اليوم العالمي للتوحد: كل ما يهمك

  • تاريخ النشر: الأحد، 06 أبريل 2025 زمن القراءة: 9 دقائق قراءة
مقالات ذات صلة
مرض التوحد: أعراضه وأسبابه ودرجاته
البروبيوتيك: كل ما يهمك حولها
كل ما يهمك حول اليوم الوطني الإماراتي

في الثاني من أبريل من كل عام، يضيء العالم معالمه الشهيرة باللون الأزرق، وتُرفَع الشعارات، وتُنشَر القصص، وتُطلق الحملات التوعوية احتفالاً باليوم العالمي للتوحد. لكن، هل تنتهي الرسالة بانقضاء هذا اليوم؟ وماذا بعد أن تخفت الأضواء وينصرف الإعلام؟

في هذا المقال، نأخذكِ عزيزتي القارئة إلى ما هو أبعد من مجرد احتفالية سنوية، لنغوص سوياً في العمق الإنساني والاجتماعي والعلمي لقضية التوحد، ونستكشف الهدف من اليوم العالمي للتوحد، ونناقش شعار اليوم العالمي للتوحد 2025، ونستعرض عبارات عن اليوم العالمي للتوحد تُلهم الأمل، ونؤكد على أهمية تحويل هذا اليوم إلى التزام مستمر نحو مجتمع أكثر شمولاً ورحمة.

اليوم العالمي للتوحد: لمحة تاريخية ورسالة إنسانية

تم إعلان يوم التوحد العالمي لأول مرة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2007، ليُصبح يوم 2 أبريل موعداً سنوياً عالمياً للتوعية بالتوحد، ودعم الأفراد الذين يعيشون مع هذا الاضطراب، وتعزيز فهم المجتمع لطبيعة التوحد واحتياجات المصابين به.

لم يكن الهدف مجرد تخصيص يوم لرفع الوعي، بل ترسيخ فكرة أن الأشخاص المصابين بالتوحد يستحقون فرصاً متساوية في التعليم، والعمل، والحياة الاجتماعية. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يُصيب اضطراب طيف التوحد ما يُقارب 1 من كل 100 طفل عالمياً، وهو رقم يتزايد بفضل دقة التشخيص وتوسّع الوعي.

الهدف من اليوم العالمي للتوحد: أكثر من وعي.. هو دعوة للتغيير

ما الهدف من اليوم العالمي للتوحد؟ إنه ببساطة إعادة تعريف "الاختلاف" على أنه جزء من تنوعنا الإنساني، وليس عيباً أو قصوراً. يسعى هذا اليوم إلى:

  • رفع مستوى الوعي المجتمعي بشأن التوحد وخصائصه المتنوعة.
  • كسر الصور النمطية التي ترسخت عبر الإعلام أو الجهل بالاضطراب.
  • تمكين الأمهات والعائلات لتقديم الدعم الأفضل لأطفالهن.
  • دعوة الحكومات والمؤسسات إلى تحسين الخدمات التعليمية والصحية والدمج المجتمعي.
  • الاحتفاء بالمصابين بالتوحد وتقدير قدراتهم الفريدة.

وهنا، من الضروري أن ندرك بأن الفارق الأكبر يبدأ من وعي الأسرة، خاصة الأم، التي غالباً ما تكون أول من يلاحظ علامات التوحد لدى طفلها.

شعار اليوم العالمي للتوحد 2025: نحو شمولية رقمية وعدالة اجتماعية

في عام 2025، اختارت الأمم المتحدة شعاراً لليوم العالمي للتوحد تحت عنوان:
"من أجل عالم رقمي شامل: التكنولوجيا في خدمة التنوع العصبي".
هذا الشعار جاء ليُسلط الضوء على أهمية التكنولوجيا في دعم المصابين بالتوحد، سواء من حيث التعليم عن بعد، أو وسائل التواصل المعززة، أو التطبيقات التي تُساعدهم على التعبير عن أنفسهم، وتطوير مهاراتهم الاجتماعية والمعرفية.

ويعكس شعار اليوم العالمي للتوحد 2025 أيضاً توجهاً عالمياً لخلق بيئات إلكترونية شاملة، آمنة، ومتاحة للجميع، بحيث لا يُقصى أي طفل أو شاب لمجرد اختلاف في طريقة التعلم أو التعبير.

لماذا ارتبط اللون الأزرق باليوم العالمي للتوحد؟

عند الحديث عن اليوم العالمي للتوحد، لا يمكن تجاهل الحضور الطاغي للون الأزرق في الشعارات والحملات والمنشآت التي تُضاء به حول العالم. لكن لماذا تم اختيار هذا اللون تحديداً؟ ولماذا أصبح رمزاً عالمياً للتوعية باضطراب طيف التوحد؟

اللون الأزرق تم اعتماده لأول مرة من قِبل منظمة "أوتيزم سبيكس" (Autism Speaks) في حملتها الشهيرة "Light It Up Blue" عام 2010، وكان الهدف منه لفت الانتباه إلى التوحد بطريقة بصرية موحدة وسهلة التمييز. وقد اختير اللون الأزرق تحديداً لأنه:

  • يُعبّر عن الهدوء والتفهم، وهما عنصران أساسيان في التعامل مع الأشخاص المصابين بالتوحد.
  • يعكس التحديات الخاصة التي يواجهها الأولاد المصابون بالتوحد، حيث تشير الإحصائيات إلى أن معدل الإصابة بين الذكور أعلى من الإناث.
  • يُساهم في خلق حالة من التركيز الذهني والانتباه، وهي رسائل رمزية قوية عند الحديث عن ضرورة فهم التوحد واحتضان من يعانون منه.

ورغم أن الأزرق أصبح اللون الرسمي ليوم التوحد العالمي، إلا أن هناك اليوم دعوات لاستخدام ألوان أكثر تنوعاً، مثل البنفسجي والأخضر، لتجسيد فكرة أن طيف التوحد واسع ومتنوع، ولا يمكن اختصاره بلون واحد. ومع ذلك، يبقى الأزرق هو اللون الأيقوني لهذا اليوم، رمزاً للتضامن، ورسالة إلى العالم بأننا جميعاً مسؤولون عن دعم ذوي التوحد.

قصص إنسانية ملهمة: نساء في قلب رحلة التوحد

وراء كل شخص مُصاب بالتوحد، حكاية مليئة بالأمل، والتحديات، والانتصارات الصغيرة التي تُصبح عظيمة في أعين من يحبونه. في قلب هذه الرحلة تقف نساء؛ أمهات، وشقيقات، ومربيات، وحتى نساء مصابات بالتوحد بأنفسهن، واجهن العالم وتحدين الصمت.

تمبل جراندين – الصوت الأول لفهم التوحد من الداخل

الدكتورة تمبل جراندين (Temple Grandin)، أستاذة علوم الحيوان في جامعة ولاية كولورادو، تعتبر من أبرز النساء المصابات بالتوحد في العالم. تم تشخيصها بالتوحد في عمر السنتين، عندما قيل لوالدتها إنها لن تتمكن من النطق أو التعلم. لكن والدتها رفضت الحكم المسبق، وأصرت على تعليمها وتوفير الدعم الكامل لها.

كبرت تمبل لتصبح واحدة من أول من تحدث عن التوحد من وجهة نظر شخص يعيشه، وساهمت في تغيير فهم العالم لهذا الاضطراب. ألهمت الملايين، وكانت بطلة فيلم وثائقي من إنتاج HBO بعنوان Temple Grandin، وقد حصل على عدة جوائز إيمي.

“أنا لست مصابة بالتوحد فقط. أنا إنسانة. وأنا أملك صوتاً.”

سوزان بويل – الصوت الذي كسر العزلة

المغنية الاسكتلندية سوزان بويل (Susan Boyle) التي أسرت القلوب في برنامج Britain’s Got Talent عام 2009، تم تشخيصها لاحقاً بمتلازمة أسبرجر (شكل من أشكال طيف التوحد) بعد سنوات من المعاناة مع التنمر وسوء الفهم.

كانت بويل تعتقد لسنوات أنها تعاني فقط من مشاكل في التعلم، لكن بعد التشخيص، قالت إنها أخيراً فهمت نفسها، وأصبحت أكثر تصالحاً مع ذاتها. ما حققته سوزان من شهرة ونجاح ألهم العديد من النساء حول العالم بأن التوحد لا يُقصي الإنسان من الساحة، بل يمكن أن يُصبح مصدر قوته.

“أنا من كنت أظنني فاشلة. اليوم، أنا سيدة بفهم جديد لذاتي.”

دان هارمون – المبدع الذي عاش في صمت

رغم أنه ليس امرأة، إلا أن تجربة الكاتب والمنتج دان هارمون (Dan Harmon) - مبتكر مسلسل Community - سلطت الضوء على التوحد من منظور إبداعي مختلف. تم تشخيصه بمتلازمة أسبرجر في وقت متأخر من حياته، بعد أن لاحظ صعوبة في التواصل العاطفي والاجتماعي.

شارك دان في مقابلات صادقة تجربته الشخصية، مما ساعد الكثير من الشباب على إدراك اختلافاتهم كأمور يمكن فهمها، لا كعيوب. كثير من الأمهات وجدن في قصته مثالاً لما قد يكون عليه أبناؤهن مستقبلاً: أذكياء، مبدعون، ولكن بحاجة إلى طريقة تواصل مختلفة.

كايلي هوكابي – الفنانة الصامتة التي رسمت عالماً من المعنى

كايلي هوكابي فتاة أمريكية مصابة بالتوحد، لم تتحدث حتى بلغت 5 سنوات. لكنها كانت تمسك الأقلام قبل أن تنطق، وترسم مشاعرها في لوحات مذهلة. والدتها وثّقت رحلتها على الإنترنت، وبدأت كايلي تُعرض أعمالها في معارض فنية وهي لم تتجاوز العاشرة من عمرها.

رسوماتها تُظهر نظرة فريدة للعالم – هادئة، ملونة، وناعمة التفاصيل. أصبحت مصدر إلهام لكل أم تعتقد أن طفلها “صامت”، فالفن أحياناً هو لغة من لا يتكلم بالكلمات.

عبارات عن اليوم العالمي للتوحد: أملٌ وأصالةُ مشاعر

لعل العبارات الصادقة هي ما يعلق في القلوب، فتكون رسائل حبّ ودعم وأمل. إليكِ مجموعة عبارات عن اليوم العالمي للتوحد، يمكن مشاركتها في هذا اليوم، أو في كل يوم:

  • "التوحد ليس مرضاً.. إنه طريقة مختلفة لرؤية العالم."
  • "طفلك لا يحتاج إلى علاج، بل إلى من يفهمه ويحتويه."
  • "كل طفل مصاب بالتوحد يحمل نوراً ينتظر من يُضيئه."
  • "نحن لا نبحث عن الشفاء، بل عن القبول والدمج."
  • "الوعي بالتوحد لا يجب أن يكون ليوم واحد فقط، بل أسلوب حياة."

بعد اليوم العالمي للتوحد: كيف نُحدث التغيير الحقيقي؟

احتفلنا بيوم التوحد العالمي، نعم. لكن الأهم أن نُحوّل هذا الاحتفال إلى منهج يومي في حياتنا: أن نُعلم أبناءنا عن الاختلاف، أن ندعم الأسر التي تعاني، أن نرفض السخرية أو العزلة. فأن تكون إنساناً، يعني أن ترى الإنسان في كل من حولك، بصرف النظر عن "كيفية تواصله" أو "طريقة تفكيره".

إليك أهم الطرق لإحداث التغيير الحقيقي فيما يخص طيف التوحد:

  • التعليم الشامل: يجب أن تفتح المدارس أبوابها للجميع، وأن تُدرّب المعلمين على طرق التعامل مع الأطفال المصابين بالتوحد. التعليم حق، لا امتياز.
  • التكنولوجيا كوسيلة تمكين: استخدمي التطبيقات التي تُساعد طفلكِ على التعبير، مثل التطبيقات المعتمدة على الصور أو النطق الاصطناعي. التكنولوجيا اليوم حليف للمرأة التي ترعى طفلاً باحتياجات خاصة.
  • التمكين الاقتصادي للأمهات: كثير من الأمهات يضطررن لترك العمل لرعاية أطفالهن. من الضروري توفير برامج دعم نفسي ومهني لهن، ليشعرن بالقوة وليس بالعبء.
  • إدماج الكبار في سوق العمل: ليس كل المصابين بالتوحد أطفالاً. علينا أن نُطالب بسياسات تحفّز الشركات على توظيف البالغين المصابين بطيف التوحد وفق قدراتهم.

في الختام، عزيزتي القارئة، قد تكونين أماً لطفل مصاب بالتوحد، أو أختاً، أو صديقة، أو ربما امرأة تسعى ببساطة لفهم هذا الاضطراب لتكون أكثر وعياً. وفي كل الأحوال، أنتِ قادرة على أن تُحدثي فرقاً. اليوم العالمي للتوحد ليس مجرد مناسبة، بل تذكير بأن لكل شخص مكانه، ولكل أم قصتها، ولكل طفل طريقه نحو النور.

فلنُضيء بالأزرق دوماً، لا ليومٍ واحد، بل لكل الأيام.

مواضيع ذات صلة

  • الأسئلة الشائعة عن اليوم العالمي للتوحد

  1. ما هو لون يوم التوحد؟
    لون يوم التوحد هو اللون الأزرق، الذي تم اعتماده لأول مرة في حملة Light It Up Blue من قبل منظمة أوتيزم سبيكس عام 2010. يُرمز الأزرق إلى الهدوء والتفهم، ويُستخدم لجذب الانتباه إلى التوحد وإبراز أهمية دعم المصابين به. يظل الأزرق اليوم رمزًا عالميًا للتوعية والاحتفاء بالفرد المصاب بالتوحد.
  2. من أول من اكتشف التوحد؟
    أول من اكتشف التوحد هو الدكتور ليوناردو و. سبلينجر، وهو طبيب أطفال ألماني، الذي قدّم أول تعريف علمي لمرض التوحد في عام 1943. وصف سبلينجر مجموعة من الأطفال الذين يظهرون سلوكيات غير عادية في التواصل الاجتماعي والسلوكي، ومن ثم بدأ العلماء والباحثون في دراسة هذا الاضطراب بشكل أعمق. بعد ذلك، أطلق الطبيب الأمريكي هانز أسبرجر في الخمسينيات من القرن العشرين مفهوم متلازمة أسبرجر، وهو نوع من التوحد.
  3. ما الأشياء التي يحبونها المصابين في التوحد؟
    الأشخاص المصابون بالتوحد يميلون إلى التفاعل مع الأنشطة التكرارية التي تمنحهم شعورًا بالراحة، مثل التمتمة بالكلمات أو الحركات المتكررة. كما يحبون الأشياء الملموسة أو الميكانيكية مثل الألعاب التي تحتوي على أجزاء متحركة، ويشعرون بالراحة في بيئات منظمة تتبع روتينًا ثابتًا. بعضهم أيضًا يستمتع بالموسيقى أو الأصوات المهدئة التي تساعدهم على الاسترخاء.