من الفكرة إلى الضوء: دور ألمانيا في المتحف المصري الكبير
افتتاح المتحف المصري الكبير يعكس اهتمام عالمي ويعزز قطاع السياحة المصرية بتقديم كنوز الحضارة الفرعونية.
حظي الإعداد لافتتاح المتحف المصري الكبير باهتمام الإعلام الألماني، الذي سلط الضوء على دور شركات ألمانية في المتحف، في وقت بدأ فيه الترويج بشكل جديد للرحلات السياحية إلى مصر التي تشكل إحدى أكثر الوجهات المحببة للألمان.
استبق الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينماير مشاركته في افتتاح المتحف المصري الكبير بنشر مقطع مصور استعرض فيه محتويات المتحف من كنوز فرعونية، أبرزها قناع الموت الشهير للملك توت عنخ آمون. وأشار أيضًا إلى دور شركات هندسية ومعمارية ألمانية في تصميم وإضاءة قاعات العرض بالمتحف.
فيديو شتاينماير عكس اهتمام وسائل الإعلام الألمانية بهذا الحدث الكبير، إذ سلطت العديد من الصحف والمواقع الضوء على المتحف والمشاركة الألمانية فيه، لا سيما أن مصر من الوجهات السياحية المفضلة للألمان. ووفقاً لبيانات الخارجية الألمانية، فإن نحو 1.5 مليون سائح ألماني زاروا مصر عام 2023، وهو أكبر عدد من السائحين الأجانب في مصر.
المتحف المصري الكبير: أكبر متحف أثري في العالم
ففي تقرير مفصل، وصفت مجلة "دير شبيغل" الصرح بأنه "أكبر متحف أثري في العالم"، مضيفةً أنه "لا يبعُد كثيراً عن إحدى عجائب الدنيا السبع القديمة، وهي أهرامات الجيزة".
وبعد تحضيرات مكثفة وتأجيلات متكررة، افتُتح رسمياً المتحف المصري الكبير، الذي يروي تاريخ الحضارة الفرعونية وآثارها الممتدة على أكثر من ثلاثين سلالة وخمسة آلاف عام.
يعرض المتحف آلاف القطع النادرة والضخمة داخل قاعات عالية، وقد استغرق تشييده بشكله المعاصر أكثر من 20 عاماً، بتكلفة تجاوزت مليار دولار.
وسلّطت صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه" الضوء على افتتاح المتحف المصري الكبير، واصفةً إياه بأنه حدث "انتظره المؤرخون وعشاق الحضارة المصرية حول العالم منذ عقود".
وأشارت الصحيفة إلى مشاركة شركة "هان" الألمانية في بناء خزائن العرض في المتحف المصري الكبير، بإجمالي 155 خزانة، حيث جرى تركيب أولى الخزائن في عام 2019، وآخرها في منتصف عام 2024. ويرى خبراء ألمان أن المتحف قد يُحدث نقلة نوعية في البحث الأثري وعلم المصريات.
الماضي يُلهم المستقبل
ومن بين الشركات المشاركة شركة "أتيليه بروكنر" Atelier Brückner الألمانية، ومقرها شتوتغارت، حيث لعبت دوراً في مشروع المتحف المصري الكبير من خلال تصميم عدة أجزاء، خاصة معرض توت عنخ آمون.
وفي مقابلة مع DW عربية، قالت شيرين فرنغول-بروكنر، المديرة التنفيذية والمؤسِّسة المشاركة للشركة، إن المتحف المصري الكبير يضم معايير جديدة للبحث والحفاظ على الآثار، فهو "يجمع بين العلم وسرد القصص تحت سقف واحد".
وأضافت أن المتحف سوف "يوفر للباحثين والمختصين في الترميم بيئة ملهمة لتعميق فهمنا لمصر القديمة، بينما يتيح للجمهور فرصة تجربة هذه المعرفة بشكل مباشر. إنه حقاً مكان يستمر فيه الماضي في إلهام الاكتشاف".
ويتماشى حديث شيرين مع حقيقة ما يتضمنه المتحف من كنوز فرعونية، لا سيما المجموعة الكاملة للفرعون توت عنخ آمون التي اكتُشفت عام 1922 في مقبرة بوادي الملوك في صعيد مصر، وستكون هذه المجموعة بمثابة كنز المتحف الأكبر.
وقبل افتتاح المتحف، كانت هذه المجموعة مشتتة بين متاحف عدة في مصر أو تجوب العالم أو محفوظة في مخازن، وستُعرض الآن مجتمعة في قاعة واحدة داخل المتحف.
ولم يكن توت عنخ آمون، الذي حكم مصر لفترة قصيرة نسبياً، ملكاً عظيماً، لكن الكنوز المذهلة التي عُثر عليها تُعد شهادة نادرة على فنون وثقافة عصر الدولة الحديثة.
علم المصريات
احتفت مصر في الآونة الأخيرة بالمتحف، واصفة إياه بأنه "هدية مصر للعالم"، ويشكّل افتتاحه "حدثًا تاريخيًا" و"فصلًا جديدًا في تاريخ الحضارة المصرية"، و"حلمًا يليق بمصر وحضارتها الممتدة عبر آلاف السنين".
وفي هذا السياق، يرى البروفيسور كريستيان لايتس من معهد دراسات الشرق الأوسط القديم بجامعة توبنغن أن المتحف "يُعد الأكبر من حيث ما يزخر به من قطع أثرية مصرية قديمة، وبالتالي سيلعب دورًا مهمًا في الأبحاث المستقبلية في علم المصريات".
يُشار إلى أن البروفيسور كريستيان لايتس قاد في السابق عمليات بحث وتنقيب عن آثار فرعونية تعود لنحو ألفي سنة، بحسب موقع "ساينس ألرت".
وأضاف في مقابلته مع DW عربية من محافظة الأقصر حيث يتواجد حاليًا، أن "المتحف يضم أفضل المختبرات في مصر لجميع أنواع الآثار، مما سيساهم بشكل كبير أيضًا في دراسة وحفظ القطع الأثرية القديمة".
من جانبها، تقول الدكتورة مونيكا حنا، أستاذ مساعد الآثار والتراث الحضاري بالجامعة الأمريكية في بغداد، إنه ما زال "مبكرًا تقييم دور المتحف المصري الكبير في مجال الأبحاث المتخصصة، إذ لا توجد حتى الآن بروتوكولات واضحة تتيح للباحثين والأكاديميين مواصلة أبحاثهم داخل المتحف".
وأضافت في مقابلة مع DW عربية أنه "لا توجد حتى الآن منح مؤسسية مخصصة للباحثين الشباب لدراسة ونشر بعض القطع الأثرية الموجودة في المتحف. لذلك، يمكننا القول إن تقييم هذا الدور سيكون ممكنًا خلال السنوات الخمس المقبلة".
زخم السياحة
لم يكن افتتاح المتحف المصري الكبير حدثًا عابرًا يهم فقط عشاق الحضارة الفرعونية من الباحثين والمتخصصين، بل امتد صداه ليصل إلى قلب قطاع السياحة الألماني، حيث سارعت كبرى شركات السياحة إلى استثمار الحدث في الترويج لرحلاتها إلى مصر.
ففي حملاتها الدعائية، تصدرت صورة المتحف المصري الكبير واجهات الإعلانات، ووصفت إحدى الشركات المتحف بأنه "ليس مجرد متحف، بل مركز نابض بالحياة يُكرّم تاريخ مصر العريق".
وأضافت شركة أخرى أن "هناك سببًا جديدًا ومثيرًا لزيارة مصر، حيث كنوز 5000 عام من الحضارة الفرعونية تجتمع في مكان واحد: المتحف المصري الكبير، فخر المصريين الجديد!"
ويأتي هذا التفاعل الألماني في وقت تسعى فيه مصر إلى استعادة عافية قطاع السياحة، الذي يُعد شريانًا حيويًا لاقتصاد البلاد وتعزيز خزانتها من النقد الأجنبي، في ضوء الأزمة الاقتصادية التي تئن تحت وطأتها أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان.
وتعول الحكومة المصرية على المتحف الجديد لزيادة عدد الزوار بشكل كبير، حيث تشير التوقعات إلى أن المتحف وحده قد يجذب نحو سبعة ملايين سائح سنويًا، مما قد يزيد إجمالي عدد الزائرين إلى 30 مليونًا بحلول عام 2030.
وتعكس الأرقام الرسمية حجم الطموح، إذ استقبلت مصر العام الماضي 15.7 مليون زائر، أنفقوا ما مجموعه 15 مليار دولار، وهو رقم قياسي يعكس أهمية السياحة في دعم الاقتصاد.
وفيما اعتادت مصر استقبال ملايين السائحين الباحثين عن الشمس والبحر في منتجعات البحر الأحمر، تأمل القاهرة أن يسهم افتتاح المتحف المصري الكبير في جذب المزيد من عشاق الثقافة والتاريخ.