رحلة استثنائية إلى سلطنة عُمان: الجنة على الأرض

رحلة استثنائية إلى سلطنة عُمان: تجربة ثقافية وطبيعية تُغني الروح وتُعيد تعريف الجمال والسياحة

  • تاريخ النشر: الجمعة، 18 يوليو 2025 زمن القراءة: 10 دقائق قراءة
رحلة استثنائية إلى سلطنة عُمان: الجنة على الأرض

عندما تفكر في وجهة سفر مثالية تجمع بين جمال الطبيعة وغنى الثقافة وكرم الضيافة، فلا بد أن تأتي سلطنة عُمان على رأس القائمة. لقد خضت تجربة سفر استثنائية إلى عُمان، كانت بمثابة رحلة روحية وجمالية عبر بلد يُشبه الجنة بكل تفاصيله.

من اللحظة الأولى لوصولي إلى مطار مسقط الدولي وحتى لحظات المغادرة، شعرت وكأنني أعيش تجربة فريدة تتجاوز حدود السياحة التقليدية لتلامس أعماق الروح.

البداية من مسقط: ترحيب دافئ ونكهات تقليدية

بدأت مغامرتي في سلطنة عُمان من العاصمة مسقط، وتحديدًا من مطار مسقط الدولي الذي يُعد من أجمل المطارات في العالم من حيث المعمار والخدمات. تصميمه الحديث مستوحى من روح العمارة العُمانية الأصيلة، حيث تمتزج الأسقف المقوّسة والزخارف الإسلامية بالألوان الترابية التي تُشعرك بالدفء من اللحظة الأولى.

كل شيء فيه مُنظم بسلاسة: من إجراءات الدخول السريعة إلى اللوحات الإرشادية الواضحة وحتى طاقم العمل الذي استقبلني بابتسامة ترحيبية تنم عن طيبة أهل هذا البلد.

سلطنة عُمان

مطعم "روزنا"

كان فريق "استكشف عُمان" بانتظاري عند بوابة الوصول، وهناك بدأت أولى لمحات كرم الضيافة العُمانية. لم يكن استقبالًا عاديًا، بل أشبه بحفاوة عائلية تعكس مدى ما يتمتع به العُمانيون من ود وأصالة. انتقلنا مباشرة إلى مطعم "روزنا"، أحد أبرز المطاعم العُمانية التقليدية في مسقط، الذي يقع داخل مبنى مصمم على الطراز التراثي ويشبه في شكله حصنًا قديمًا، مزينًا بالفوانيس الخشبية والسجاد العُماني اليدوي.

جلسنا على الطاولات المُنخفضة وسط أجواء دافئة تفوح منها رائحة البهارات، وبدأت رحلة التذوق التي كانت تجربة بحد ذاتها. قُدم لنا طبق "الشوا"، وهو من أشهر أطباق المطبخ العُماني التقليدي، حيث يُتبل اللحم بخليط سري من التوابل المحلية، ويُلف في أوراق النخيل، ثم يُطهى في حفرة تحت الأرض لعدة ساعات.

المطبخ العُماني

مذاقه الغني والدخاني لا يُنسى. إلى جانب الشوا، تذوقت أيضًا طبق "المكبوس" العُماني المصنوع من الأرز والتوابل والدجاج أو اللحم، وهو شبيه بالبرياني لكنه يحمل طابعًا خاصًا في النكهة والبهارات.

لم تتوقف التجربة عند الأطباق الثقيلة فقط، بل شملت أيضًا السمك العُماني الطازج المشوي، والمقدم مع صلصات محلية وخبز "الرقاق" العُماني الرقيق الذي يُحضّر أمامك على صفيحة ساخنة.

الطعام التقليدي

ولا يمكن الحديث عن الطعام في عُمان دون ذكر "بطاطس عُمان" الشهيرة، وهي رقائق مقرمشة بطعم حار خفيف أصبحت رمزًا من رموز الطفولة عند كل عُماني، وقد تم تقديمها بطريقة مبتكرة كمقبلات داخل سندويشات خفيفة مع الجبن – مفاجأة مدهشة ولذيذة!

بعد وجبة دسمة، قررنا استكشاف بعض المعالم القريبة من مطعم روزنا. مررنا بدار الأوبرا السلطانية، وهي واحدة من أرقى دور الأوبرا في الشرق الأوسط، بتصميم فاخر يجمع بين الحداثة والعراقة. كما تجوّلنا قليلاً في كورنيش مطرح القريب، حيث تتلاقى الجبال مع البحر، وتنتشر قوارب الصيد التقليدية، وتفوح في الأجواء رائحة اللبان والمسك من المتاجر الصغيرة المنتشرة على طول الطريق.

سوق مطرح التاريخي

وشملت جولتنا سوق مطرح التاريخي، أحد أقدم الأسواق في الخليج، حيث تضيع وسط الأزقة الضيقة بين الأكشاك المتنوعة التي تبيع البخور، والفضيات، والنحاسيات، والمنسوجات، والتحف اليدوية. وهناك تعرفت على فن المساومة العُماني بلطفه وخفته، ورأيت كيف يتعامل الباعة مع الزوار وكأنهم ضيوف أعزاء.

المسافة القصيرة التي قطعناها في المدينة كانت كافية لأشعر أنني وصلت إلى مكان يُعامل زواره كما لو كانوا جزءًا من نسيجه. بين الطعام، والضيافة، وروح المدينة الهادئة التي تجمع بين الجبال والبحر، تركت مسقط بداخلي انطباعًا أوليًا لا يُنسى، وفتحت لي أبواب الشغف لاكتشاف المزيد من هذا البلد الفريد.

الجبل الأخضر: سحر الطبيعة وأناقة الضيافة

من العاصمة مسقط، اتجهنا نحو الجبل الأخضر، أحد أعاجيب الطبيعة في سلطنة عُمان وأكثرها سحرًا ودهشة. يقع الجبل ضمن سلسلة جبال الحجر الغربي ويُعد من أعلى القمم الجبلية في السلطنة، بارتفاع يتجاوز 2000 متر فوق سطح البحر.

لا يمكن الوصول إليه إلا بواسطة مركبات الدفع الرباعي، مما يجعل الرحلة إليه بحد ذاتها مغامرة مشوّقة. طوال الطريق، كانت المناظر الطبيعية تتغير تدريجيًا؛ من تضاريس صحراوية إلى وديان خضراء ومرتفعات تلفّها الغيوم، وكأننا نصعد إلى عالم آخر.

الجبل الأخضر

منتجع "أنانتارا الجبل الأخضر"

أما الإقامة فكانت في منتجع "أنانتارا الجبل الأخضر"، وهو منتجع فخم يُعدّ من الأعلى ارتفاعًا في منطقة الشرق الأوسط. يوفّر المنتجع تجربة إقامة استثنائية تمزج بين الرفاهية والطبيعة، حيث الغرف مصممة بأسلوب معماري يمزج بين التراث العُماني واللمسة العصرية.

عند الوصول، استقبلونا بالورود الطبيعية والمشروبات المحلية، في أجواء هادئة تبعث على الطمأنينة. من شرفتي، كنت أُطل على منحدرات شديدة الانحدار تُغطيها أشجار الجوز والرمان، بينما كانت النسائم الباردة تعبث بالستائر بلطف.

منتجع أنانتارا الجبل الأخضر

في اليوم التالي، بدأت رحلة استكشاف أعمق في ربوع منطقة الداخلية، وهي من أقدم المناطق المأهولة في عُمان. زرت بلدة نزوى، العاصمة التاريخية للسلطنة، وتحديدًا قلعة نزوى الشهيرة التي يعود تاريخ بنائها إلى القرن السابع عشر.

تأملت هندستها الدفاعية المتقنة وتجولت بين أروقتها، سجنها القديم، وبرجها العالي، حيث كانت الإطلالة على الواحات المحيطة ساحرة. كما زرت سوق نزوى التقليدي الشهير، حيث تُباع الحِرف اليدوية، الخناجر العُمانية، الفضيات، والتوابل، مما أتاح لي فرصة التفاعل المباشر مع الثقافة المحلية.

قرية "سيق"

كما مررنا خلال الطريق بقرية "سيق"، وهي واحدة من أعلى القرى الجبلية في السلطنة، وتُعرف ببساتينها الخصبة التي تروى عبر نظام الأفلاج التقليدي، الذي أدرجته اليونسكو ضمن قائمة التراث العالمي.

رأيت كيف يُزرع الرمان، والمشمش، والعنب، والورد الجبلي المستخدم في صناعة ماء الورد العُماني الشهير، وشاهدت النساء المحليات وهنّ يجمعن الزهور في مشهد ريفي بسيط لكنه يفيض بالجمال.

مصنع "أمواج" للعطور

ومن أكثر المحطات تميزاً كانت زيارتنا إلى مصنع "أمواج" للعطور، الواقع في الجبل الأخضر، والذي يعكس روعة الحرفية العُمانية في صناعة العطور. دخلنا إلى عالم حسي مليء بالروائح الغنية والتفاصيل الدقيقة؛ تعرفت هناك على المكونات الطبيعية التي تدخل في تركيبات العطور، مثل اللبان، والعنبر، والورد الجبلي، وخشب العود.

لكن أبرز ما لفت انتباهي كان عطر "السلطان"، وهو عطر حصري مصنوع يدويًا بمكونات نادرة جدًا، وتصل قيمته إلى أكثر من 300 ألف دولار أمريكي. هذا العطر ليس مجرد منتج فاخر، بل قطعة فنية تعبّر عن العمق الثقافي والديني لعُمان، حيث يُصنّع بكميات محدودة وغالبًا ما يُقتنى كهدايا ملكية.

أغلى العطور في العالم

لم تكن زيارة الجبل الأخضر مجرد استراحة وسط الطبيعة، بل كانت رحلة عميقة إلى قلب التراث العُماني، وتجربة روحية وإنسانية لا تُنسى.

في كل زاوية من زواياه، تلمس حضور الإنسان والطبيعة في تناغم فريد، تشعر وكأن الجبل لا يكتفي بإبهارك بمناظره، بل يحادثك بلغة خاصة تهمس فيها الرياح، وترويها أشجار الرمان، وتُترجمها ضحكات الأطفال في الحقول.

صلالة: خضرة دائمة وروحانية فريدة

بعد أيام من المتعة في الجبل الأخضر، انتقلنا بالطائرة إلى مدينة صلالة، جوهرة الجنوب العُماني، والتي تُعرف بجمالها الطبيعي الفريد، خاصة خلال موسم الخريف المعروف محليًا بـ"الخيْريف"، حيث تتحول المنطقة إلى لوحة خضراء ساحرة تكسوها الأمطار الرذاذية والضباب الذي ينساب بين الجبال وكأنه مشهد من قصص الأساطير. ما إن تهبط في صلالة حتى تفاجأ بتبدل المناخ والمناظر بشكل جذري، فكل شيء هنا ينبض بالحياة.

استقبلنا أهالي صلالة بكل حفاوة وابتسامات دافئة تعكس صفاء القلب وروح الكرم العُماني الأصيل. أقمنا في منتجع "روتانا" الفاخر المطل على المحيط العربي، حيث تتناغم الفخامة مع الطبيعة وتمتزج الراحة مع الهدوء.

تطل النوافذ على شواطئ واسعة برمالها البيضاء وأشجار النخيل التي تتمايل مع نسيم البحر، وترافقك أصوات الأمواج كأنها موسيقى خاصة بهذه الجنة.

صلالة.. المغامرات لا تنتهي

في صلالة، كانت المغامرات لا تنتهي، فاستكشاف الطبيعة هنا هو تجربة فريدة من نوعها. انطلقنا في جولات بالقوارب الصغيرة عبر الأنهار التي تمر بين الجبال الزمردية، حيث المياه النقية تنساب بين الصخور، والضباب يضيف لمسة سحرية للمكان. مررنا بشلالات عين جرزيز وعين رزات، وهما من أهم المعالم الطبيعية في المنطقة، حيث المياه تنهمر بين الصخور في مشهد يشبه الأحلام.

ثم توغلنا داخل مزارع الفواكه الاستوائية، وهناك تذوقنا ثمار البابايا والموز والأناناس الطازجة مباشرة من الأشجار. كانت تجربة قطف قصب السكر وطحنه في المعصرة التقليدية مذهلة، وارتشفنا بعد ذلك حليب جوز الهند المنعش من ثماره مباشرة، وهو مشروب صيفي شهير لدى السكان المحليين.

كما خصصنا يوماً لزيارة ضريح النبي أيوب عليه السلام، الواقع على قمة جبلية عالية يكسوها الضباب. المكان يفيض بروحانية وسكينة لا يمكن وصفها، ويُعد معلماً دينياً وتاريخياً مهماً يقصده الزوار من داخل السلطنة وخارجها.

التجول في الأسواق التقليدية

ولم تكتمل زيارتنا دون التجول في الأسواق التقليدية، وعلى رأسها سوق الحافة الشهير، الذي يُعد من أقدم الأسواق في محافظة ظفار. هناك، تداخلت رائحة اللبان العُماني، الذي تشتهر به صلالة منذ آلاف السنين، مع عبق البخور والعود، وكان البائعون يعرضون أجود أنواع اللبان المستخدم في العطور والطقوس الدينية.

كما اشتريت قطعاً من الفضة العُمانية المطرزة بدقة، وملابس تقليدية، وعطوراً مصنوعة يدوياً تعبق برائحة الورود والعود والمسك.

ومن اللحظات التي لا تُنسى مشاركتنا في إحدى الأمسيات الثقافية التي نظمها أحد الفنادق المحلية، حيث استمتعنا بعروض فلكلورية لعازفي آلة "البرعة" الشهيرة ورقصات شعبية مستوحاة من التراث الظفاري، مما أضفى لمسة ثقافية فريدة على الرحلة وعزز فهمنا لروح وهوية المجتمع المحلي.

كل لحظة في صلالة كانت مزيجاً بين التأمل والتجدد، بين بهاء الطبيعة وعمق التاريخ، بين كرم الناس ودفء الروح. لم تكن زيارتنا مجرد رحلة إلى مدينة، بل كانت دخولاً إلى عالم آخر حيث الأرض تتزين بثياب الخضرة، والسماء تهطل بنعمة المطر، والقلوب تنفتح بالمحبة.

تجربة إنسانية لا تُنسى

ما ميّز رحلتي إلى عُمان لم يكن فقط تنوع الأماكن وجمالها، بل أيضاً الإنسان العُماني نفسه. فكل من قابلته كان ودوداً، مبتسماً، ومضيافاً، يُشعرك بأنك ضيف عزيز. لم أشعر بالغربة ولو للحظة، بل كنت وكأنني في وطني.

شعرت في هذه الرحلة بتجدد روحي ونفسي. كان نسيم الجبال يُنعش صدري، وألوان الطبيعة تُبهج عيني، والتجارب الثقافية تُثري عقلي وقلبي. كل لحظة كانت تبعدني أكثر فأكثر عن صخب الحياة اليومية وتُقرّبني من جوهر الهدوء والسلام الداخلي.

الذكريات التي لا تُنسى

عُمان ليست مجرد وجهة سياحية؛ إنها تجربة متكاملة تمزج بين الجمال الطبيعي، الثراء التاريخي، والعمق الإنساني. إنها بلد لا يُمكنك زيارته مرة واحدة فقط، لأنك بعد مغادرتها ستشعر بالحنين إليها كل يوم. إنها بلد يُحبك دون أن تعرف ويأسر قلبك دون أن تطلب.

لقد غادرت عُمان، لكنها بقيت داخلي بكل ما فيها من مناظر، روائح، أصوات، وابتسامات. لقد كانت رحلة غيّرتني وأعادت لي الشعور بالحياة من جديد. وإن كان للجنة على الأرض عنوان، فلا شك أنه سلطنة عُمان.

ليالينا الآن على واتس آب! تابعونا لآخر الأخبار