أسباب مرض الاكتئاب وطرق علاجه

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الإثنين، 30 يناير 2023
أسباب مرض الاكتئاب وطرق علاجه

قد يتعرض أي منا خلال يومه إلى أحداث ومنغصات يمكنها أن تؤثر فيه وتغير مزاجه العالي أو الجيد لما هو أدنى من هذه الحالة، فقد نسمع مثلاً خبراً محزناً يشغل بالنا فيعرقل أداءنا لمهمات معينة لفترة زمنية قصيرة يمكنها أن تستمر ليومين أو ثلاثة، فهل نطلق على هذه التقلبات العاطفية والتغيرات التي تعترينا لمدة قصيرة اكتئاباً؟ في الواقع، يبدو أن للاكتئاب أعراضاً وعلامات أقوى وأشد بكثير من التبدلات المزاجية البسيطة والتوتر اللذين نختبرهما جميعاً في أيامنا العادية، وفي هذا المقال، سنوضح بشكل أدق مفهوم الاكتئاب والأعراض المرضية التي يمتاز بها، مع استعراض الوسائل العلاجية التي يلجأ لها الأطباء حالياً.

الاكتئاب داء العصر وبؤس البشرية

تزداد في الآونة الأخيرة رقعة الأفراد المصابين بالاكتئاب لتشمل 350 مليون مصاب حول العالم، وكما أشرنا في المقدمة، فإن الاكتئاب يختلف تماماً عن التبدلات الشعورية والتغيرات المزاجية التي نتعرض لها لفترات زمنية قصيرة، كاستجابة منا على الأحداث التي تواجهنا في حياتنا اليومية، خصوصاً أن الاكتئاب يمتاز بأعراض أشد، وتستغرق هجماته فترات زمنية أطول إلى أن يستعيد الفرد بعدها حالته الطبيعية.

ومن أسوأ الحالات التي يخافها الأطباء النفسيون هي وصول المريض إلى مستويات أشد وأكثر حدة في صراعه مع الاكتئاب، يميل فيها إلى الانتحار أو يفكر به جدياً. هذا وتشير منظمة الصحة العالمية (World Health Organization) إلى أن الاكتئاب يحتل المرتبة الرابعة ضمن مجموعة الأمراض المرتبطة بإحداث العجز (Disability) حول العالم، وبحلول عام 2025 سيتسع معدل انتشاره كي يصبح في المرتبة الثانية.

على الرغم من توفر العلاجات الخاصة بهذا الاضطراب النفسي، إلا أن نسبة تقل عن 10% حول العالم يتلقون العلاج الخاص به، سواء بشكل دوائي أو جلسات نفسية علاجية وغيرها. وقد يرجع ذلك في مجتمعاتنا العربية إلى الخجل أو الرهبة من زيارة الطبيب النفسي والتحدث بطلاقة دون خوف أو ارتباك عن التغيرات النفسية التي تعترينا، أو قد يعود السبب إلى الحالة السيئة التي وصل إليها المريض بالاكتئاب، والتي تعيقه عن أداء مهامه اليومية البسيطة وتدفعه إلى الانعزال عمن يحيط به.

التصنيف الأمريكي الرابع لمرض الاكتئاب

صدر هذا التصنيف عن الجمعية الأمريكية للطب النفسي عام 1994، والذي قسم الاكتئاب إلى عدة أنواع:

  1. الاكتئاب الرئيسي (Major Depression).
  2. الاضطراب ثنائي القطب (Bipolar Disorder).
  3. اضطرابات اكتئابية أخرى، كالاكتئاب المتكرر وعسر المزاج.

أسباب ظهور مرض الاكتئاب

يمكن لعوامل وأحداث عدة أن تسبق وتساعد على ظهور الاكتئاب، كفقدان شخص عزيز، الخسارة المادية أو العاطفية، أو التعرض لمشاكل اجتماعية ومهنية. كما أنه لا يوجد سبب واضح فعلياً تعود إليه الأمراض النفسية بأكملها في وقتنا الراهن، وعلى مستوى الاكتئاب، فقد وضعت مجموعة من الفرضيات نبينها فيما يأتي:

الفرضية الوراثية

قد تلعب العوامل الوراثية دوراً في ظهور الاكتئاب ضمن أفراد الأسرة الواحدة، حيث تبلغ نسبة إصابة الأبناء 13% إذا كان أحد الأبوين مصاباً بالاكتئاب، هذا وترتفع النسبة إلى 25% في حال إصابة الأبوين معاً.

الفرضية البيولوجية

أهم الفرضيات على الإطلاق، فيها يعتبر العلماء والباحثون أن لانخفاض مستويات بعض النواقل العصبية الدماغية وفي مقدمتها السيروتونين (Serotonin) دور هام في تبدلات المزاج مع ظهور أعراض الاكتئاب لدى الأفراد.

الحوادث التي يتعرض لها الفرد خصوصاً في سن الطفولة

فطلاق الوالدين في مرحلة الطفولة، أو التحرش الجنسي، أو العنف الممارس على الأطفال وغيرها قد تساهم لاحقاً في ظهور الاضطرابات النفسية لدى الأفراد، وعلى رأسها الاكتئاب. قد تسبب الأخطار والتهديدات التي تواجه الفرد شعوراً بالقلق الدائم، كما أن الانفصال وإنهاء العلاقات الغرامية قد يسبب اكتئاباً مزمناً.

اضطرابات المزاج الناجمة عن أسباب عضوية غير نفسية

هنا يحتاج المريض إلى فحص طبي شامل كي يتمكن الطبيب المختص من تحديد السبب الأدق خلف هذه التغيرات.

الحالات المرضية المزمنة

كالسكري والقصور الكلوي المزمن وقصور القلب، فمرضى هذه الحالات المزمنة هم أكثر خطراً وعرضة لحدوث الاكتئاب.

أسباب دوائية

كاستعمال الستيروئيدات وحاصرات بيتا.

أعراض نفسية وسلوكية لمريض الاكتئاب

يمكن تصنيف الهجمة الاكتئابية ضمن عدة مستويات، يحددها الأخصائي النفسي بعد أخذ القصة السريرية وفحص المريض عقلياً وهي: خفيفة، متوسطة الشدة، شديدة، شديدة جداً. ويعتمد الطبيب في تحديد المستوى الأنسب لمريضه على مجموعة الأعراض النفسية والسلوكية التي يشكو منها مريضه، أو ما يقصّ عليه أفراد أسرته ومعارفه، وهي:

  • فقدان الفرد قدرته على الاستمتاع بما يحبه ويرغب به.
  • المزاج الاكتئابي: الذي يعتريه لفترة أسبوعين على الأقل، حيث يشعر الفرد بحزن شديد وبؤس وكأن شيئاً مزعجاً قد جثم على صدره، إلى جانب نظرته التشاؤمية لذاته ولمن حوله، وأفكاره العدمية التي تتلخص بفناء الحياة وزوالها، مع إنقاصه من قيمة الأشياء والممارسات والنشاطات وشعوره بلا جدوى حياته. من صفات الاكتئاب المميزة أن المريض يعتريه حنين مجهول السبب، إضافة إلى الغموض.
  • الانسحاب التدريجي من المجتمع: ورغبة المريض في انعزاله عمن حوله والجلوس بمفرده.
  • الأوهام التي يعاني منها مريض الاكتئاب: فقد يتمكن مريض الاكتئاب من استنباط التشاؤم مما يحيط به، ويستطيع كذلك أن يضفي صبغة تشاؤمية وسلبية للتحسن الإيجابي التي يقر به الأطباء المتابعون لحالته، كما يشعر بعدم فائدته في هذا المجتمع، ويكثر لومه لذاته وإحساسه بالذنب والإثم.
  • فقدان الإرادة والرغبة في ممارسة النشاطات: حتى أبسط النشاطات اليومية كالطبخ وتنظيف الأطباق وغسيل الملابس، أو حتى العلاقات الجنسية، وقد يتوقف الطالب عن دراسته والموظف عن عمله والتاجر عن مهامه. فيحدث لدى المريض نقص طاقة ملحوظ يجعله ضعيفاً ومتوانياً عن النهوض من السرير واستكمال عاداته اليومية.
  • أذيات النفس: ما يخافه الأطباء دوماً هو أن يصل المريض إلى مرحلة شديدة تراوده فيها أفكار سلبية تدفعه للانتحار.
  • أعراض عامة كالإمساك وجفاف الفم والصداع.
  • اضطرابات النوم: حيث ينقص عدد الساعات الكلية التي ينام فيها المريض، مع حدوث الأرق والقلق لديه، ومن الصفات النموذجية لمرضى الاكتئاب أنهم يستيقظون باكراً جداً في الصباح، فقد نشاهد مرضى ينهضون في الرابعة صباحاً ولا يستطيعون بعدها متابعة النوم. في بعض حالات الاكتئاب يمكننا أن نلاحظ زيادة في عدد ساعات النوم الكلية.
  • أعراض مماثلة لبعض الأمراض العضوية: والتي تدفع المريض لاستشارة أخصائيين هضمية وعصبية وقلبية وغدد، إلا أن نتائج الفحوصات السلبية قد توجه للأسباب النفسية المرتبطة بظهور هذه الأعراض.
  • تغير الحالة المزاجية على مدار اليوم الواحد: وهي أسوأ ما تكون عليه في الصباح حينما يستيقظ المريض، ليتحسن مزاجه مع مرور ساعات النهار، ويصبح في أفضل حالاته مساءً أو قد يكون طبيعياً تماماً فيه.
  • اضطرابات الشهية: حيث تنقص شهية المريض وينخفض وزنه بمعدل 5% في الشهر الواحد، ذلك في حالات الاكتئاب النموذجية، بينما تمتاز بعض حالات الاكتئاب الأخرى بزيادة شهية المريض ووزنه.
  • نقص الرغبة الجنسية.
  • اضطرابات معرفية: حيث تنقص قدرة المريض على التركيز أثناء قراءة الجريدة أو متابعة الأخبار والبرامج أو أثناء العمل، وقد يصف بعض الأفراد الصعوبات التي تواجههم في التذكر، علماً أن وظيفة الذاكرة لا تتأذى أبداً لدى مرضى الاكتئاب.
  • صعوبات في اتخاذ القرار مع التردد والحيرة.

من الصفات الأخرى التي قد يلاحظها الطبيب الفاحص أو أصدقاء المريض أو عائلته، نذكر:

  • قلة التعابير الوجهية وغياب التواصل العيني (Eye Contact).
  • المظهر الأشعث وغير المرتب الذي يشير إلى قلة اهتمام الفرد بنفسه، وقد تبدو عينه دامعة علماً أن بعض مرضى الاكتئاب قد يرغبون بشدة في البكاء دون تحقيق ذلك.
  • الصوت الناعم المنخفض وحيد النبرة.
  • تغيرات في كلام الفرد وحركاته: قلة الحركات اليومية والنشاطات الممارسة، الكلام البطيء.

معلومات عامة عن الاكتئاب

  • يصنف الاكتئاب كواحد من اضطرابات المزاج في الطب النفسي.
  • يصيب الاكتئاب كافة طبقات المجتمع وفئاته دون تحيز، فقد نرى الاكتئاب لدى الأطفال والبالغين وحتى كبار السن.
  • تصاب الإناث بالاكتئاب بنسبة أعلى مقارنة بإصابات الذكور.
  • يعرف الاكتئاب باسم الاضطراب أحادي القطب إذا كان معزولاً، وإذا ترافق مع الهوس فإننا نصبح في حالة الاضطراب ثنائي القطب (Bipolar Disorder).

كيفية علاج مريض الاكتئاب

يمكن استخدام العديد من الطرق العلاجية لتخفيف شدة وحدة هذا الاضطراب النفسي، ومن بين التدابير الطبية المتبعة لعلاج الاكتئاب نذكر:

  1. الدعم النفسي للمريض: من خلال جلسات لتحري المشاكل النفسية والعاطفية التي تواجه المريض ومناقشة الحلول الممكنة، إضافة إلى تثقيف الأهل والتوعية أكثر عن الاكتئاب ومعاناة المريض المصاب به.
  2. العلاج الدوائي: حيث يصف الطبيب المختص أدوية تعدّل حالة الخلل في النواقل العصبية الكيميائية وتحسن الأعراض، وتدعى بمضادات الاكتئاب (Anti-Depressants). يمنع استخدام هذه الأدوية أو وصفها للأطفال، وتوصف بحذر شديد من قبل الأطباء لدى المراهقين والبالغين الذين يعانون من الاكتئاب.
  3. العلاج النفسي: بواسطة تقنيات العلاج؛ بالكلام مع الطبيب النفسي المختص، أو جلسات العلاج النفسي السلوكي (Cognitive Behavioral Therapy)، وهي الخيار العلاجي الأفضل لدى مرضى الاكتئابية الخفيفة ومتوسطة الشدة، بينما يمكن اللجوء إليها في الحالات الشديدة بعد الاستعانة بمضادات الاكتئاب.

في مقال نشره موقع (Medical News Today) عن الاكتئاب وعلاجاته، نوه إلى أن المنظمة الأمريكية للأغذية والأدوية (US Food and Drugs Administration) قد حذرت من إمكانية تطور الأفكار السلبية والانتحارية لدى الأطفال والمراهقين واليافعين الذين يستعملون الأدوية المضادة للاكتئاب في الأشهر القليلة الأولى من تناولها.

  1. علاجات أخرى: يمكن لممارسة التمارين الرياضية أن تخفف من حالات التوتر لدى الفرد، وتحسن مستويات النواقل العصبية الكيميائية؛ مما يعدل مزاج المريض طوال اليوم. وقد تستعمل تقنيات التنبيه المغناطيسية عبر الدماغ في علاج الاضطراب الاكتئابي الرئيسي لدى الأفراد.

ختاماً، يجدر بنا دوماً أن نستشير الطبيب المختص، وذلك عند الشعور بالتبدلات أو التغيرات التي تطرأ على مزاجنا أو نفسية من حولنا، فمن غير المعيب أبداً زيارة أخصائي الطب النفسي كي نضمن الحفاظ على صحتنا النفسية، ولا ينبغي تناول الأدوية المضادة للاكتئاب بشكل إفرادي أبداً، إنما تحت إشراف الطبيب المختص الذي يتحكم بجرعاتها، ويحدد ضرورة استخدامها من عدمه.

ليالينا الآن على واتس آب! تابعونا لآخر الأخبار