مخاطر العلاقات العاطفية عن طريق الانترنت

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الأربعاء، 14 فبراير 2024
مخاطر العلاقات العاطفية عن طريق الانترنت

ربما يمكن أن نعتبر الإنترنت ميزة العصر الحديث وآفته في آنٍ معاً، هذه الشبكة التي اختصرت ملايين العمليات المعقدة في مجالات التجارة والإدارة والاتصال فضلاً عن المجالات العسكرية والأمنية، لكنَّها في نفس الوقت خلقت ظاهرة اجتماعية جديدة نسبياً.

كما أفرزت مشاكل تكاد توازي المشاكل التي قدمت لها حلولاً (على المستوى الفردي على الأقل)، فانتقل الاتصال بالآخرين من كونه سلوكاً هادفاً إلى كونه هوساً يومياً لدى معظم سكان العالم يمارسونه من باب التسلية والإدمان، كذلك الحبُّ انتقل من علاقة تحكمها التجربة المشتركة والتفاعل المباشر بين الطرفين، إلى علاقة لاسلكية بين شخصين قد يكون التقاؤهما ضرباً من المستحيل، فهل الحبُّ عبر الإنترنت يمكن أن يكون حبّاً حقيقياً؟! وهل يمكن أن نحبَّ شخصاً دون أن نعرفه معرفة عملية؟

الحب عبر المواقع الإلكترونية

إنَّ عدم إدراك مفهوم الحبِّ أو الإدراك المنقوص له هو السبب الرئيسي لكلِّ المشاكل التي ترتبط بهذه العلاقة المميزة بين الذكور والإناث، والمشكلة الأكبر أنَّ أحداً لن يتمكن من وضع قواعد ثابتة للحبِّ تجعل من مهمتنا أكثر وضوحاً وبساطة.

لكننا فيما يتعلق بالحبِّ عبر الإنترنت يمكن أن نحدد العامل الجوهري الذي تفتقده هذه العلاقة وهو الاتصال المباشر والتجربة المشتركة، حيث لا نعتقد أنَّ هناك خلاف حول ضرورة وجود اتصال فعلي بين طرفي العلاقة، وضرورة وجود تجربة مشتركة تجمعهما ليتمكنا من معرفة بعضهما معرفةً دقيقةً تؤهلهما للاستمرار في هذه العلاقة، وهذا هو وجه النقص الأساسي والمأخذ الرئيسي فيما يتعلق بالحب عبر الأثير.

مقارنة الحب الطبيعي بالحب عبر الإنترنت

نحن في هذه المادَّة لا نحاول أن نهاجم علاقات الحبِّ عبر الإنترنت أو أن نؤيدها، إنَّما نحاول أن نقدم عرضاً متوازناً لحقيقة هذه العلاقات، لذلك نعتقد أن المقارنة البسيطة بين علاقة الحبِّ الطبيعية التي تمرُّ بمراحل تطورية منطقية وبين علاقة الحبِّ الإلكترونية التي تعتبر منقوصة كما وضحنا سيكون السبيل الأمثل لتقييم الخلل الذي من الممكن أن ينتج عن علاقة الحبِّ عبر الشبكة.

مقارنة بسيطة بين العلاقة التقليدية والحبّ عبر الإنترنت

هل سمعتم عن علاقة حبِّ عميقة بين شابٍ وفتاة استمرت لسنوات طويلة فكانت مضرباً للمثل، ثمَّ اكتشف أحدهما لسببٍ أو لآخر أنَّه لا يرغب في الاستمرار بهذه العلاقة؟! لنفترض جدلاً أنَّهما كانا صديقين في الدراسة، ثم تقاربا أكثر أثناء تنفيذ مشروع دراسي وازداد الإعجاب بينهما حتَّى وصلا إلى مرحلة الاعتراف بالمشاعر، ثمَّ قاما بإعلان خطبتهما رسمياً وكانت هذه العلاقة واضحةً وعلنية أمام الجميع.

كما أنَّهما تعرضا لمواقف عدَّة معاً واختبرا ردَّة فعل بعضهما في المواقف المحرجة أو الصعبة، وبعد مرور سنتين اكتشف الشاب أنَّ مشاعره ليست حقيقية فبدأ بوضع العراقيل والعثرات أمام انتقال العلاقة إلى خطوة أكثر جديَّة، وانتهى الأمرُ بينهما إلى الانفصال وما ينتج عنه من صدمة عاطفية ومشكلات أخرى.

هل توافقون على هذا الافتراض أنَّه ممكن أو حتَّى شائع؟! ما بالكم إذاً بعلاقة لا تحمل أي عامل من عوامل التقارب والتعارف التي مرَّ بها أصدقاؤنا في المثال السابق، فالعلاقة الإلكترونية مبنية على التعارف صدفةً ثم التقارب عبر محادثة جافة عن طريق الكتابة، أو مصطنعة عن طريق الفيديو، يتحدث فيها كلُّ شخص عن نفسه دون أن يكون هناك مجالٌ لاكتشاف حقيقة ما يقدمه من معلومات أو مدى قناعته بأفكاره التي يطرحها! ودون أن يتعرض الثنائي لحوادث من شأنها أن تكشف معادن الناس.

مخاطر علاقة الحب عبر الإنترنت

جميعنا نستخدم تطبيقات التواصل المجاني للاتصال مع الآخرين، معظمنا يستخدم What"s App على هاتفه النقال، ولديه حساب أو أكثر في موقع Facebook، لذلك فجميعنا يمكن أن يختبر كم يستخدم خياله أثناء المحادثة مع أشخاص آخرين، فأنت تتخيل تعبيره من خلال الرسوم المستخدمة في المحادثة، كما تتخيل مشاعره من خلال طريقة كتابته، لكن في نفس الوقت جميعنا يضع رمز الضحك وهو لا يضحك فعلياً، ويقول أنَّه لم ينزعج فيما يقوم بتكسير أثاث المنزل!

الأجسام أقرب مما تبدو في المرآة

هذه العبارة التي نجدها مكتوبة على مرايا السيارات "الأجسام أقرب مما تبدو في المرآة" يمكن أن تعبر عن أحد الأخطار الكبيرة التي تهدد علاقة الحبِّ عبر الإنترنت، فما تقرأه وما تسمعه أو حتَّى ما تراه عبر المحادثة الإلكترونية ليس مطابقاً للحقيقة.

مهما كان الشخص الآخر صادقاً في كلماته ومشاعره لن يكون هو الشخص ذاته الذي ستجلس معه على طاولة واحدة وتشاهد طريقته في مخاطبة النادل، فالشخص الذي يبدو لطيفاً ومهذباً قد يكون فجّاً في التعامل مع عمال الخدمة في المطاعم، ومتكبراً في التعامل مع المتسولين! وكسولاً في النهوض من النوم.

كما قد يكون غير ملتزمٍ بمواعيده وغير محترفٍ في عمله، ويعاني من تشوهٍ خلقي في أصابع القدمين يجعل من المشي لمسافاتٍ طويلة أمراً شاقاً، كلُّ هذه التفاصيل لن تنقلها لك الشاشة؛ بالتالي قد تصاب بخيبة أملٍ حقيقية عند التعرف إلى شخص ما بشكل واقعي بعد علاقة إلكترونية.

غياب الضغط الاجتماعي يجعل من الحبِّ الإلكتروني سهل البداية والنهاية

لنكن واقعين وصريحين؛ لا بد أن كل من دخل في علاقة الحبِّ عبر الإنترنت كان يفكر في بداية الأمر أنَّه سيتمكن في أي لحظة من إنهاء هذه العلاقة إن لم تكن مريحة بالنسبة له، كل ما عليه فعله هو تعطيل حسابه في تطبيقات التواصل الاجتماعي وإنشاء حسابات جديدة، وربما يكتفي بحظر الطرف الآخر وتنتهي قصة الحبِّ الإلكترونية كما بدأت بسهولة وبساطة، هذا التفكير بحد ذاته هو أحد العوامل البارزة التي تجعل من هذه العلاقة منقوصة، فكيف يمكن لعلاقة تقوم على سهولة التخلص منها أن تكون حقيقية وناجحة؟!

لا أحد يعلم... لن يكتشف أحد الكذبة

عندما تنشأ علاقة الحبِّ عبر الإنترنت بين شخصين غريبين عن بعضهما تماماً تصبح هذه القاعدة ذهبية (لا أحد يعلم...)، فمن طبيعة الإنسان أن يحاول تلميع صورته في عين من يحب بشكل خاص.

لكن عدم قدرة الطرف الآخر على اكتشاف الحقيقة من خلال التجربة المباشرة أو وجود أصدقاء مشتركين سيجعل من السهل جداً الانتقال من إثارة الإعجاب إلى تزييف الحقائق لتبدو جميلة، كما أنَّ من طبيعة العشاق التصديق والنظر للأمور من زاوية حالمة، وقد تكون الصدمة كبيرة وغير قابلة للاحتمال عندما يتبين أن أغلب الحديث كان مجرد كذب وتزييف.

لم يكن كما توقعت!

إذن... يمكن أن نلخص المخاطر الكبرى في علاقة الحبِّ عبر الإنترنت من خلال الحديث عن التوقعات والتخيلات المسبقة المبنية على ما أخبرَنا به الطرف الآخر، ولنكون أقرب إلى الواقع سنضرب مثلاً عن الخيبة والتوقعات المسبقة، وتجربة شخصية حدثت معي منذ بضع سنوات، حيث كنت أستمع إلى الإذاعة بانتظام وكانت إحدى المذيعات تتحدث بجدية مطلقة عن القضايا الاجتماعية وتبدو مثقفة وعارفة بتفاصيل المجتمع وحتَّى قادرةً على تقديم الحلول، فشاء القدر أن أكون ضيفاً عليها من خلال برنامجها الإذاعي لكنني عندما دخلت إلى الإذاعة كنت مدهوشاً لرؤيتها.

أولاً لم يكن شكلها كما توقعته أبداً كانت شخصاً مختلفاً تماماً عن الصورة الذهنية التي رسمتها في مخيلتي، وثانياً لم تكن جديَّة أبداً وكانت معدومة الثقافة تقريباً وغير قادرة على الخوض في نقاشٍ أكثر من ثلاث دقائق مع كمية كبيرة من الأخطاء، لكنها على الهواء كانت تمتلك قدرة استثنائية في الإلقاء عن طريق قراءة النص المعَدِّ مسبقاً دون أن تفقه منه كلمةً واحدةْ! كما كان المعِدُّ يلقنها ما يجب أن تقوله عبر سماعة الأذن، فاتضح أن المعد هو الشخص الجدي والمثقف!

هل يعني هذا أن علاقة الحبِّ عبر الإنترنت فاشلة بشكلٍ قطعي؟

قضيتنا هذه لا يمكن أن تلقى اتفاقاً بين كلِّ الناس لأنَّها ببساطة تتعلق بأمر مبهمٍ أصلاً وهو الحبُّ، لكننا حاولنا قدر الممكن أن نظهر الفجوة بين الحبِّ الطبيعي والحبِّ الإلكتروني، ولنكون منصفين لا بد أن نقول أنَّ علاقة الحبِّ عبر الإنترنت لا يشترط لها الفشل، بل من الممكن أن تكون علاقة ناجحة وبنَّاءة كما يمكن أن تنتهي نهاية سعيدة، لكن ذلك يعتمد على مدى إدراك ما ذكرناه سابقاً، فمن يدرك الأشياء الناقصة سلفاً يستطيع أن يقيَّم علاقاته بشكل أصح.

لنقل أنَّ التعارف عبر الإنترنت أمرٌ طبيعي وربما يكون أحياناً جيداً خاصةً وأنَّه يفتح أمامنا الطريق لنتعرف على أشخاص بعيدين جداً وثقافات متباينة، لكن في نفس الوقت لا بد أن نتمسك بكلمة التعارف بمعناها الحرفي، ليكون هذا الاتصال جسراً لبناء علاقة فعلية وليس علاقة بحدِّ ذاته.

ختاماً.... لا يمكن الوصول إلى إجماع في الرأي فيما يتعلق بموضوع من هذا النوع، قد نتفق أو نتخلف في بعض النقاط، لكن لا بد من التأكيد دائماً وفي كلِّ مرَّة أنَّ علاقة الحبِّ علاقة فردية وتجربة فريدة من نوعها، قد تتشابه لكنها لا يمكن أن تتطابق، فلكل ثنائي قصته المميزة من حيث طريقة التعارف وتفاصيل العلاقة ومسيرتها نحو النجاح أو الفشل، والأمر كذلك في الحبِّ عبر الإنترنت، فهناك أشخاص قطعوا آلاف الأميال ليلتقوا بمن أحبوه عبر الإنترنت، كما أنَّ هناك أشخاص سافروا إلى دول بعيدة ليحصلوا على جنسيتها ثم قاموا بحظر الطرف الآخر وتنتهي الحكاية مع تسجيل الخروج من الحساب.

ليالينا الآن على واتس آب! تابعونا لآخر الأخبار