فيلم عازف البيانو The Pianist : قصة شاهد عيان كان هناك ما رآه وما يتذكره وما شعر به

  • تاريخ النشر: الإثنين، 14 مارس 2016 | آخر تحديث: الأحد، 20 مارس 2016
مقالات ذات صلة
ألوان الشعر الجريئة ما لها وما عليها
أحمد السقا يتذكر جده المطرب الشهير.. وما علاقته بأم كلثوم؟
بالفيديو: هل أبوهشيمة نادم على طلاقه من هيفاء وهبي وما رأيه بحجابها؟

عساف الروسان - جخه موفي

 

عازف البيانو يحكي قصة موسيقي كلاسيكي يهودي بولندي، أحد الذين نجوا من المحرقة بالقليل من مساعدة البعض والكثير من الحظ. المخرج رومان بولانسكي نفسه هو أحد الناجين من المحرقة على عكس والدته التي لم يحالفها الحظ، لذلك من المنصف أن نفترض أن يكون الفيلم انعكاس لتجربة بولانسكي نفسه، فبولانسكي الطفل الذي دفعه والده عبر الأسلاك الشائكة في مخيم الاعتقال ليسير فيما بعد وحيداً خائفاً في شوارع كراكوف ووارسو ويتلقى الرعاية والعطف من الغرباء هو ما ضمن له النجاة، وهذا ما نراه من خلال الفيلم وقصة نجاة سبيلمان حيث تلعب الصدفة التي لا يمكن تفسيرها، الحظ، وتعاطف الغرباء الدور الأساسي في تقرير مصيره. فالفيلم يبتعد تماماً عن محاولة اثارة الترقب والتشويق أو مشاعر التعاطف، بل عبارة عن متابعة لمجموعة من الأحداث التي مر بها عازف البيانو، فقط ما رآه وما حدث له، لذلك حقيقة أن عازف البيانو قد نجا لم يقدم لنا سينمائياً بجو من الفرح والإنتصار في ظل حقيقة أن كل الذين أحبهم قد ماتوا.

نشاهد سبيلمان عازف البيانو (أدريان برودي)، وهو يعزف شوبان على محطة إذاعة وارسو عند سقوط أول القنابل الألمانية ومع ذلك يستمر في العزف لنرى مدى ارتباطه بفنه من جهة ومدى اعتزازه بنفسه من جهة أخرى ليتشكل لدينا تصور واضح لحجم المعاناة والإذلال التي سيمر بها فيما بعد مع عائلته التي يبدو لنا من خلال رفضهم للهرب في بداية الحرب عندما كانت الفرصة سانحة أن العائلة كانت على مستوى جيد وآمنة، لذلك نرى ابتهاجهم عندما تعلن انكلترا وفرنسا الحرب على هتلرليعود الأمل بقرب هزيمة النازيين وعودة الحياة إلى وضعها الطبيعي، وكما نعلم أن ذلك لم يحدث.

هذا الفيلم يختلف عن جميع الأفلام المشابهة التي تغطي نفس الأحداث، فالفيلم مستند على السيرة الذاتية التي كتبها سبيلمان بعد وقت قصير من الحرب، لذلك الأحداث والمشاعر التي مر بها لم يمضي عليها وقت ولم تذبل بل كانت ما تزال واضحة في ذاكرته، فنرى أن الجميع (اليهود وغير اليهود) يحاولون التأقلم مع الوضع الجديد، وهو ما يسلط الضوء على المعضلات الأخلاقية التي يواجهها المجتمع في ظل سطوة النظام النازي، وعلى العكس من معظم قصص النجاة التي تبرز شخصيات الناجين كأبطال من خلال ارساء رسالة ان الشجاعة والجرأة هي التي مكنتهم من انقاذ انفسهم – وقد يكون هذا صحيح بالنسبة للبعض لكن الواقع والتاريخ يقول أن الأغلبية حتى وإن حاولت لم تستطع –  لذلك يقدم لنا الفيلم عازف البيانو سبيلمان باعتباره أحد الناجين لا أكثر، ليس مقاتلا أو بطلاً. بل مجرد رجل فعل كل ما بوسعه لإنقاذ نفسه، ولولا الكثير من الحظ وعطف البعض – من غير اليهود – لكان قد مات أيضاً، ولربما هي طريقة بولانسكي ليوصل اعتقاده بأنه على قيد الحياة بسبب نفس الظروف بينما والدته توفيت وتركت فيه جرحاً لا يلتئم ولا يخفف عنه بصناعة فيلم وهو من قال : ” أن وفاة والدته في غرف الغاز لا تزال مؤلمة بحيث أن موته فقط  هو ما سيضمن له الراحة والخلاص”.

الفيلم يروي قصة طويلة ورائعة عن نجاة سبيلمان، ومع أن بعض النقاد عابو بطئ سير الأحداث في الفيلم ، إلا أني أجده مناسب وخيار ذكي من المخرج رومان بولانسكي، فنحن نشاهد القصة من خلال تجربة سبيلمان الشخصية فلا نرى إلا ما يراه، ودائماً معه، لا توجد قصص ثانوية أو أحداث موازية، لا نعلم كمشاهدين أي شيء أكثر مما يعلم، لذلك لا بد أن يمر الوقت علينا وعليه بشكل بطيء وقاتل وهو ما يجعلنا نرتبط به أكثر ونستشعر مأساته. وفي النهاية الفيلم على غير المتوقع لا يسجل انتصاراً من خلال نجاة عازف البيانو بل يروي قصة شاهد عيان كان هناك، ما رآه وما يتذكره وما شعر به.