رامي العلي: من دمشق إلى باريس... حكاية أناقة تنبض بالهوية العربية

رامي العلي: قصة أول مصمم سوري يشارك في أسبوع الموضة بباريس ويمزج بين التراث والابتكار.

  • تاريخ النشر: الأربعاء، 01 أكتوبر 2025 زمن القراءة: 11 min read
رامي العلي: من دمشق إلى باريس... حكاية أناقة تنبض بالهوية العربية

في عالمٍ يتغيّر بسرعة وتحتدّ فيه المنافسة، يبرز بعض المصممين بفضل تمسّكهم بهويتهم، وشغفهم الذي لا يخبو، وقدرتهم على تحويل الثقافة إلى موضة، والحنين إلى تصميم.

في هذا الحوار الحصري مع مجلة ليالينا، نلتقي مع رامي العلي أول مصمم سوري يشارك في أسبوع الموضة بباريس لعام 2025، ليروي لنا عن بداياته، شغفه، وتأثير الثقافة السورية في أعماله، وصولاً إلى طموحاته المستقبلية ورسائله لجيلٍ عربيٍ جديد.

  • بدايةً، نود أن نعود معك إلى البدايات... كيف كانت نشأتك في سوريا، وكيف بدأت ملامح شغفك بالموضة تظهر؟

وُلدتُ في سوريا ودرستُ الاتصالات البصرية في كلية الفنون الجميلة بدمشق، وتخرجت في عام 1995. غرست والدتي في نفسي تقديرًا عميقًا لجماليات ثقافتنا، من الأزياء والطعام إلى تفاصيل الحياة الراقية. ومن هذا الأساس نمى شغفي، إذ بدأتُ برسم التصاميم المستوحاة من العمارة والحرف اليدوية منذ سن مبكرة.

رامي العلي في حوار مع مجلة ليالينا

  • ما هو أول تصميم نفذته بيدك و تتذكره حتى اليوم؟ وكيف كانت ردة فعل من حولك؟

أول تصميم لي كان فستان سهرة صممته لأختي لحضور زفاف أحد الأقرباء. كان مصنوعاً من قماش التفتا باللون الفوشيا، وقد نال إعجاباً كبيراً.

"استوحي تصاميمي من العمارة السورية"  

  • هل تلقيت دعماً من العائلة والمحيط في بدايتك؟ أم واجهت صعوبات في تقبّل فكرة دخول عالم الأزياء كمهنة؟

في البداية، لم تخلُ الرحلة من بعض التحديات، خاصة وأن والدي، كونه مهندسًا معماريًا، كان يتمنى أن أدرس الهندسة المعمارية. لكن مع مرور الوقت، أصبحت عائلتي الداعم الأكبر لموهبتي. تصفحوا مجلة ليالينا وعدد خاص يحتفي بالمرأة الإماراتية.

  • ما الذي جذبك إلى عالم تصميم الأزياء دون غيره؟

عالم الموضة منحني مساحة واسعة لدمج الإبداع مع التراث وتحويل الأفكار والقصص إلى قطع ملموسة تنبض بالحياة. لطالما شدّتني قدرة الأزياء على إثارة المشاعر وترك أثر عميق من خلال الحِرفية الدقيقة والتفاصيل المدروسة، وهو ما وجدته أكثر تأثيرًا وتعبيرًا من التصميم الجرافيكي بمفرده. في الموضة، هناك حوار بصري دائم بين الجمال والهوية، وهذا ما أسرني منذ البداية.

  • كيف تعكس الثقافة السورية في تصاميمك؟ وهل نرى فعلاً نقوشاً أو لمسات من التراث في كل مجموعة تطلقها؟

الثقافة السورية حاضرة دائمًا في أعمالي، لكنها لا تظهر بالضرورة بشكل مباشر أو تقليدي. استوحي كثيرًا من عناصر العمارة السورية الغنية، كالمشربيات، والزخارف الهندسية للبلاط العثماني، وتطعيمات عرق اللؤلؤ، وتقنيات التطريز العريقة – فهي جزء من ذاكرتي البصرية ومرجع دائم في عملي.

ومع ذلك، فإن كل مجموعة أُطلقها تنبع من إلهام خاص، قد يكون من رحلة، أو عمل فني، أو حتى لحظة تأمل. لا أكرر الرموز، بل أعيد تفسيرها بشكل تجريدي ومعاصر، بحيث تحمل الروح دون أن تكرر الشكل، وهذا ما يمنح كل مجموعة طابعها الفريد وهويتها الخاصة.

"أول مصمم سوري يُشارك في أسبوع الموضة في باريس" 

  • من هم رموز الإلهام في حياتك؟

في مجموعتي الأخيرة، كان الإلهام مستمدًا من الثراء البصري والروحي للعمارة الدمشقية. استحضرتُ التفاصيل الدقيقة لأعمال الخشب المحفور في قصر العظم، والإيقاع الهندسي المتناغم في خان أسعد باشا، وهدوء الزخارف في بلاط جامع الدرويشية. كما استلهمت الرقي المتأصل في البيوت الدمشقية العريقة مثل بيت نظام وبيت فرحي، التي كانت يومًا ما موطنًا للحرفيين، والخطاطين، والنسّاجين.

هذه المواقع التاريخية لا أراها مجرد أماكن، بل مصدر إلهام حيّ، أُعيد إحياءها عبر تصاميم معاصرة تحمل طابع الأزياء الراقية. وبدعم من مجلس الحرف السوري، الذي يلعب دورًا مهمًا في صون الحرف التقليدية، تكتسب التصاميم بعدًا إضافيًا من الأصالة والرؤية. كل قطعة هي بمثابة حوار بين الماضي والحاضر، بين التراث والابتكار.

مصمم الأزياء رامي العلي

"فستان فوشيا لأختي... هكذا بدأت أولى خطواتي نحو الموضة"

  • ما شعورك كأول مصمم سوري يشارك في أسبوع الموضة في باريس لعام 2025؟ وماذا يعني لك هذا الإنجاز على الصعيدين الشخصي والوطني؟

كان شعورًا يتجاوز الكلمات — مزيجًا من الفخر والامتنان والمسؤولية. أن أكون أول مصمم سوري يُشارك في أسبوع الموضة في باريس هو إنجاز شخصي عزيز، لكنه قبل كل شيء انتصار لسوريا، والمبدعين العرب الذين يؤمنون بقوة الهوية والإبداع الأصيل.

هذا الحدث لم يكن مجرد محطة مهنية، بل رسالة واضحة بأن التميّز الحقيقي لا يعرف حدودًا، وأن الجمال حين يكون نابعًا من الجذور الثقافية، يملك القدرة على الوصول والتأثير عالميًا. شعرت أنني أحمل صوتًا، وتاريخًا، وذاكرة كاملة معي على المنصة — وكان ذلك أعمق من مجرد عرض أزياء.

"هويتي العربية كانت دائمًا مصدرًا للتميّز"

  • ما التحديات التي واجهتها للوصول إلى هذا الحدث العالمي؟ وهل شعرت أن كونك عربياً أو سورياً شكّل عائقاً أم تميزاً؟

الوصول إلى منصة عالمية مثل أسبوع الموضة في باريس لم يكن طريقًا سهلاً، خاصة عندما تبدأ مسيرتك بعيدًا عن مراكز الموضة التقليدية. 

تطلّب الأمر الكثير من الصبر، المثابرة والمرونة في مواجهة التحديات. تواجدي في دبي منحني تفردًا من حيث الهوية والرؤية، لكنه في الوقت ذاته حمّلني مسؤولية مضاعفة لإثبات نفسي وكسب التقدير في سوق عالمي شديد التنافسية.

بالنسبة لهويتي العربية والسورية، فقد كانت دائمًا مصدر تميز وليست عائقًا. الأصالة التي أحملها ومرجعياتي الثقافية شكلت جوهر قوتي، وجعلت من كل تصميم أقدمه فرصة لسرد قصة فريدة بلغة عالمية. أيضًا لقاء خاص مع خبير التجميل ميلاد حنون وأهم صيحات الجمال لعام 2025.

فستان من تصميم رامي العلي

  • كيف كان صدى عرضك في باريس؟ وما التعليقات التي تلقيتها من النقاد وعشاق الموضة العالميين؟

لاقى العرض صدى إيجابيًا واسعًا بين النقاد وعشاق الموضة، الذين أثنوا على الأسلوب المتفرّد، والحِرفية العالية، والقدرة على ترجمة الذكريات والمرجعيات الثقافية إلى تصاميم تنبض بالأناقة والرقي. قُدّرت المجموعة ليس فقط من حيث التقنية أو الجماليات، بل من حيث المشاعر التي نقلتها والقصص التي روتها من خلال كل قطعة.

لكن ما ترك الأثر الأعمق في نفسي، كان حجم الدعم والفخر الذي لمسته من الجمهور العربي، وزملائي في المجال، ومجتمعي ككل. شعرت أن العرض لم يكن مجرّد حضور في حدث عالمي، بل لحظة تمثيل لهوية بأكملها، ورسالة بأن الإبداع العربي قادر على الحضور بقوة على الساحة الدولية.

"الأناقة الحقيقية تكمن في التوازن: بين العصرية والاحتشام"

تصاميم رامي العلي

  • ما نصيحتك للسيدة العربية التي تحب أن تواكب الموضة دون مبالغة؟

أنصح السيدة العربية بأن تجعل من الأناقة وسيلة للتعبير عن ذاتها، لا مجرد تقليد للاتجاهات. اختيار القطع التي تعكس شخصيتها وتبرز جمالها الطبيعي هو الأساس، دون مبالغة أو تكلف.
الأناقة الحقيقية تكمن في التوازن: بين العصرية والاحتشام، بين الذوق الرفيع والراحة، وبين مواكبة الموضة والوفاء للجذور الثقافية. فالثقة بالنفس، حين تترافق مع وعي جمالي، تصنع أسلوبًا لا يُنسى.

"الاستدامة يجب أن تكون جزءاً من فلسفة التصميم"

  • برأيك، كيف تغيّرت نظرة الناس للموضة في ظل السرعة الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي؟

في زمن السرعة الرقمية ومنصات التواصل، تغيرت نظرة الجمهور إلى الموضة بشكل جذري. أصبحت الاتجاهات تتبدل بوتيرة متسارعة، وأصبح الجمهور يطالب بالجديد بشكل شبه يومي، مما فرض تحديات إضافية على المصممين لمواكبة هذا الإيقاع دون التفريط في الجودة أو الرؤية الإبداعية.

في المقابل، منحتنا هذه المنصات فرصة استثنائية لإيصال صوتنا وهويتنا إلى جمهور عالمي، لتقديم الموضة كمساحة حقيقية للتعبير الثقافي، لا مجرد عرض سطحي للملابس. أصبح الجمهور أكثر وعيًا وأكثر بحثًا عن المعنى والرسالة خلف كل تصميم، وهذا برأيي تطور إيجابي.

وسط هذا الزخم الرقمي، تبرز قيمة الأصالة والحرفية أكثر من أي وقت مضى. التصاميم التي تنبع من صدق التجربة وعمق الثقافة هي وحدها القادرة على البقاء والتأثير، مهما تغيرت الصيحات.

تصاميم رامي العلي في اسبوع الموضة

  • ما رأيك ب "الموضة المستدامة"؟ وهل تراها ضرورية أم مجرد توجه مؤقت؟

أن الاستدامة يجب أن تكون جزءاً من فلسفة التصميم، سواء كنا نصمم للمستقبل أو نستلهم من الماضي. إنها ليست فقط مسؤولية أخلاقية، بل أيضًا فرصة لإعادة تعريف الجمال والقيمة في عالم الموضة.
الموضة المستدامة لا تعني فقط استخدام خامات صديقة للبيئة، بل تشمل احترام الحرفيين، تقليل الهدر، وإنتاج قطع تدوم طويلاً وتحمل قيمة فنية وإنسانية. وفي رأيي، الأزياء الراقية (Haute Couture) بطبيعتها أقرب إلى هذا المفهوم، لأنها تُصنع بحرفية عالية لشخص بعينه، وتُحفظ كإرث وليس مجرد منتج للاستهلاك السريع.

  • كيف ترى المنافسة بينك وبين المصممين العرب الذين أصبحوا أيضاً عالميين؟ هل هي محفّزة أم ضاغطة؟

هذا محفّز للغاية. عندما ينجح المصممون العرب على المستوى العالمي، هذا يسلط الضوء على المبدعين العرب . أنا برأيي هناك هدف مشترك بين المصممين العرب هو الأصالة، والتميز، وعكس ثقافتنا — وليس التنافس.

"أحلم بعرض أزياء في قلب دمشق... حيث بدأت الحكاية"

  • تعاونت أكثر من مرة مع النجمة أصالة نصري، كيف تصف هذه العلاقة؟ وما الذي يجمع بينكما على الصعيد الفني والإنساني؟

تجمعني بالفنانة أصالة صديقة قديمة، العمل مع أصالة يقوم على قيم ثقافية وإبداعية مشتركة. فمثل هذه التعاونات ترتكز على الاحترام المتبادل والتكامل الفني.

  • تعاونت مع نجمات عالميات و عارضات شهيرات... كيف يتم هذا النوع من التعاون؟ وهل تختارهم أنت أم يتم التواصل معك من قِبلهن؟

طبيعة هذه التعاونات تختلف من حالة إلى أخرى. في بعض الأحيان، يتواصل معنا النجوم أو فرقهم المتخصصة في تنسيق الإطلالات، بعد أن يلفت انتباههم أحد التصاميم أو العروض. وفي أحيان أخرى، نبادر نحن بالتواصل عندما نرى تقاطعًا إبداعيًا أو شخصية نعتقد أنها تُجسد روح المجموعة بشكل مثالي.

في النهاية، العامل الأهم هو وجود تواصل حقيقي وثقة متبادلة. فعندما تكون هناك رؤية مشتركة واحترام فني، تصبح النتيجة تعاونًا ناجحًا يتجاوز الإطلالة ليصبح لحظة مؤثرة في مسيرة كلٍّ من المصمم والشخصية التي ترتدي التصميم.

  • بعد مشاركتك في أسبوع الموضة بباريس، ما الخطوة التالية؟ وهل تخطط للتوسع في اتجاه معين مثل العطور أو المجوهرات؟

التركيز حالياً على توسيع توزيع الأزياء الجاهزة بشكل استراتيجي، وقد ببعض التعاونات المنسقة بمجالات مختلفة، مع الحفاظ دائمًا على روح الأزياء الراقية و هوية الدار.

من مجموعة رامي العلي

  • هل تحلم بإقامة عرض أزياء في دمشق؟ وإن أتيحت لك الفرصة، كيف تتخيل هذا العرض؟

آمل بشدة أن أعود يومًا ما بعرض أزياء في دمشق—ربما في فناء تاريخي أو قصر عثماني مُرمَّم—يجمع بين الموضة والعمارة والتراث السوري في حوار بين الماضي والحاضر.

  • ما رسالتك للشباب العربي الموهوب الذي يطمح لأن يكون مثلك في عالم الأزياء؟

رسالتي لهم أن يبقوا صادقين مع ذواتهم، وألا يتخلّوا عن جذورهم مهما كانت المغريات. النجاح الحقيقي لا يأتي من التقليد أو السعي وراء الصيحات، بل من العمل الجاد، والرؤية الواضحة، والإيمان بالهوية الفردية.

الطريق قد يبدو معقدًا أحيانًا، خاصة في صناعة عالمية كهذه، لكن التميز والثبات على المبادئ يفتحان الأبواب، حتى في أكثر البيئات تحدّيًا. آمنوا بحرفتكم، واعتبروا كل تصميم فرصة لتقديم جزء من أنفسكم للعالم – فالعالم بحاجة لسماع صوتكم، ورؤية إبداعكم من منظوركم أنتم.

  • أخيراً، ما هي رسالتك لقراء مجلة ليالينا في العالم العربي من خلال هذا الحوار؟

هذا الحوار ليس مجرد سرد لمسيرة شخصية، بل هو تحية لكل الحالمين والحرفيين في عالمنا العربي، وخاصة في سوريا، الذين يواصلون الإبداع رغم كل التحديات.
رسالتي إلى قرّاء ليالينا أن يتمسّكوا بهويتهم وجمال تراثهم، وأن يؤمنوا بأن النجاح ليس مجرد إنجاز فردي، بل فعل من أفعال المقاومة الثقافية.
كل غرزة في تصميم، وكل فكرة تُترجم إلى إبداع، تحمل وعدًا بأن ما نؤمن به يمكن أن يتحقق — حين نؤمن بذاتنا ونصون جذورنا.

ليالينا الآن على واتس آب! تابعونا لآخر الأخبار