تنمية شخصية الطفل

  • تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الإثنين، 17 أكتوبر 2022
تنمية شخصية الطفل

تنشأ شخصية الفرد نتيجة لتربية وسلوك ومزاج معين عايشه في الصغر، واستمر معه حتى دخل مرحلة عمرية جديدة، لذا نجد لكل شخص سلوكاً مميزاً يعكس البيئة التي تشكل فيها، والتربية التي نشأ عليها، وبذلك فإن شخصية الفرد توضح مدى نجاح التنمية الشخصية والنفسية التي تلقاها في طفولته، ومدى نجاح والديه في إرشاده لأهم الأمور التي جعلت منه شخصاً مستقلاً، وفي هذا المقال نوضح لك كيفية تنمية شخصية الطفل منذ الصغر والمؤثرات المختلفة عليها.

كيفية تنمية شخصية الطفل

يقول الدكتور روس طومسون، أستاذ في علم النفس في جامعة كاليفورنيا، إن أثر التنمية الاجتماعية والشخصية للطفل يبرز من خلال نضوجه البيولوجي وقدرته على التفاعل مع التأثيرات الاجتماعية وتمثيل ذاته في المجتمع من حوله، ويتضح هذا الأمر أكثر من خلال تطور علاقاته الاجتماعية ونمو شخصيته.

وهناك العديد من المؤثرات الخارجية التي تشكل شخصية الطفل، أبرزها: تأثير الوالدين، وتأثير الأقران، والتربية الأخلاقية، والمزاج، والشعور بالثقة في النفس، والتغيرات التي تحدث في العائلة، مثل: طلاق الوالدين أو وفاة أحدهما وغيرها.

فالتنمية الاجتماعية ترتبط بجميع المؤثرات التي تؤثر على نمو شخصية الطفل، وفقاً لطبيعة التنشئة، والتربية، والتجارب المبكرة، وهناك 3 مؤثرات أساسية تتحكم في تشكيل شخصية الطفل وتنميتها، وهي:

  1. السياق الاجتماعي: الذي يعيش فيه كل طفل، والعلاقات التي يختبرها فيه، والتي توفر له الأمان والتوجيه والمعرفة.
  2. النضج البيولوجي: الذي يتمتع به الطفل، ويمثل الداعم الأساسي لتطوير مهاراته الاجتماعية والعاطفية، ويكمن في مزاجية الطفل وحالته النفسية.
  3. تطور نفسية الطفل: وتتمثل في قدرته على تمثيل نفسه في المجتمع الذي يعيش فيه، وتعتبر أفضل طريقة لفهم التنمية الاجتماعية لشخصية الطفل هي استيعاب التفاعل المشترك بين الجوانب الاجتماعية والبيولوجية التي تؤثر على التكوين النفسي لشخصية الطفل. [1]

تأثير الاهتمام العاطفي على شخصية الطفل

يمكن ملاحظة التفاعل الاجتماعي من خلال تطور العلاقات بين الأطفال الرضع ووالديهم، فجميع الأطفال تقريباً يعيشون في حالة من التعلق العاطفي مع أولئك الأشخاص الذين يهتمون بهم، إلا أن تطور العلاقة بين الطفل ووالديه يعزز الدافع لديه للبقاء على مقربة من أولئك الذين يهتمون به، ونتيجة لذلك فهو يأخذ منهم الدفء والتعليم والتوجيه والأمان.

وعلى الرغم من أن الأطفال يطورون ارتباطهم العاطفي مع القائمين على رعايتهم كالأبوين والأقارب، فإن الشعور بالأمان مع كل أحد منهم يختلف، فالأطفال يزداد أمنهم وثقتهم بوالديهم أو بمن يوفر لهم الدعم عند الحاجة، إلا أن هذه العلاقات غير آمنة، لأنها أمر ثانوي ينشأ بفعل الظروف.

فقد تصل الأم بعد يوم عمل متعب لتجد نفسها غير قادرة على رعاية طفلها، أو أن بعض الأمهات لا يملكن القدرة على التعبير عن عواطفهن أو الرغبة والمعرفة الكبيرة في تربية الطفل ورعايته.

لكن بشكل عام، لا يعي الطفل مدى صدق الأمان الذي يقدم له، ولا يدرك حقيقة المشاعر الداخلية التي لا يمكنه اكتشافها، لذلك يعتبر الأمن الذي يحصل عليه من والديه شيء جيد بالنسبة له، فالأمن والرعاية اللذان يتلقاهما الطفل من أسرته يُعدان ركناً مهماً في التنمية الاجتماعية والشخصية للطفل.

كذلك الطفل حين يُنشئ علاقاته الاجتماعية مع أقرانه؛ سيكون إشباعه العاطفي سبباً رئيسياً في نجاحه، فتطور الفهم العاطفي لديه سيساعده في تكوين صداقات قوية، تنمية المفاهيم الذاتية الأكثر إيجابية، لأن تجارب الرعاية السليمة تطور تفكيره عن ذاته وعن الناس ليدرك كيفية التعامل معهم. [1]

تأثير الوالدين على شخصية الطفل

لكن عندما ينضج الطفل، تتغير العلاقة بينه وبين والديه بشكل طبيعي، فعند النضوج يصبح أكثر قدرة على تحديد تفضيلاته الخاصة، فينشأ هنا الصراع بين الوالدين والطفل، وحسبما ذكر بورميد في دراسة له عام 2003 أجراها بمساعدة منظمة علم النفس الأمريكية أن كيفية إدارة الصراع من قبل الوالدين هي التي تحدد نوعية العلاقات بينهما.

فالأطفال سيكون لديهم مزيداً من الكفاءة والثقة بالنفس عندما يكون للآباء والأمهات ردود فعل إيجابية ومنطقية لسلوك الطفل، فالتواصل بشكل جيد معهم سيزيد من سرعة استجابتهم، وباستخدام المنطق بدلاً من الإكراه يمكن التحكم بسلوك الطفل السيئ، وبالتالي نجاح العلاقة بين الوالدين والطفل، كما أن فهم الطفل العاطفي الصحيح سيؤثر بشكل إيجابي على بناء علاقاته ويطورها للأفضل. [2]

دور الأهل في استقلالية شخصية الطفل

مع التقدم في العمر يصبح دور الأبوين مجرد وسيط لعلاقات الطفل الخارجية، فتكوين الطفل لعلاقته مع الأقران، وممارسة الأنشطة خارج الأسرة، والإنجاز الأكاديمي وغيرها من الأمور يمارسها الطفل بمفرده حين يتقدم في العمر ويصل لسن المراهقة، ويصبح مسيطراً على قراراته وتحقيق التوازن في علاقاته.

إلا أن ذلك يرتبط بقدر الاستقلالية التي تُمنح للطفل داخل أسرته، فالآباء والأمهات عندما يدركون أن الطفل دخل مرحلة المراهقة؛ يسمحون له بالمشاركة في الفعاليات الاجتماعية، كحضور الحفلات الليلية وركوب السيارة على سبيل المثال.

فمقدار الحرية والاستقلالية التي يمنحها الأهل للطفل، التي ستستمر معه حتى يدخل نطاق مراهقته وشبابه، تؤثر على بناء شخصيته وشعوره بالاستقلالية وقدرته على بناء حياته بمفرده. [2]

تأثير طلاق الوالدين على شخصية الطفل

في الإطار ذاته، لا تؤثر الأمور التي سبقت على شخصية الطفل فحسب، بل الطبيعة التي يعيشها أفراد الأسرة تعد من أهم الأسباب التي تنمي شخصية الطفل، فالعلاقات الأسرية تتغير بشكل كبير بسبب الظروف التي تحدث خارج المنزل.

فقد تكون أهم أسباب الضغط الذي يصيب أفراد الأسرة، الصعوبات المالية التي تؤثر بشكل سلبي على مزاج أفراد الأسرة، وخصوصاً الوالدين، ما يؤدي إلى حدوث مشاكل زوجية قد تنتهي بالطلاق في بعض الأحيان، الذي يعتبر نقطة تحول حزينة في حياة الطفل تسبب له مشاكل طوال حياته، مما يجعله يجد صعوبة في التكيف مع الأمر.

ومن المؤكد أن هذا الأمر يجعل شخصية الطفل تتغير مع التغير الذي أصاب حياته، بالتالي سيخلق فجوة عاطفية تنمي شخصيته النفسية والاجتماعية بشكل مختلف عما سبق. [2]

تأثير العلاقة بالأقران على شخصية الطفل

تحدثت الكاتبة ماري روثبارد في كتاب (Becoming Who We Are) نُشر عام 2011 عن تأثير علاقات الطفل مع الأقران في بناء شخصيته، ووجدت أن العلاقة بين الوالدين والطفل ليست العلاقة الوحيدة المهمة في حياة الطفل، فعلاقات الأقران ذات أهمية خاصة بالنسبة لهم.

ويمكن أن تكون علاقة الطفل بأقرانه داعمة له، وتشكل تحدياً له في علاقاته الاجتماعية، فالرفض الذي يتعرض له الطفل من الأقران مثلاً، قد يؤدي إلى مشاكل سلوكية في وقت لاحق من حياته، لذلك هي في غاية الأهمية.

كما أن تفاعل طفل مع آخر يشبهه في العمر والسلوك والمعرفة سينمي لديه العديد من المهارات الاجتماعية التي لها قيمة كبيرة في بقية حياته الاجتماعية، وسيعي كيفية البدء بتكوين العلاقات الاجتماعية وكيفية الحفاظ عليها.

ويتعلم مهارات التسوية والمساومة وحل الصراعات التي تنشأ، ويؤدي ذلك إلى تحقيق التنسيق والتفاهم في علاقاته، فالصداقات تساهم في تنشئة الطفل وتمنحه أمناً مشابهاً للأمن المقدم من والديه.

ومع ذلك، علاقات الأقران يمكن أن تكون تحدياً للطفل وداعماً بنفس الوقت، فإن تم قبوله من قبل الأطفال الآخرين؛ سيكون ذلك أمراً مهماً لتأكيد ذاته واحترامها، لكن في حال تم الرفض سيسبب له الأمر مشاكل سلوكية في وقت لاحق، وخصوصاً إن تم الرفض بشكل عدواني من خلال البلطجة والإيذاء من الأطفال.

كما أن المقارنة الاجتماعية مع الأقران وسيلة مهمة تمكن الطفل من تقييم مهاراته ومعرفته وصفاته الشخصية، لكن في بعض الحالات تسبب له الشعور بالنقص أو أنه لا يتساوى مع الآخرين، فإن كان الطفل لا يحب الرياضة، قد يسبب له ذلك بعض المشاكل مع الأطفال لاعبي كرة القدم مثلاً، مما يجعل سلوكه يميل للانطواء والخجل.

ويكشف ذلك عن مدى قوة الطفل وقوة شخصيته، مما يجعله يواجه تحديات إضافية مع أقرانه، هذا الأمر يرتبط بالعلاقات بين الوالدين والطفل ومدى تربيته على احترامه لذاته ولشخصه، كذلك مدى تقبله للانعكاسات (الاحتمالات الممكنة والتغيرات التي قد تحدث في حياته، التي يجب تربية الطفل عليها وعلى مواجهتها في الوقت المناسب. [1]

تأثير الحياة الاجتماعية على شخصية الطفل

كما تحدثنا سابقاً، تجربة الأطفال في العلاقات داخل الأسرة مع الأبوين وخارجها مع الأقران تساهم في توسيع مهاراتهم الاجتماعية والعاطفية، وتساعد على تطوير نطاق فهمهم الاجتماعي؛ فهم كيفية التعامل مع الأقران ومع الكبار وتطوير مفهوم الذات، لأن تطوير الفهم الاجتماعي يبدأ عند الأطفال في سن مبكرة.

فالأطفال الرضع يدركون أن للآخرين تصورات ومشاعر وحالات ذهنية تؤثر على سلوكهم، إذ يمكن للطفل الرضيع أن يدرك متى تكون الأم هادئة ليستجيب لها بشكل إيجابي، ومتى تكون طريقتها غير مألوفة للطفل فيستجيب بشكل حذر، وبالتالي يكون الأطفال قادرين على قراءة العاطفة في وجه الأم وملامحها والحصول على الأمان منها.

وأكد هذا الأمر آلبيرت باندورا في دراسة أجراها بجامعة ستانفورد الأمريكية عام 1992، إذ إن الأطفال قادرون في سن مبكرة على فهم الحياة الاجتماعية، وما يدور حولهم، فهم مراقبون بشكل حساس لما يفعله الآخرون، وقادرون على إجراء اتصالات بين تعبيراتهم العاطفية وسلوكياتهم لاستخلاص استنتاجات تصنع شخصياتهم، بمعنى ما يدور في حياتهم من أمور ومشاكل تحرك عاطفتهم ليشكلوا شخصياتهم بشكل إيجابي أو سلبي وفقاً لحياتهم.

وبعبارة أخرى، تطوير الفهم الاجتماعي قائم على أساس التفاعلات اليومية للأطفال مع الآخرين ووضع تفسيرات لما يرونه ويسمعونه، وما يتوجه إليهم بشكل مباشر أو غير مباشر يسبب لهم الفرح أو الحزن ويساهم في بنائهم النفسي والعقلي. [1]

تأثير العوامل الوراثية على شخصية الطفل

بالإضافة لتأثير المجتمع والأسرة على شخصية الطفل، تساهم الجينات الوراثية بشكل كبير في الموضوع، وتصبح شخصية الطفل في طور تنمية مناسب عند تحقيق التوازن بين طبيعة الطفل ومزاجه، وبين أسرته ومجتمعه، فعندما يلاحظ الأبوان سلوكاً معيناً من الطفل الصغير؛ يتساءلان عما سيصبح في المستقبل، لأن مزاجه هو الأساس في تنمية شخصيته.

لكن هذا المزاج لا يساهم بمفرده في الأمر؛ بل يتأثر بما سيتعرض له في حياته، فعلى الرغم من أن مزاجه يرتبط بيولوجياً، إلا أنه يتأثر بأول تجربة يتعرض لها، بذلك تتشكل الشخصية بشكل متوافق ومتوازن بين الصفات البيولوجية والبيئية.

فعلى سبيل المثال، إذا كان الطفل بطبيعته يحب المغامرة، ووالداه يأخذانه كل فترة لممارسة الصيد أو التسلق أو غيرها من الأمور التي يحبها ويجد نفسه فيها؛ سيساعده ذلك على تنمية شخصيته وتطوير أسلوب حياته، ففي ذلك سيحصل التفاعل بين التصرف البيولوجي والتجربة.

يؤكد هذا الأمر باري سشندر في دراسة له بجامعة كامبردج في إنجلترا عام 2014، ويذكر أن الخصائص البيولوجية للطفل تتغير مع تغير الوقت، فالمولود لا يكون بدايةً قادراً على ضبط نفسه، فإن كان الطفل يبكي بشدة عند ولادته، فهذا لا يعني أنه سيصبح عصبي المزاج مستقبلاً، فقد يتغير بعد أن يشعر بالأمان من والديه.

كذلك مزاج الطفل يساهم في تطوير ذاته، وتحقيق أهدافه، وانخراطه في المجتمع، وإحساسه بالمسؤولية وغيرها من الأمور التي تتأثر بالتصرفات البيولوجية، يمكن صقل هذه التأثيرات من خلال التخلص من المزاج السيئ، وبالتالي يستطيع الطفل بناء شخصيته وفقاً لكثير من الصفات الممزوجة بالتجربة. [2]

وفي النهاية، ترتبط تنمية شخصية الطفل بالتأثيرات الاجتماعية والبيولوجية عليه، فعندما ينمو الطفل ضمن بيئة مهيأة لتنشئته بشكل سليم؛ سيصبح في المستقبل شخصاً قادراً على بناء ذاته اجتماعياً، وقادراً على الثقة بنفسه وتطوير مواهبه وهويته الشخصية.

ليالينا الآن على واتس آب! تابعونا لآخر الأخبار