العنوسة في الوطن العربي بين الاختيار والظروف
الزواج أو العنوسة أمر اختياري وليس حتمياً، بإمكانك أن تقرر الوضع والطريق الذي ترغب بإكمال حياتك عليه، قد تجدالشريك المناسب لمشاركته ومقاسمته أفراح وآلام الحياة، كما قد تشاء الظروف سواء الشخصية أو الاجتماعية أن تحول دون مقاسمة أحدهم تفاصيل حياتك اليومية، لكن يجب أن تدرك عندئذ أن ذلك لا يعني الاكتئاب والوحدة، فطريق النجاح ترسمه بإرادتك بغض النظر عمن يشاركك إياه أو يشجعك عليه، فالمحبة تحيط بك من الأهل والأصدقاء والأحباء على مختلف الأصعدة، لكن في الوقت ذاته، لا يلغي ذلك أهمية ودور ومحبة الشريك الذي قد يكون السند الدائم لنهاية الحياة إن أردت.
فيديو ذات صلة
This browser does not support the video element.
ما المقصود بظاهرة العنوسة
من خلال البحث المعمق حول ظاهرة العنوسة وتعريفها، نجد أن العنوسة المعترف بها في معظم الدول العربية هي: "الشخص الذي لم يتزوج قط وقد تجاوز السن التقليدية للزواج".
إذ يختلف تقدّير السن التقليدية للزواج من مجتمع إلى آخر حسب الثقافة المنتشرة في كل منطقة، كما يختلف معنى مصطلح "العنوسة" في المجتمعات الغربية عن المجتمعات العربية.
ففي استطلاع لرأي عينة من الأمريكيين أجرته الكاتبة والكوميدية والمخرجة الأمريكية ماكفرلين (McFarlane) حول مصطلح العنوسة كما جاء في كتاب العنوسة (Spinster) للكاتبة كيت بوليك (Kate Bolick).
فإن معنى العنوسة بالنسبة لهم يمكن أن يدل على أن المرأة التي تستطيع العيش باستقلالية دون الاعتماد على الرجل، أما لوصف الرجل المتخطّي السن المناسبة للزواج، يُعبّر عنه بمصطلح أعزب، وهو الرجل الذي لم يتزوج قط وبقي وحيداً دون شريكة حياة.
الاختلاف في معنى المصطلح امتد إلى الاختلاف في تحديد عمر العنوسة لدى كل مجتمع، تبعاً لاختلاف العادات والتقاليد والثقافات، حيث تختلف المجتمعات الريفية عن مجتمعات المدن في تقديرها لعمر العنوسة.
ففي حين تعتبر المجتمعات الريفية الفتاة عانساً بعد عمر العشرين، فإن مجتمعات المدن تعتبر الفتاة عانساً بعد تجاوزها عمر الثلاثين أحياناً. [1]
معدلات تأخر الزواج بالبلدان العربية
بسبب غياب الدراسات الحديثة حول مشكلة العنوسة في الوطن العربي؛ لم نتمكن من إيجاد أرقام دقيقة وموثوقة حول تقديرات نسب العنوسة في المنطقة العربية والزواج المتأخر بين الشباب.
لكن بالعودة إلى بعض المصادر التي تناولت موضوع العنوسة بشكل عام؛ تمكنّا من إيجاد بعض دراسات العنوسة في مصر والمملكة العربية السعودية، وذلك كما يأتي: [1]
العنوسة في جمهورية مصر العربية
فقد بينت دراسة أجريت في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية لعام 2010 و2011 بجامعة القاهرة، أن ظاهرة العنوسة في مصر تزداد باستمرار، مما يعكس تأثيراً نفسياً يزيد من مستوى العنف ضد المرأة ومضايقتها.
كما أن هذه الظاهرة قد أدت إلى زيادة نسبة الزيجات السرية في مصر، بهدف التغلب على الصعوبات المالية التي تواجه الشباب، لكن من المعروف أن مثل هذه الزيجات لا تجد القبول في مجتمعاتنا الشرقية.
كما أن الزواج العرفي أو ما يسمى السري من الممكن أن ينتج عنه إنجاب أطفال غير معترف بهم في الدولة وأحياناً عدم الاتفاق والتجاوب بين الزوجين، مما يؤدي إلى الطلاق، ووفقاً لإحصائية صادرة عن المركز الوطني للسموم في القاهرة عام 2008 أقدمت الكثير من الفتيات المصريات على الانتحار بسبب العنوسة.
إذاً يمكن تقدير نسبة النساء اللاتي تخطين سن الزواج بشكل عام في مصر بـ40% وهذه النسبة آخذة في الازدياد بسبب الوضع السياسي والاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد كما ذكرت دراسة جامعة القاهرة.
العنوسة في المملكة العربية السعودية
فقد ذكرت صحيفة ديلي الباكستانية (Daily Pakistan)، (صحيفة إلكترونية باكستانية يرأسها الصحفي مجيب الرحمن الشامي وتغطي جميع الأخبار العالمية)، أن هناك أكثر من 4 ملايين عانس في المملكة العربية السعودية، بسبب ارتفاع تكاليف الزواج، وفقاً لعالم الاجتماع السعودي أحمد سناسي.
كذلك كشفت دراسة حديثة أجراها علي الزهراني (عضو هيئة التدريس في الجامعة الإسلامية في مكة)، أن عدد العوانس في المملكة العربية السعودية في عام 2015، بلغ نحو 4 ملايين بالمقارنة مع ما يقرب من 1.5 مليون في عام 2010.
أسباب العنوسة في الوطن العربي
تزايد نسبة الأشخاص (السيدات والرجال) غير المتزوجين في مجتمع، وبالتالي يؤدي ارتفاع نسبة العنوسة لعواقب وخيمة ومشكلات تضر بكيان المجتمع، لذلك لا بد من البحث في الأسباب التي تؤدي إلى العنوسة حتى نتمكن من إيجاد الحلول المناسبة، ومن ذلك ما يأتي: [2]
- إقبال الفتيات على التعليم وإكمال دراستهنّ، ورفض فكرة الارتباط والزواج أثناء الدراسة.
- عدم التنازل وتسهيل ظروف الزواج، فهناك نسبة من الفتيات يرفضن التنازل عن حقّهن في المهر، وإقامة حفلات الزفاف الباهظة الثمن، مع تأمين سكن وكماليات قد يعجز الشاب عن تقديمها.
- وضع الفتاة لشروط ومواصفات قياسية للشاب الذي تنوي الارتباط به، ووقوعها فريسة أحلام اليقظة لفارس أحلامها ورفض المتقدمين لها، ممن لا يملكون هذه المواصفات أو فاقدين لبعضٍ منها.
- رفض الفتاة الزواج برجل كان قد تزوج مسبقاً، ورفض فكرة تعدد الزوجات.
- البطالة وانخفاض فرص العمل لدى الشباب، مما يدفعهم إلى تأجيل فكرة الزواج.
- الانخراط في الحياة العملية بالنسبة للجنسين، فبالنسبة للشباب فإن دخولهم في مجال البحث عن العمل والانشغال به لتأمين مستقبلهم، يجعلهم منشغلين عن الترتيب لأمور الزواج لفترات قد تطول، وبالنسبة للفتيات، فإن طموحهنّ في ضمان مستقبل جيد لهنّ بعد إتمام دراستهنّ وإيجاد عمل لإثبات شخصيتهنّ في المجتمع يؤدي إلى مرور السنوات بشكل سريع وضياع فرص الزواج وانخفاض فرصة اختيار المناسب من الشبان المتقدمين لهنّ.
- يفضل العديد من الشباب الزواج من الفتيات الصغيرات في السن، غير العاملات، ذلك لأن الزواج بالفتاة العاملة والموظفة برأيهم سيشغلها عن تنظيم أمور بيتها والاهتمام به.
- عيش بعض الشباب في رفاهية اجتماعية ومادية عالية، مما يجعلهم يرفضون فكرة الزواج نتيجة لجوئهم للانحراف، وتوفّر كل متطلباتهم دون وجود طموح لتشكيل أسرة وبناء مستقبل جيد.
- مرور الفتيات والشبّان بعلاقات عاطفية فاشلة، أو رؤية تجارب زواج فاشلة؛ تعرّض لها بعض أصدقائهم أو ذويهم، مما يؤثر سلباً على نفوس الشباب ويبعدهم عن شجاعة اتخاذ قرار الزواج.
- خوف الشباب من تحمّل مسؤولية تكوين أسرة والالتزام بالواجبات والحقوق المفروضة عليهم، مما يؤدي إلى رفضهم فكرة القيود الملزمين بها، وبالتالي رفض فكرة الزواج كلها.
- وضع الأهل لشروط صعبة تشكّل عائقاً أمام زواج أبنائهم، مثل طمع بعض الآباء بالمهور المقدّمة من الشباب، أو اختيار الأم لزوجة ابنها وفقاً لمواصفات معينة، غير مهتمة برأي ابنها المقبل على الزواج، مما يسهم في التشدّد في اختيار الفتيات ومُضي الوقت دون وقوع الزواج.
حلول للحد من تزايد ظاهرة العنوسة
للمساهمة في التخفيف من حدة آثار انتشار ظاهرة العنوسة، من الممكن اتباع الحلول الآتية كخطوات فعّالة للتخفيف من انتشار هذه الظاهرة وإيجاد الحل المناسب لمعالجة ما ينجم عنها من سلبيات، ومنها ما يأتي: [2]
- زيادة وعي المجتمع حول الزواج والفوائد التي تنعكس عليه وتسهيل الطريق إليه، من خلال وسائل الإعلام وإقامة حملات إعلانية تشجع عليه.
- التخفيف من شروط المهور والمسكن الملقاة على عاتق الشاب، وذلك لتشجيعه على التقدم لطلب الزواج من الفتاة التي يختار دون وجود معوقات يمكن أن يتم تفاديها ببساطة.
- توعية الفتاة والشاب على عدم وجود إنسان مثالي، فأي إنسان يمتلك صفات إيجابية وأخرى سلبية، والأصح هو إقامة توازن في الحياة والسعي وراء تفادي السلبيات بتعاون ثنائي من الشريكين.
- إقامة جلسات نقاش بين الأبناء وآبائهم وإجراء حوار حول الرغبة في الزواج واختيار المناسب دون التعصّب في الآراء من قبل الطرفين، وإعطاء الأبناء الحرية في الاختيار دون وضع ضوابط متشدّدة.
- رعاية الأسرة وتربية الأبناء تربية صالحة والاهتمام بهم وبميولهم منعاً من للانحراف وارتكاب الأخطاء.
- زيادة النشاطات الاجتماعية وتوسيع العلاقات لزيادة فرص تعرف الناس على بعضهم والعثور على الشريك المناسب.
- تشجيع الأهالي لأبنائهم على الزواج وإعطائهم النصائح المناسبة لتحمل المسؤولية والالتزام بشكل لا يقيّد الحريات.
- قيام الدولة بوضع تسهيلات للشباب وتوفير فرص عمل مناسبة لهم وتأمين شقق سكنية بأسعار معقولة، وبناء قاعدة اقتصادية جيدة لتحفيز الشباب على الزواج وعدم العزوف عنه.
وهناك من أسند بعض الحلول لمهمة رجال الأعمال، إذ بيّن أحمد السناني خبير القضايا الاجتماعية في المملكة العربية السعودية عند مناقشته لمشكلة العنوسة وارتفاع نسبتها، أنه يجب أن تكون هناك مساعدة من قبل رجال الأعمال والجمعيات الخيرية لتحمّل المسؤولية الاجتماعية في هذه القضية، وذلك من خلال بناء صالات الأفراح وتأجيرها للمقبلين على الزواج لقاء رسوم رمزية بسيطة، كذلك توفير شقق وأبنية سكنية لتسهيل متطلبات الزواج بالنسبة للشباب.
كما أن الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان؛ بعد ملاحظته ظاهرة ارتفاع المهور في السعودية، وارتفاع معدلات العنوسة في السعودية، دعا إلى عقد اجتماع لشيوخ القبائل لإعداد وثيقة تحديد مهور الزواج، حيث بلغ متوسط المهر للفتاة غير المتزوجة سابقاً نحو 50000 ريال سعودي، أما المرأة المتزوجة سابقاً فقدّر مهرها بـ30000 ريال سعودي.
مع مثل هذه الخطوات نستطيع الارتقاء بالمجتمع والتمكن من حل العديد من المشكلات، التي تحمل في جوانبها أبعاداً خطيرة تتمثل في اختلال توازن المؤسسات الاجتماعية وفي مقدمتها الأسرة.
إذ يؤدي تدنّي نسبة الزواج إلى انخفاض عدد الأسر في المجتمع، وبالتالي تهديد كيان المجتمع كله، بالإضافة إلى فقدانه للأيدي العاملة الجديدة؛ مما يسبب متاعب اقتصادية قد تؤدي إلى تدهور الاقتصاد الوطني لأي مجتمع.
شخصيات عالمية اختارت البقاء دون زواج
إن كلمة عانس أو أعزب (متأخر في الزواج) في المجتمعات الشرقية تعتبر مهينة ومسيئة وانتقائية جداً لكلا الطرفين وقد يتعرض أصحابها إلى الاكتئاب والشعور بالوحدة لاعتقادهم بأنهم غير مرغوبين وغير جديرين بالزواج.
فقد تترك العنوسة والعزوبية آثاراً نفسية سلبية على أصحابها، بالإضافة إلى نظرة المجتمع السلبية للعازبين والمتأخرين في الزواج، لكن بالرغم من كل تلك المتاعب نجد أن العديد من النساء والرجال المشهورين، الذين وصلوا إلى قمة النجاح دون أن يفكروا أو يختاروا الزواج. [1]
إذ إن حياتهم لم تتوقف على الشريك، حيث قابلوا الانتقادات الموجهة لهم بنجاح وتطوير لذاتهم غير مهتمين بنظرة المجتمع والبيئة المحيطة بهم، فنجد مثلاً:
- أوبرا وينفري (Oprah Winfrey): مقدمة البرامج الشهيرة، حازت على النجاح وأثبتت جدارتها في مسيرة حياتها دون أن تضع خاتماً في إصبعها، لتصبح واحدةً من أكثر النساء نفوذاً وثراءً في القرن العشرين، فكان يكفيها أن تحصل على الدعم والحب من أصدقائها وصديقاتها والمقربين إليها لتكون امرأة قوية، وكانت نصيحتها دائماً: "كن شاكراً لما لديك".
- كونداليزا رايس (Condoleezza rice): أول وزيرة في الولايات المتحدة الأمريكية من أصل إفريقي، والقوة الرائدة وراء نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط، تعمل كأستاذة في كلية ستانفورد للدراسات العليا في إدارة الأعمال، ومديراً للمركز العالمي للأعمال الاقتصادية، تخلو حياتها الخاصة من الرجل، اختارت عدم الزواج لاعتقادها بأنها تعيش بشكل جيد بعيداً عن حكاية الزواج الخرافية.
- الأم تيريزا (Mother Teresa): سفيرة الحب والسلام الراهبة الهندية، قائدة الحركة العالمية لخدمة المرضى والأيتام والفقراء، صحيح أنها كانت راهبة وعملياً لا يُسمح لها بالزواج، ولكن هذا لم يمنعها من أن تبين للعالم بأن الحياة غير مشروطة بالوقوع في حب رجل أو الزواج، وكانت تنصح بنشر الحب في كل مكان نذهب إليه، وكانت تدعو بألا يأتي أحد دون أن يترك السعادة في نفوس الآخرين.
- كوكو شانيل (Coco Chanel): الرائدة في الخياطة وتصميم الأزياء الأكثر شهرة في العالم، تعلمت كوكو الخياطة في دار الأيتام من الراهبات وطوّرت مهارتها لتصبح ذات عقل مدبّر في مجالها ولتنال شهرة عالمية لا حدود لها، لم تتزوج كوكو أبداً وبررت قرارها بعدم الزواج بأنها لم ترغب على الإطلاق في الاعتماد على رجل لتكمل حياتها وتحصل على النجاح.
- بيتهوفن (Beethoven): المؤلف الموسيقي الألماني، ذو الشهرة العارمة في تاريخ الموسيقى، مؤلّف أجمل الروائع الموسيقية في عالم الفن، والذي أسس علاقات غرامية مع العديد من النساء، فقد عاش لمدة 75 عاماً مرافقاً موسيقاه مع الجميلات من النساء، وقرر البقاء أعزباً دون الارتباط طول حياته.
- ليوناردو دافينشي (Leonardo da Vinci): الفنان الإيطالي الرائع والرسّام العظيم صاحب اللوحة الأكثر شهرة (موناليزا)، كان لدافينشي حياته الخاصة والسرية والتي لا يسمح لأحد بالتعرف على أبعادها وخفاياها، توفي دافينشي وهو غير متزوج وغير مرتبط بشريكة حياة تاركاً خلفه أسراراً كثيرة تتوّق الكثير لمعرفتها.
- ليوناردو دي كابريو (Leonardo Di Caprio): الممثل الأمريكي الناجح والذي نشاهده في العديد من الأفلام الرومانسية الجميلة، نال العديد من جوائز غولدن غلوب والأوسكار، والذي شاع صيته بعد أدائه لدور البطولة في فيلم تايتانيك، ولدى دي كابريو العديد من المعجبات سواء على الشاشة أو خارجها واللواتي يعتبرنه ذا جاذبية خاصة، وأتمّ دي كابريو التاسعة والأربعين من عمره، وما زال حتى الآن وحيداً دون زواج مختاراً عدم الارتباط.
أخيراً، بعد اطلاعنا على أسباب العنوسة في الوطن العربي نجد أن كثيرين يستهترون بظاهرة العنوسة، ولكنها فعلياً تحمل في خلفيتها العديد من العواقب والمخاطر النفسية والاجتماعية والأخلاقية والسلوكية، التي من الممكن أن تؤثر سلباً على المجتمع بأكمله، لذلك يجب ألا نتهاون بهذا الشأن أبداً ونبدأ بإيجاد الحلول على المستوى الفردي والمجتمعي.