وفاة الفنان الفلسطيني محمد بكري
رحل عن عالمنا، منذ قليل، الفنان والمخرج الفلسطيني محمد بكري، أحد أبرز رموز الفن في فلسطين والعالم العربي، ووالد الفنان آدم بكري، تاركاً خلفه مسيرة فنية وإنسانية حافلة بالمواقف والأعمال التي تجاوزت حدود المسرح والسينما، لتصبح جزءاً من الذاكرة الثقافية والنضالية الفلسطينية.
وفاة الفنان محمد بكري
وأُعلن خبر الوفاة عبر الممثلة الفلسطينية مريم كامل الباشا، التي نعت الفنان الراحل بكلمات مؤثرة، حيث نشرت صورة له عبر حسابها الشخصي، وكتبت قائلة: "رحل الفنان الفلسطيني محمد بكري، إلى رحمة الله حبيبنا أبو صالح، لترقد روحك بسلام".
وهو الخبر الذي سرعان ما انتشر، مثيراً موجة واسعة من الحزن والتعاطف داخل الأوساط الفنية والثقافية، وبين جمهور عربي وعالمي تابع مسيرته على مدار عقود.
شاهدي أيضاً: نجوم ومشاهير رحلوا عن عالمنا في 2025
بدايات مبكرة وشغف بالمسرح
وُلد محمد بكري في بيئة فلسطينية مشبعة بالثقافة والوعي الوطني، وانطلق منذ سن مبكرة نحو عالم المسرح، مدفوعاً بشغف حقيقي بالفن كوسيلة للتعبير والمقاومة.
لم تكن اختياراته الفنية وليدة المصادفة، بل جاءت نتيجة وعي مبكر بدور الكلمة والصورة في تشكيل الوعي الجمعي.
درس بكري التمثيل والأدب العربي، ثم التحق بجامعة تل أبيب عام 1973، في خطوة شكّلت بداية لمسار فني طويل ومعقد، استطاع خلاله أن يشق طريقه في بيئة سياسية وثقافية شديدة الحساسية، دون أن يتنازل عن قناعاته أو صوته.
من المسرح المحلي إلى العالمية
امتدت مسيرة محمد بكري من المسارح المحلية داخل فلسطين إلى فضاءات فنية أوسع، حيث قدّم أعماله على خشبات ومساحات سينمائية في هولندا وبلجيكا وفرنسا وكندا، ليصبح واحداً من الوجوه الفلسطينية القليلة التي استطاعت إيصال الرواية الفلسطينية إلى جمهور عالمي من خلال الفن.
تنقّل بين مسارح بارزة مثل هابيما ومسرح حيفا ومسرح القصبة في رام الله، مقدّمًا عروضًا حملت همّ الإنسان الفلسطيني وأسئلته الوجودية والسياسية، ومؤكداً في كل محطة أن المسرح ليس مجرد مساحة للعرض، بل ساحة مواجهة فكرية وأخلاقية.
الفن كفعل مقاومة
منذ خطواته الأولى، لم يتعامل محمد بكري مع الفن بوصفه ترفًا أو وسيلة للترفيه، بل جعله أداة للوعي والمساءلة. جاءت أعماله المسرحية والسينمائية مشحونة بالأسئلة الصعبة، رافضة للتطبيع مع القمع أو تزييف الواقع، وهو ما جعله عرضة للجدل والملاحقة في أكثر من محطة.
وكان فيلمه الوثائقي الشهير "جنين، جنين" أبرز محطات هذا المسار، حيث شكّل العمل صدمة ثقافية وسياسية واسعة، بعد توثيقه لما جرى في مخيم جنين، متجاوزًا الخطوط الحمراء المفروضة، ومثيرًا عاصفة من الجدل والملاحقات القانونية التي استمرت لسنوات.
ورغم ما تعرض له من ضغوط ومحاولات إسكات، ظل بكري متمسكًا بموقفه، مؤكدًا أن الفن لا يمكن أن يكون محايدًا أمام الظلم، وأن الصمت خيانة للحقيقة.
إرث فني متنوع وغني
قدّم محمد بكري أكثر من 43 عملًا تنوّعت بين التمثيل والإخراج والتأليف والإنتاج، في رصيد يعكس ثراء تجربته واتساع رؤيته الفنية. ومن بين أبرز أعماله: "من وراء القضبان"، "حيفا"، "حنا ك"، "تحت أقدام النساء"، إلى جانب عشرات الأعمال المسرحية والسينمائية التي تركت أثرًا واضحًا في المشهد الثقافي الفلسطيني والعربي.
وفي كل هذه الأعمال، حافظ بكري على خيط ناظم واحد: الإيمان بأن الفن موقف، وأن الصورة والكلمة يمكن أن تكونا سلاحًا أخلاقيًا في وجه القهر.
أبٌ للفن والحرية
إلى جانب مسيرته الفنية، يُعد محمد بكري أحد الوجوه التي أسهمت في تكريس مفهوم الفنان الملتزم، ليس فقط عبر أعماله، بل من خلال حضوره الإنساني وتأثيره على أجيال لاحقة، من بينها ابنه الفنان آدم بكري، الذي واصل بدوره مسارًا فنيًا يحمل الكثير من ملامح رؤية والده.
حتى لحظاته الأخيرة، ظل محمد بكري مؤمنًا بأن الفن فعل تحرر، وصوت لا ينفصل عن قضية الإنسان وكرامته، رافضًا الفصل بين الجمالي والسياسي، وبين الإبداع والمسؤولية.
شاهدي أيضاً: نجوم ومشاهير رحلوا عن عالمنا في نفس يوم ميلادهم!