ضرب الأطفال والعقاب الجسدي والآثار الناجمة عنه

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الأربعاء، 21 ديسمبر 2022
ضرب الأطفال والعقاب الجسدي والآثار الناجمة عنه

يزداد نشاط الطفل وحيويته خلال مراحل تطوره ونموه بشكل مستمر، محاولاً خلال نشاطاته أن يتعرف أكثر على البيئة المحيطة به ويشبع فضوله المعرفي عن ماهية الأشياء حوله، ليبدي في بعض الأوقات تصرفات غير مقبولة كالتخريب أو العناد تثير غضب الوالدين وتدفعهم إلى ضربه، ظناً منهما أن الضرب قد يمنعه عن تكرار السلوك الخاطئ، فتعرف معنا في هذا المقال على مفهوم عقاب الأطفال وأضرار ضرب الأطفال وتأثيره النفسي عليهم وكيفية عقاب الأطفال دون ضرب.

مفهوم عقاب الأطفال

يشكل العقاب أسلوباً يحاول من خلاله الآباء ضبط سلوك الطفل غير المقبول، ولا شك أن مفهوم هذا الأسلوب سيختلف بين وليّ أمر وآخر، لنجد أن مفهوم العقاب لدى بعضهم يقوم على عزل الطفل بعيداً في غرفته ليلتزم الصمت والثبات لفترة زمنية معينة. [1]

بينما يحاول آخرون تقويم سلوك أبنائهم وتهذيب أخلاقهم متخذين من الضرب على أماكن مختلفة من الجسم كالوجه أو المؤخرة وسيلة ناجعة في تأديب الطفل وتعليمه السلوك الصائب من الخاطئ. [1]

وقد يتطور المفهوم لدى بعض الآباء، كي يلجؤوا إلى التعنيف الجسدي أو اللفظي لعقاب أطفالهم، لتضعنا الحالة الأخيرة أمام تساؤل كبير لن نستطيع خلاله التمييز الدقيق بين العقاب الجسدي للطفل (بالإنجليزية: Corporal Punishment) واضطهاده (بالإنجليزية: Child Abuse) الممنوع عالمياً، لا سيما أن الفارق بينهما يكاد يكون ضئيلاً جداً. [1]

منع العقاب بالضرب حول العالم

في عام 1979، صرحت دولة السويد بمنعها العقاب الجسدي للأطفال في المنازل والمدارس، لتعقبها 30 دولة أخرى في هذا المنع. وفي دولنا العربية، صدرت قوانين عدة أفادت بمنع الضرب في المدارس. [1]

غير أننا لا نزال نشهد حالات يُضرب فيها الأطفال من قبل أهاليهم في المنازل والأماكن العامة، دون مراعاة حقيقية لتداعيات هذا الضرب على الطفل لاحقاً، بما فيه بناء شخصية الطفل القويمة وسلوكه المستقيم، اللذين يحتاجان لجو عائلي يوفر للطفل ما يلزمه ويعلمه الخطأ من الصواب بأسلوب منطقي، بمعزل تماماً عن العنف والضرب كوسيلة للعقاب على عدم الطاعة والانضباط. [1]

أضرار ضرب الأطفال

يهدف تهذيب الطفل إلى تعليمه عبر سنوات تطوره كيف يميز بنفسه بين السّلوك الصائب والخاطئ، ممهداً بذلك إلى النضج العاطفي والاجتماعي اللذين يحتاجهما بشكل كبير بعد بلوغه سن الرشد، وعليه لا يمكننا اعتبار الضرب والعقاب الجسدي السبيل الأمثل لهذا التقويم. [1]

لا سيما أن هذا الأسلوب يعزز الخوف لدى الطفل لتجنب السلوك الخاطئ، بدلاً من تعليمه بشكل منطقي مدى ضرر تصرفه السيئ، وضرورة تجنبه مستقبلاً، ولا يسعنا اعتبار هذا الضرب سوى محاولة تفريغ غضب عارم اتقد بسرعة لدى وليّ الأمر إثر رؤيته لسلوك طفله الخاطئ. [1]

ليس هذا وحسب، فضرب الأطفال على الوجه أو المؤخرة وعقابهم جسدياً سيزعزع العلاقات والروابط المتينة بين الطفل وأبويه على المدى البعيد، ولن يصب اضطراب العلاقة هذا في مصلحة الطرفين أبداً، خصوصاً أن الطفل سيبقى بحاجة إلى الدعم المستمر والنصائح المتواصلة من والديه إلى أن يصبح فرداً بالغاً في المجتمع، ولا ينبغي أن ننسى مقدار الألم الذي يعاني منه الطفل ويؤثر فيه نفسياً وجسدياً بعد ضربه. [1]

الآثار النفسية لضرب الأطفال

أشارت الطبيبة جون ديورانت، أخصائية طب نفس الأطفال والأستاذة المساعدة في قسم العلاقات الأسرية في جامعة مانيتوبا، إلى أن العقاب الجسدي للأطفال يرفع من مستويات العنف والعدوانية لديهم بعد نضجهم حيال الأفراد المحيطين بهم، بما فيهم آباؤهم وإخوانهم. [2]

كما أن للعقاب الجسدي صلة كبيرة بتطور الأمراض النفسية لاحقاً لدى الأطفال، مثل: الاكتئاب والقلق وإدمان المخدرات والكحول، كما قد يؤهب أيضاً إلى ارتكاب الجرائم والسرقة والانتهاكات الاجتماعية لدى الأفراد الذين تعرضوا للعقاب الجسدي في طفولتهم. [2]

من جهة أخرى، ذكرت الأكاديمية الأمريكية للطب النفسي لدى الأطفال والمراهقين، أن العقاب الجسدي قد يؤثر سلباً على القدرات المعرفية لدى الأطفال وقابلية التعلم لديهم، وكذلك يعزز لديهم مدى صحة اتباع التعنيف والضرب كأسلوب مفيد في حل المشاكل وعلاجها. [2]

كيفية عقاب الأطفال بدون ضرب

تنصح الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال بالامتناع الكلي عن ضرب الطفل على وجهه أو مؤخرته والابتعاد عن جميع أشكال العقاب والعنف الجسدي ضد الأطفال، وتؤكد في المقابل على أهمية استبدال هذه الوسائل غير المجدية والمضرة بنفسية الطفل وسلامة جسده بما هو أفضل منها. [2]

كاللجوء مثلاً إلى أسلوب يدعى (الوقت انتهى) (بالإنجليزية: Time Out)، وذلك بعد فشل التنبيهات المتكررة والموجهة إلى الطفل، وفيها يُعزل الطفل بعيداً عن المكان الذي أبدى فيه عدم التهذيب، ويلزمه وليّ أمره بالبقاء ثابتاً وساكناً فيه لفترة زمنية تتراوح بين 5-10 دقائق كحد أقصى، ليشرح بعدها أحد الأبوين مدى سوء التصرف الذي أبداه الطفل سابقاً. [2]

لا تروّج الطريقة السابقة أبداً لأساليب حبس الأطفال في غرف مظلمة، بل تحاول أن تعلّم الطفل الالتزام والانضباط لفترة زمنية قصيرة، إضافة إلى توجيهه لضرورة الابتعاد عن السلوك السيئ بطريقة منطقية ومقبولة اجتماعياً ولها نتائجها الجيدة في بناء شخصية سليمة للطفل. [2]

من جانب آخر، أوضحت الأكاديمية أيضاً إمكانية لجوء الوالدين إلى أسلوب المنع المؤقت لبعض المميزات المتاحة بهدف تأديب الأطفال الأكبر سناً، كمنع الطفل مثلاً من اللعب خارجاً أو مشاهدة التلفاز لفترة زمنية مؤقتة. [2]

وبعد أن تعرفنا معاً على أضرار ضرب الأطفال كوسيلة لتهذيب سلوكهم، نشير إلى أهمية استشارة طبيب الأطفال أو مرشد الدعم النفسي السلوكي، للاستفادة من النصائح والأساليب التي يقدمها كل منهما، والتي ستصب حتماً في مصلحة توطيد العلاقة بين الطفل وأبويه، إضافة إلى تنمية شخصية الطفل وتقويم تصرفاته بعيداً عن العنف والضرب المضرين بنفسيته وسلوكياته المستقبلية.