limb) وبجهة واحدة (Unilateral) غالباً فإنك تعاني مما يُعرف بعِرق النّسا (Sciatica) الذي سنتناول أسبابه وطرق تشخيصه وعلاجاته معاً في هذا المقال.

فيديو ذات صلة

This browser does not support the video element.

مقدمة لا بد منها

يعتبر النخاع الشوكي (Spinal Cord) في جسم الإنسان مكوّناً رئيسياً من مكونات الجهاز العصبي المركزيّ (Central Nervous System) ومصدراً هاماً تخرج منه الأعصاب المحيطيّة (Peripheral Nerves) التي تصل بفروعها ونهاياتها إلى الجذع والأطراف العلوية والسفلية (Extremities).

وللعصب الشوكي الواحد جذران:

  1. خلفي (ظهري) حسي ينقل الإشارات العصبية التي تتعلق بأشكال الحس (اللمس، الحرارة الباردة والساخنة، الألم،..) من الجسم إلى الدماغ.
  2. بينما يعتبر الجذر الأمامي (بطني) حركياً، فهو مسؤول عن إيصال الأوامر العليا (القادمة من الدماغ) إلى الألياف العضلية كي تتقلص بدورها.

يسكن النخاع الشوكي ضمن القناة الفقرية (Vertebral Canal)، تحميه الفقرات (Vertebrae) التي تكوّن العمود الفقريّ (Vertebral Column) وتشاركها بهذه الحماية أيضاً طبقات السّحايا الثلاث (Meninges).

يتواجد بين فقرات العمود الفقريّ فواصل لها أهميتها التشريحية تعرف بالأقراص بين الفقرات (Intervertebral Disc)، تتكون هذه الأقراص بنسبتها الكبرى من مادة شبه هلاميّة غنيّة بالماء تعرف باسم النواة اللبية (Nuclus Pulposus)، ويحيط بهذه المادة ألياف متينة (حلقة ليفيّة) تتوضع على هيئة طبقات حولها، تتركز وظيفة هذه الأقراص على تأمين ليونة العمود الفقريّ ومرونته، كما أنها تحمي أجسام الفقرات من الأذية.

تخرج الجذور العصبيّة الظهريّة للنخاع الشوكي بمستوى المسافة الواقعة بين فقرتين متجاورتين، بالتالي فإن أي أذيّة قد يتعرض لها القرص بين الفقرات (كتمزّق نواته اللبية مثلاً) ستؤثر حكماً على الجذر العصبي الظهري (أي الخلفي الحسيّ) الذي يقع أسفل منطقة القرص المتمزّق والمنزلق خارج موضعه الطبيعيّ لتضغطه، مما يعطي أعراضاً وعلامات تشير إلى وجود فتق النواة اللبية (Herniation of Nucleus Pulposus).

إذاً... ما هي الفكرة الأساسيّة التي يتمحور حولها عِرق النّسا (Sciatica)؟

يعتبر العصب الوركيّ (Sciatic Nerve) من أثخن أعصاب الجسم وأضخمها، فهو عصب مختلط (حسي وحركي معاً) ينشأ أسفل الظهر من مجموعة الأعصاب الشوكية القطنية الرابعة والخامسة، مع العجزية الأولى والثانية والثالثة، ويسير في المنطقة الإليوية (Buttocks) معطياً بعدها فروعه ونهاياته العصبية إلى الساق والقدم.

وعليه يمكن القول أن أي تخريش أو انضغاط يتعرض له العصب الوركيّ لدى الإنسان سيعطي آلاماً تمتد من أسفل الظهر إلى كامل الطرف السّفلي وبجهة واحدة غالباً، مع ما يرافقه من خدر ونمل في الطرف السفليّ المصاب.

الأسباب المرضيّة المسؤولة عن حدوث عِرق النّسا (Sciatica)

تتعدّد العوامل والأسباب المسؤولة عن حدوث تخريش العصب الوركيّ، نستعرضها وفق التالي:

  1. فتق النواة اللبيّة (Herniation of Nucleus Pulposus): يعتبر السبب الرئيسي والأكثر إحداثاً لعرق النسا عند الأفراد، خصوصاً أن القرص المنفتق سينزلق خارج مكانه الطبيعيّ ليضغط الفروع العصبيّة المكوّنة للعصب الوركيّ، ينجم هذا الفتق عن الرضوض الشديدة والمتكرّرة على مستوى العمود الفقري كرفع الأشياء الثقيلة أو أداء المهن التي تتطلب انحناءات متكررة في العمود الفقريّ، أو تلك التي تتطلب الجلوس لفترات زمنيّة طويلة، يمكن للأسباب الوراثيّة أن تلعب دورها أيضاً في حدوث فتق النواة اللبية، لاسيّما أننا نشاهد أذيات القرص بين الفقرات لدى بعض العائلات دون الأخرى، أخيراً يمكن أن يعزى الفتق إلى التبدلات الهرمونية الملحوظة خلال فترة الحمل، إضافة إلى الوزن الكبير الذي تكسبه الحامل مما يؤثر على سلامة القرص بين الفقريّ، أو قد تتمزّق النواة اللبية لأسباب مجهولة وغير محدّدة في بعض الأحيان.
  2. المناقير أو النوابت العظمية (Bone Spur): تنجم هذه النوابت عن التخرب والتنكس المستمر لسطح الفقرة الخارجيّ، وتؤديّ إلى انضغاط الجذر العصبيّ الذي يخرج من النخاع الشوكيّ؛ مما ينجم عنه آلاماً ظهريّة مزعجة تمتدّ إلى الطرف السفليّ مع ما يعتريه من خدر ونملٍ إضافيّ.
  3. الأورام (Tumors): لاسيّما تلك الأورام العظميّة التي تحدث على مستوى الفقرات، أو الأورام ضمن النخاع الشوكي التي تضغط تالياً على العصب الوركيّ.
  4. النزيف ضمن القناة الشوكيّة: الذي يعقب رضوض النخاع الشوكي وأذياته التي تنجم عن وجود شظايا ضمن القناة الفقريّة أو أورام دموية في النخاع الشوكي وغيرها من الأسباب، تساهم أذيات النخاع الشوكي ونزوف القناة التي يسكن ضمنها في تخريش العصب الوركي معطيةً العارض السريري المزعج (عرق النسا).
  5. داء السكّريّ (Diabetes Mellitus): يخرّب الداء السكريّ بشكل هامّ الأعصاب المحيطيّة التي تخرج من النخاع الشّوكيّ ويسبب إتلافها، فيفقد العصب وظيفته الأساسيّة في نقل التنبيهات العصبية من المحيط إلى الدماغ، ومن الدماغ إلى العضلات، ويظهر على هيئة خدر وتنميل ضمن الطرف السفلي الذي تستمدّ أجزاؤه تعصيبها من الفروع الانتهائيّة للعصب الوركي.
  6. تضيق القناة الفقريّة (Vertebral Canal Stenosis): قد يكون سببها خلقياً (منذ ولادة الطفل والحالة لديه)، أو مكتسباً إثر التبدلات التنكسية التخريبيّة التي تشمل الوجيهات المفصلية التي تعتبر بمثابة المفاصل بين الفقرات، إضافة إلى تشكل البوارز أو المناقير العظميّة على السطح الخارجي للفقرات وضعف الحلقة الليفيّة المحيطة بالنواة اللبيّة، وغيرها من التبدلات التي تتظافر مع بعضها لإحداث تضيّق القناة الفقريّة، وهذا ما يضغط بالتالي على الجذور العصبيّة القطنيّة (تلك التي تدخل في تكوين العصب الوركي)، ليتظاهر على شكل ألم أسفل الظهر، تزداد حدّته بشكل متتابع، وينتشر إلى الطرف السفلي، قد يجبر المريض أحياناً على التوقف عن المشي كي يستريح فترة زمنية قليلة ليتابع مشيه بعدها (وهذا ما يعرف بالعرج المتقطّع العصبيّ)، يترافق هذا الألم مع الخدر والتنميل في الطرف السفليّ المصاب، وقد يصل الأمر في المراحل المتقدّمة إلى تأذي العضلات (ضعف عضلي وضمور عضلي).
  7. تناذر العضلة الكمثريّة (Piriformis Syndrome): تنتمي العضلة الكمثرية إلى عضلات الطرف السفليّ، وهي عضلة مسطّحة هرميّة الشكل، مسؤولة بشكل أساسيّ عن تدوير الورك نحو الخارج، يمر العصب الوركي ضمن المنطقة الإليوية أسفل العضلة الكمثرية، الذي من الممكن أن ينضغط أو يتخرّش في 17% من الحالات بفعل تشنّجات هذه العضلة معطياً آلاماً مع تنميل وخدر، تمتد جميعها من الإلية ( Buttock) وصولاً إلى الطرف السفلي.
  8. كسور الحوض (Pelvic Fractures): لاسيّما أن العصب الوركي يمرّ من أسفل النخاع الشوكي إلى الوركين والردفين وبعدها إلى القسم الخلفي للطرف السفلي، فالكسور ضمن عظام الحوض تضغط على العصب الوركي معطية مجموعة الأعراض المتمثّلة بعرق النّسا.
  9. الرضّ ( Trauma): تعرُّض العمود الفقري إلى رضوض وضربات شديدة كتلك الناجمة عن حوادث السير مثلاً قد تتسبب في انضغاط الأعصاب الشوكيّة السفليّة (أي القطنية والعجزيّة) ومن ضمنها العصب الوركيّ، معطياً آلاماً شديدة في أسفل الظهر والطرف السفليّ قد يصعب تفريقها أحياناً عن آلام فتق النواة اللبيّة.

الأعراض السريريّة التي يحدثها عرق النسا

علينا بداية أن نشير إلى أن تعبير (عِرق النّسا) لا يشير إلى المرض، إنما يعبّر لنا عن مجموعة الأعراض السريرية الناجمة عن انضغاط وتخريش العصب الوركي، نستعرضها وفق التالي:

  1. آلام تتراوح شدّتها بين المعتدلة والشديدة الحادّة، تمتد من أسفل الظهر إلى الإلية، وبعدها تنتشر إلى الوجه الخلفي للفخذ وصولاً إلى الساق والقدم (غالباً في طرف سفليّ واحد دون الآخر)، قد يصفها المريض على أنها إحساس يماثل الصعقة الكهربائية أو آلام حارقة أو واخزة ومزعجة لا تحتمل، تشتدّ هذه الآلام عند السّعال والعطاس نتيجة ارتفاع الضغط ضمن القناة الشّوكية، وهذا ما يزيد سوء انضغاط العصب الوركي، كما أن الجلوس المطوّل سيجعل الآلام أكثر سوءاً.
  2. شواش الحسّ (اضطرابات الحسّ) التي تشمل الخدر والتنميل ضمن الطرف السّفلي المصاب.
  3. في مراحل متقدّمة، قد يحدث ضعف (Weakness) ورخاوة عضلات الساق والقدم أو ضمورها (Muscular Atrophy).

ما هي عوامل الخطورة المتعلقة بانضغاط العصب الوركيّ؟

  • تقدّم العمر: لا سيّما أن التنكسات المفصلية والفقريّة تحدث عادة بعد سنّ الثلاثين، إضافة إلى أن فتق النواة اللبية أكثر شيوعاً لدى الأفراد بعمر ما بين 30 و 40 عاماً.
  • البدانة: هذا ما يزيد الحمل على العمود الفقريّ ويؤثر سلباً على مرونته وليونته.
  • أنماط معيّنة من المهن والوظائف، خصوصاً تلك التي تتطلب فترات جلوس طويلة (العمل في مكتب، الخياطة، سائقي الشاحنات الكبيرة لفترات طويلة، عمّال البناء الذين يحملون أوزاناً ثقيلة،....) تؤذي العمود الفقريّ.
  • داء السكريّ، خصوصاً بعد أن شرحنا تأثيراته السلبية على الأعصاب المحيطية التي تنتهي بإتلافها.

كيف نشخّص انضغاط العصب الوركي؟

يأخذ الطبيب القصة المرضيّة التفصيليّة من مريضه، فيسأله عن مكان توضع الألم وانتشاره، ويستفسر منه عن صفات الألم والظروف أو الحركات التي يظهر بسببها، إضافة إلى تحديد المرة الأولى التي ظهرت الآلام خلالها مع ما تستغرقه من زمن ريثما تختفي (هل تستمر لدقائق أو ساعات أو أكثر).

وهل تتراجع عفوياً أم يحتاج المريض إلى أخذ مسكنات كي تختفي الآلام، كما ينبغي على الطبيب الفاحص ألا يهملَ أهمية السؤال عن الأعراض الأخرى المرافقة للألم (في حالتنا هنا الخدر والتنميل في الطرف السفلي المصاب).

يُطلَب بعدها من المريض أن يستلقي على سرير الفحص كي يقوم الطبيب برفع الطرف السفلي المصاب نحو الأعلى (Straight Leg Test)، مما يثير آلاماً لدى المريض (تنتج عن انضغاط العصب الوركي أثناء الرفع)، يليها فحص سلامة المنعكسات العصبية باستعمال المطرقة العصبيّة الصغيرة، حيث يطرق الطبيب على الركبة كي يتحرى سلامة المنعكس الداغصي حيث يغيب إثر انضغاط الأعصاب الشوكية المسؤولة عن حدوث هذا المنعكس (أي العصب الوركي).

ليس هذا فحسب، بل يتحرى الطبيب أيضاً عن أي علامة تشير إلى إصابة العضلات في سياق انضغاط العصب الوركي، فيطلب من المريض أن يقف بعد وضعية القرفصاء، أو أن يمشي على رؤوس أصابعه بحثاً عن خلل ملحوظ في أداء هذه الحركات، مما يوجه نحو الضعف العضليّ.

أما عن الوسائل التشخيصية المكمّلة، فقد يطلب من المريض بعض الصور الشعاعية التي تحدد بشكل أدق الأسباب المسؤولة عن حدوث انضغاط العصب الوركي، نذكر منها ما يلي:

  • الصورة الشعاعية البسيطة للعمود الفقري (X-ray): بحثاً عن المناقير العظمية التي تضغط على العصب الوركي.
  • المرنان المغناطيسي (MRI): الذي يحدد بشكل أدق فتق النواة اللبية.
  • الطبقي المحوري مع حقن مادة ظليلة (CT Scan): بحثاً عن الأورام وتضيقات القناة الفقرية.
  • تخطيط العضلات الكهربائي (Electromyography): ندخل فيه إبرة ضمن العضلة ونسجل فعاليتها الكهربائية في حالة الراحة والتقلص، نلاحظ أن العضلة في الحالات الطبيعية لا تطلق أي فعالية كهربائية أثناء الراحة، بينما تنتج فعالية كهربائية ملحوظة أثناء التقلص تزداد بزيادته.
  • دراسة الناقلية العصبيّة (Nerve Conduction Studies): وفيه نقيس سرعة النقل العصبي الحسي والحركي على طول العصب المدروس (هنا الوركي)، لنجد تناقص هذه السرعة عند انضغاطه.

كيفية علاج عرق النسا

لن يشفى مريض عرق النّسا بشكل أساسيّ دون تحديد العامل الأوليّ الذي يعد مسؤولاً عن انضغاط العصب الوركيّ وإزالته، ويمكن تقسيم العلاجات إلى كونها محافظة (Conservative)، يمتنع المريض خلالها عن الجلوس لفترات زمنية طويلة، ويحرص على القيام والمشي أو أداء حركات بسيطة خلال أوقات عمله الطويلة، مع استعماله وفقاً لوصفات الطبيب لأدوية معيّنة، نذكر منها مثلاً:

  1. مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية ( NSAIDs).
  2. تسكين الآلام باستعمال الباراسيتامول، وفي مراحل متقدمة جداً من خلال الأفيونات تحت إشراف الطبيب حكماً.
  3. المرخيات العضليّة.
  4. مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقة.
  5. الأدوية المضادة للاختلاج.
  6. قد يُحقن المريض أحياناً بالستيروئيدات القشرية السكرية (Corticosteroids) حول منطقة العصب المصاب؛ وذلك لتخفيف حدّة الالتهاب الحاصل حوله.

يمكن للعلاج الفيزيائيّ أيضاً أن يحسن من حالة المريض ويخفف من حدّة الآلام الحاصلة لديه، وذلك عبر أداء تمارين رياضيّة معيّنة تصحح وضعية العمود الفقريّ و تحسّن مرونته وليونته كما أنها تقويّ العضلات.

أما عن الحالات المتقدّمة التي يحدث في سياقها ضمور وضعف عضليّ أو تأذٍ لوظيفة المصرات البوليّة والشرجية، إضافة إلى استمرار الآلام دون توقّف مع تصاعد وتيرتها، فهنا لا بديل عن العلاج الجراحيّ (Surgery) لإزالة المناقير العظمية وتصحيح حالة فتق النواة اللبيّة.

ختاماً.. ننصح مرضى عرق النّسا (Sciatica) باتباع هذه النصائح العامّة لتخفيف حدّة الآلام:

  • استعمال الوسائد أو المنشفة أو الكمادات الباردة بتطبيقها لمدة 20 دقيقة على المنطقة المؤلمة أسفل الظهر.
  • بعد يومين إلى ثلاثة أيام، يمكنك أن تطبّق الكمادات الساخنة لتخفيف حدّة الآلام ضمن المناطق المتأذية.
  • أداء تمارين التمطيط تحت إشراف وتوجيه المعالج الفيزيائيّ، والثبات خلالها مدة 30 ثانية.
  • المواظبة على المشي لمسافات مقبولة يحددها لك الطبيب المعالج وبشكل يوميّ مدة نصف ساعة.