المملكة الفرعونية الحديثة والمتأخرة بين الهكسوس وفتوح الإسكندر الكبير

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الأربعاء، 07 ديسمبر 2022
المملكة الفرعونية الحديثة والمتأخرة بين الهكسوس وفتوح الإسكندر الكبير

مرَّت مصر الفرعونية بمرحلتين مفصليتين في تاريخها القديم، المرحلة الأولى المعروفة بعصر الاضمحلال الأول امتدت بين نهاية حكم الأسرة السادسة وحتى نهاية حكم الأسرة العاشرة، وكانت مرحلة متوترة ودموية تميزت بالبؤس والفقر وتفكك عرى الدولة، أما المرحلة الثانية والتي تعرف بعصر الاضمحلال الثاني أو الفترة الانتقالية الثانية فقد امتدت بين الأسرة الثالثة عشرة وحتى الأسرة السابعة عشرة، وأبرز حدث فيها هو احتلال الهكسوس للدلتا حتى مصر الوسطى خلال عهد الأسرتين الخامسة عشرة السادسة عشرة، إلى أن تمكن حاكم طيبة أحمس الأول من تحرير مصر وتأسيس الأسرة الثامنة عشرة المصرية، وسنبدأ من هذه النقطة مروراً بالعصر المتأخر والفترة الانتقالية الثانية، وحتَّى نهاية العهد الفرعوني على أيدي الفرس، ثم الفتح الاسكندري في القرن الرابع قبل الميلاد.

الفترة الانتقالية الثانية (1785-1576 قبل الميلاد)

عاشت مصر ظروفاً صعبة في الفترة بين نهاية حكم الأسرة الثانية عشرة وبداية حكم الأسرة الثامنة عشرة (الفترة الانتقالية الثانية من 1785 وحتَّى 1576 قبل الميلاد)، حيث حكمت الأسر الثالثة عشرة والرابعة عشرة بالتزامن مع بعضهما، كما حل الهكسوس مكان الأسرة الرابعة عشرة وأسسوا الأسرات الأجنبية الخامسة عشرة والسادسة عشرة في أواريس أو أفاريس.

فيما حلت الأسرة السابعة عشرة مكان الأسرة الثالثة عشرة في طيبة، لذلك تعتبر تلك الفترة من أكثر فترات التاريخ المصري القديم تشابكاً؛ نتيجة وجود الاحتلال الأجنبي وتزامن حكم الأسرات مع بعضها وتعدد عواصمها.

سنحاول أن نسهل عليكم الأمر الذي يبدو كأنه أحجية:

  • في المرحلة الأولى تأسست الأسرة 13 من أصول طيبية بعد انتهاء حكم الأسرة 12، وفي نفس الوقت تقريباً تأسست الأسرة 14 في الدلتا، وهذه بداية المرحلة الانتقالية الثانية نحو سنة 1785 قبل الميلاد.
  • الهكسوس أخذوا مكان الأسرة 14 في الدلتا، فيما استمرت الأسرة 13 في حكم الجنوب.
  • الهكسوس أسسوا الأسرات الخامسة عشرة والسادسة عشرة.
  • في مدينة طيبة الجنوبية بدأت حركة التحرير بتأسيس الأسرة 17 بدلاً من الأسرة 13.
  • الملك أحمس الأول هو آخر ملوك الأسرة 17 خلفاً لأخيه وأول ملكوك الأسرة 18، ما يعني أن الانتقال من أسرة إلى أخرى في هذه الحالة لم يكن تبديلاً بالأسرة نفسها، وإنما طرد الهكسوس هو ما دفع المؤرخ المصري مانيتون إلى افتتاح عهد جديد هو عهد الأسرة 18.

تمثِّل حقبة الدولة الفرعونية الحديثة آخر عصور المجد في مصر القديمة

بدأ عهد جديد في مصر المحررة بعد أن تمكن الملك أحمس الأول من احتلال أفاريس عاصمة الهكسوس وطردهم حتَّى غزَّة، وبدأ مجد مصر يعود ثانية من خلال الإجراءات التي أخذها أحمس الأول وخلفاؤه من حكام الأسرة الثامنة عشرة ومن خلفهم في الأسرة التاسعة عشر.

ما جعل أغلب الباحثين ينظرون إلى هذه الحقبة (الدولة الفرعونية الحديثة 1567 وحتى 1085 قبل الميلاد تقريباً) باعتبارها أكثر فترات الدولة المصرية قوةً ومجداً، لذلك يطلقون على هذه الفترة أيضاً عصر الإمبراطورية المصرية.

الأسرة المصرية الثامنة عشرة (1575-1308 قبل الميلاد تقريباً)

يمكن أن نسمي المرحلة التي حكمت خلالها الأسرة المصرية الثامنة عشرة بمرحلة إعادة بناء مصر وتوحيدها، حيث كان أول ملوك هذه الأسرة هو الملك أحمس الأول طارد الهكسوس، والذي استطاع أن يوطد حكمه داخل مصر، ويتابع حملته ضد الهكسوس بعد حصار دام ثلاث سنوات لحصنهم في فلسطين.

استعاد أحمس الأول السيطرة على النوبة أيضاً وكان لدى خلفائه توجه عسكري يطمح إلى الوصول حتَّى منابع نهر النيل، كما أنَّ أحمس الأول استطاع فرض الضرائب على أجزاء من فلسطين وسوريا، وبدأت نهضة داخلية كبيرة على الصعيد العمراني، فتحتمس الأول هو أول من بنى مقبرته في وادي الملوك الذي أصبح جبانة الملوك طيلة العصر الحديث.

وتبلغ الأسرة المصرية الثامنة عشر من الأهمية ما يجبرنا على الوقوف عندها أكثر من غيرها، فملوك هذه الأسرة وعائلاتهم من أكثر فراعنة مصر شهرة، أمثال أحمس الأول وحتشبسوت وتحتمس الثالث، إلى جانب الملك الفيلسوف أمنحوتب الرابع المعروف أيضاً باسم أخناتون والذي أجرى تعديلات جذرية على الوعي الديني في مصر، كما اشتهرت زوجته نفرتيتي.

ملوك الأسرة المصرية الثامنة عشرة وفقاً لموسوعة تاريخ مصر عبر العصور للدكتور محمد إبراهيم بكر وآخرين:

  1. أحمس الأول (1575-1550 قبل الميلاد).
  2. أمنحوتب الأول، معنى الاسم أمون راضٍ (1550-1528 قبل الميلاد).
  3. تحتمس الأول (1528-1510 قبل الميلاد).
  4. تحتمس الثاني (1510-1490 قبل الميلاد).
  5. حتشبسوت (1490-1486 قبل الميلاد).
  6. تحتمس الثالث، كان يصارع الملكة حتشبسوت على الحكم والتي كانت تعتبر وصية عليه برأي بعض الباحثين، وحكم معها وبعدها (1486منفرداً حتى 1436 قبل الميلاد).
  7. أمنحوتب الثاني (1436-1413قبل الميلاد).
  8. تحتمس الرابع (من 1413-1405 قبل الميلاد).
  9. أمنحوتب الثالث (1405-1367 قبل الميلاد).
  10. أمنحوتب الرابع "أخناتون" (1367-1350 قبل الميلاد).
  11. سمنخ كارع (1350 وحتَّى 1347 قبل الميلاد).
  12. توت عنخ آمون (1347-1339 قبل الميلاد).
  13. الملك "أي"، وهو من خارج الأسرة الحاكمة (1339-1335 قبل الميلاد).
  14. الملك حور محب، وهو أيضاً من خارج العائلة المالكة، كما أنَّه آخر ملوك هذه المرحلة (1332 وحتى 1320 أو 1308 قبل الميلاد).

أهم مميزات حكم الأسرة المصرية الثامنة عشرة

  • افتتحت الأسرة الثامنة عشرة عهدها بتحرير مصر من الهكسوس وفرض نفوذها وهيبتها داخل مصر وخارجها.
  • كونت مصر الجديدة جيشاً مدرباً ومنظماً خاض العديد من الحروب والمعارك أثبت خلالها كفاءته.
  • وصل الجيش المصري إلى بلاد الرافدين في عهد الملك تحتمس الثاني، كما نظم حملات عسكرية ناجحة إلى الحبشة.
  • كانت الملكة حتشبسوت أولى الملكات المصريات التي حكمت بشكل فعلي حيث حكمت مصر سبع عشرة سنة، وتميزت فترتها بانخفاض النشاط العسكري والتركيز على الداخل المصري.
  • بعد أن انفرد تحتمس الثالث بالحكم أعاد للدولة نشاطها العسكري السابق، فوصلت سيطرة مصر في عهده إلى أجزاء واسعة من فلسطين وسوريا وبلاد الرافدين، كما أخضع جزيرة قبرص وبعض جزر اليونان، فضلاً عن توغله جنوباً باتجاه الحبشة.
  • ومن الفترات المميزة حكم أمنحوتب الثالث الذي كان دبلوماسياً بارعاً وإدارياً فذاً كما يصفه الدكتور ناصر الأنصاري في كتابه (المجمل في تاريخ مصر)، حيث استطاع الحفاظ على تركة أجداده الواسعة دون أدنى توترات تذكر.
  • من أبرز الشخصيات المصرية هو الملك أمنحوتب الرابع وزوجته نفرتيتي، إذ يعتبر الملك أمنحوتب الرابع أول دعاة توحيد الإله في مصر القديمة، حيث تخلى عن عبادة الآلهة المتعددة وحافظ على عبادة إله الشمس أتون، وغيَّر اسمه من أمنحوتب الرابع إلى أخناتون تمجيداً للإله أتون.
  • أنشأ أمنحوتب الرابع مدينة أخيتاتون (تل العمارنة) وهاجر إليها، كما دمر تماثيل آمون وأغلق معابده ومحى أسماء الآلهة القديمة من النقوش، لكن الأغلب أن أخناتون تمت إزاحته نتيجة فرضه لهذا الدين الجديد، ولا يوجد ما يوضح مصيره بشكل قاطع.
  • تراجع توت عنخ آمون عن قرارات أخناتون وأعاد فتح معابد آمون، وبذلك استطاع الحصول على رضى الكهنة والعامة من معارضي عبادة آتون.
  • انتهت الأسرة التاسعة عشرة دون أن تنحسر قوة مصر وهيبتها على الرغم من نتائج ما عرف بثورة العمارنة خلال حكم أخناتون، وبدأت أسرة جديدة بانتقال الحكم من حور محب إلى رمسيس الأول مؤسس الأسرة التاسعة عشرة.

الأسرة المصرية التاسعة عشرة (1320-1200 قبل الميلاد)

كان رمسيس من مستشاري آخر ملوك الأسرة الثامنة عشرة حوب محب، ولما مات هذا الأخير نحو سنة 1320 قبل الميلاد تمكن الوزير رمسيس الأول من اعتلاء العرش؛ ليكون بذلك الملك المؤسس للأسرة التاسعة عشرة، أو ما يعرف أيضاً بعصر الرعامسة.

لكن رمسيس الأول كان كبيراً في السن لما تولى العرش، لذلك لا يمكن أن نجد سمات تستحق الذكر لفترة حكمه التي لم تتجاوز السنتين، خلفه فيما بعد ابنه سيتي الأول الذي يعتبر المؤسس الفعلي لهذه الأسرة وكان من بين ألقابه (وهم مسوت)، والتي تعني تكرار الولادة إشارة إلى نهضة جديدة.

وكان سيتي الأول هو من بدأ بإقامة معبد أوزيريس في أبيدوس، وتميز عهده بإعادة الاستقرار الديني في مصر بعد ثورة العمارنة وعهد أخناتون، كما اهتم بإعادة الهيبة إلى مصر في الجنوب والغرب، إضافة إلى توطيد حكمهم في الشام، ثم خلفه على العرش رمسيس الثاني صاحب معبد أبو سمبل.

رمسيس الثاني ومعركة قادش

من أبرز الأحداث في فترة حكم الأسرة التاسعة عشرة كانت الحرب مع سوريا والحيثيين، في واحدة من أشهر معارك التاريخ والتي تعرف باسم معركة قادش، وقادش هذه منطقة تقع قرب مدينة حمص السورية وكانت خاضعة لسلطة الحيثيين آنذاك.

قرر الملك رمسيس الثاني ابن سيتي الأول أن يهاجم الحيثيين بعد أن قويت شوكتهم وأصبحوا يشكلون خطراً على النفوذ المصري في تلك المنطقة، فاشتبك جيش الحيثيين بقيادة الملك مواتللي الثاني المتحصن في قادش مع الجيش المصري بقيادة الملك رمسيس الثاني عند نهر العاصي.

فعلياً تعتبر الاتفاقية التي وقعها الحيثيون والفراعنة أول اتفاقية سلام في العالم، وكانت على خلفية التهديد الآشوري لكلا المملكتين، لكن ذلك لم يمنع طرفي الحرب من ادعاء النصر لنفسيهما وتخليده من خلال النقوش والنصب التذكارية، فيما يجمع الباحثون أو أغلبهم أنَّ هذه الحرب لم يكن فيها منتصر.

ملوك الرعامسة خلفاء رمسيس الثاني

  • خلف رمسيس الثاني أحد أبنائه وهو "مرن بتاح" الذي تمكن من صد غزو اليونانيين والليبيين على الثغور المصرية، وكادت الدلتا أن تسقط في يدي الغزاة لولا استعانة مرن بتاح بقادة الجيش القدامى من عهد أبيه رمسيس الثاني.
  • كان عهد مرن بتاح آخر عهود القوة في الأسرة المصرية التاسعة عشرة إذ خلفه ملوك ضعاف، حيث اعتلى العرش ستي الثاني خلفاً لأبيه مرن بتاح، ثم الملك سبتاح، وأخيراً الملكة تا أوسرت.
  • كانت فترة حكم الملوك الضعفاء عاملاً أساسياً في إزاحة الأسرة التاسعة عشرة عن الحكم، حيث دار صراع داخلي بين أفراد الأسرة الحاكمة جعل من الصعب تتبع ترتيب الملوك وتفاصيل عصورهم، لكن الأمر انتهى بتأسيس الأسرة العشرين على يد ست نخت.
  • فعلياً كان ست نخت كبيراً في السن عندما تمكن من اعتلاء العرش؛ لذلك يعتبر رمسيس الثالث هو المؤسس الفعلي للأسرة المصرية العشرين.

الأسرة المصرية العشرون (1200-1085 تقريباً)

الملك رمسيس الثالث هو المؤسس الفعلي للأسرة العشرين كما ذكرنا، وهو أقوى ملوكها وأبرزهم، بل يقال إنه كان آخر فراعنة مصر العظام، ومن الواضح أن رمسيس الثالث كان معجباً برمسيس الثاني فاتخذ اسمه وأطلق على ابنه اسمه أيضاً.

تمكن رمسيس الثالث من التصدي للغزوات الليبية التي بدأت تصبح شديدة القوة منذ عهد مرن بتاح، لكن الدور الأهم الذي لعبه هذا الملك هو تصديه لغزوات شعوب البحر التي انتهت للتو من تدمير مملكة الحيثيين في سوريا وإنهاء سلطة مصر في مناطق سوريا وفلسطين والعراق، فاتجهت إلى مصر براً وبحراً، لكنهم واجهوا مقاومة عنيفة من الجيش المصري أجبرتهم على التراجع.

خلفاء رمسيس الثالث

حكم رمسيس الثالث نحو 30 سنة، كانت السنوات الإحدى عشرة الأولى مسخَّرة للحروب، والباقي قام خلالها بسلسلة من أعمال البناء في طيبة ووادي الملوك، ثم مات نحو سنة 1166 قبل الميلاد لتبدأ بعده مرحلة ضعف جديدة.

وخلّف رمسيس الثالث عدداً من الملوك أطلقوا على أنفسهم جميعاً اسم رمسيس، ابتداءً من رمسيس الرابع وحتَّى رمسيس الحادي عشر، وكانوا جميعاً ملوكاً ضعفاء وخاضعين للكهنة، ولم تكن هذه المرحلة التي امتدت نحو 80 سنة إلَّا مرحلة انتقالية ثالثة في تاريخ مصر القديم.

ويمكن أن نختصر هذه المرحلة كالآتي:

  • كان رمسيس الثالث آخر الفراعنة الأقوياء، وتمكن من التصدي لهجمات الليبيين وشعوب البحر.
  • كان خلفاء رمسيس الثالث (من رمسيس الرابع وحتَّى الحادي عشر) من ضعاف الملوك، حيث انهارت هيبة الملك وقوته في عصرهم الذي امتد 80 سنة تقريباً.
  • عرفت فترة حكم الملوك الضعاف الكثير من أعمال السرقة والنهب للمقابر، كما كان الملوك أنفسهم يغتصبون مقابر أسلافهم ويعيدون بناءها.
  • بدأ الوضع الاقتصادي في مصر يتدهور منذ عهد رمسيس الثالث، وبلغ الوضع مرحلة سيئة في عهد رمسيس العاشر، حيث شهد حكمه إضراباً للعمال احتجاجاً على البؤس والجوع الذي اجتاح البلاد.
  • آخر ملوك الأسرة العشرين كان رمسيس الحادي عشر، ومعه انتهت مصر القوية وعصر الدولة الحديثة، ودخلت مصر في مرحلة انتقالية جديدة.

عصر الاضمحلال الأخير (1085-332 قبل الميلاد)

تمتد الفترة الانتقالية الثالثة أو عصر الاضمحلال الأخير؛ طول حكم الأسرات من الحادية والعشرين وحتَّى الأسرة الثلاثين، ويتفق معظم الباحثين على اعتبار هذه الفترة هي فترة انهيار الدولة المصرية القديمة، حيث تحللت الإمبراطورية المصرية وخسرت معظم مستعمراتها.

كما تعرضت للكثير من الغزوات الليبية التي نجحت في انتزاع السيطرة أحياناً، وتعاظم نفوذ الإغريق والفرس تمهيداً لاحتلال مصر، فلم تخرج مصر من هذا الضعف طيلة هذه الفترة إلا فترات قليلة متقطعة.

كانت بداية هذه المرحلة مع انقسام مصر، حيث حكمت الأسرة الحادية والعشرون في الشمال والتي تأسست على يد سمندس معتمداً على صلة قرابة تجمعه مع ملوك الأسرة العشرين، فيما حكمت أسرة من الكهنة في الجنوب من خلفاء حريحور، وبذلك كانت مصر تدار من عاصمة الشمال تانيس، ومن طيبة عاصمة الجنوب.

الأسرة المصرية الثانية والعشرون

نتيجة الضعف الذي أدرك البلاد نهاية حكم الأسرة العشرين وخلال حكم الأسرة الحادية والعشرين استعان ملوك هذه الأسر بالمرتزقة من الجنوب ومن ليبيا، وبدأت كتائب المرتزقة توسع نفوذها في الجيش والحكومة وخاصة الكتائب الليبية.

استطاع الليبيون اختراق القصور المصرية من خلال الزواج وتوسيع نفوذهم، إلى أن بدأ عهد الأسرة الثانية والعشرين على يد أحد قادتهم الملك شيشنق نحو سنة 945 قبل الميلاد؛ لذلك تعرف بالأسرة الثانية والعشرين الليبية.

اتخذت الأسرة الليبية من بوباسطة (قرب الزقازيق) عاصمة لها وخلفت هناك بعض الآثار، كما تعتبر من الأسر القوية التي حكمت مصر الفرعونية في فترة انهيارها، حيث قاد مؤسسها حملة وصل بها إلى القدس، لكن خلفاءه اضطروا للتراجع، كما استقلت النوبة تماماً عن مصر في عهد هذه الأسرة.

الأسرات بين الثالثة والعشرين حتَّى الخامسة والعشرين

مع الأسرة الثالثة والعشرين عادت عاصمة الدولة إلى تانيس (صان الحجر في الشرقية)، وأبرز ما يمكن ذكره عن هذه الأسرة هو أن ملوكها تمكنوا من هزيمة حكام طيبة في الجنوب وإجبارهم على التراجع باتجاه الحبشة، وكان هناك صراع عنيف بين عدد كبير من الأمراء على حكم مصر.

في عهد الأسرة الرابعة والعشرين اصطدم مؤسسها نف نخت مع أحد ملوك طيبة ويدعى بعنخي، استمر هذا الصراع حتى عهد ابن نف نخت المدعو باك ان رنف، إلَّا أن هذا الصراع انتهى لصالح الجنوب وانتهى معه عهد الأسرة الرابعة والعشرين، وتأسيس الأسرة الخامسة والعشرين نحو سنة 720 قبل الميلاد، والتي عرفت أيضاً بالأسرة النوبية.

تعرضت مصر في عصر الأسرة النوبية (أو الكوشية) لفرض الجزية من قبل ملك آشور سنحريب، لكن الملك شاباتكا رفض دفع الجزية، فهاجم الآشوريون مصر وتمكنوا من هزيمة الجيش وكادوا أن يسيطروا على البلاد لولا وباء حل بالجيش الآشوري أجبره على الانسحاب.

فعلياً هدأ الوضع قليلاً في عهد الملك النوبي طهرق، لكن الآشوريين عادوا لغزو مصر بقيادة أسرحدون هذه المرة، ووصلوا حتَّى منف، ثم وصل ابنه آشور بانيبال إلى طيبة، لكنهم تراجعوا بعد فترة قصيرة.

الأسرة السادسة والعشرون (الصاوية)

نخاو هو مؤسس الأسرة السادسة والعشرين (الصاوية نسبة إلى صا الحجر الغربية)، ثم خلفه ابنه بسماتيك الذي استغل انشغال آشور بصراعها مع بابل وعيلام؛ فطرد الحملة الآشورية حتَّى فلسطين، وكانت فترة حكم بسماتيك من فترات القوة القليلة منذ انتهاء حكم رمسيس الثالث.

بعد بسماتيك خلفه ابنه نخاو الثاني، الذي هزم حاكم أورشليم في موقعة مجدو، وكان مدعوماً من فرق المرتزقة اليونانيين التي أسسها والده، لكن نخاو الثاني غرَّه نصره فقرر الاتجاه نحو الفرات لمحاربة بابل.

تمكن نخاو الثاني من الانتصار على البابليين بادئ الأمر، لكنه لقي "هزيمة ثقيلة" على يد نبوخذ نصر في قرقميش، فترك سوريا عائداً إلى مصر نحو سنة 605 قبل الميلاد، وخسر أيضاً فلسطين التي سيطر عليها نبوخذ نصر بعد أن خلف والده وأصبح هو ملك بابل.

بعد نخاو الثاني خلفه ابنه بسماتيك الثاني الذي حكم فترة قصيرة حارب خلالها كوش بجيش من المرتزقة اليونانيين والليبيين إلى جانب المصريين، ثم خلفه ابنه واح ايب رع (ابريس)، الذي واجه البابليين بطريقة غير مباشرة عن طريق دعمه الملك صدقيا ملك أورشليم في ثورته ضد نبوخذ نصر الثاني.

لكن الملك الثائر في أورشليم واجه مصيراً مأساوياً، حيث تم إعدام ابنه أمامه ثم اقتيد إلى الأسر وفقئت عينه، وعادت المدينة لسيطرة آشور، لكن هذه الأزمة أدت إلى تمرد ضد ملك مصر ابريس الذي سحقه قبل أن يتطور، أما التمرد الثاني فكان عندما أرسل ابريس مجموعة من جيشه لنصرة الليبيين بمواجهة الإغريق، فوقع الجيش بكمين لم يعد منه إلا القليل.

نهاية الأسرة الصاوية

أرسل اربيس القائد أحمس لمواجهة التمرد الثاني، لكنه مال إلى الثائرين وهاجم ملكه، وانتهى الأمر بقتل الملك بعد فترة من التهادن، وآل الحكم للملك أمازيس أو أحمس الثاني الذي تميز عهده بعلاقات قوية مع الإغريق على الرغم أن سبب التمرد الذي أطاح بسلفه هو اتهامه بالتقرب من الإغريق وتفضيلهم على المصريين.

بدأ الخطر الفارسي يلوح في الأفق في هذه المرحلة، حيث بدأت فارس تفتك بممالك العراق وسوريا وعينها على مصر، وقرر قمبيز خليفة قورش أخيراً أن يغزو مصر في عهد بسماتيك الثالث، الذي حاول أن يتصدى لهذا الغزو لكنه فشل فوقع في الأسر، أو أنَّهم أعدموه، لكن نهاية الأسرة السادسة والعشرين كانت فعلياً بداية وقوع مصر الفرعونية بيد الفرس.

الأسرات المصرية من السابعة والعشرين وحتى الثلاثين (525-332 قبل الميلاد)

وقعت مصر تحت الاحتلال الفارسي سنة 525 قبل الميلاد بعد القضاء على الأسرة السادسة والعشرين، وكما فعل الهكسوس أسس الفرس أسرة حاكمة هي الأسرة السابعة والعشرين في عهد قمبيز ابن قورش، وحاولوا أن يقنعوا المصريين بأنهم ورثة العرش، وحاولوا أن يتخذوا ألقاباً مصرية ووضعوا صورهم في النقوش على الطريقة المصرية.

لكن محاولة الاندماج الفارسية هذه واجهت ثوراتٍ كثيرة، خاصة وأن الفرس انتهكوا حرمة الديانات المصرية بطريقة همجية كما فعل الهكسوس الأوائل أيضاً وفق ما يروي هيرودوت.

بعد قمبيز تولى ابنه دارا الأول العرش (522-486 قبل الميلاد)، ويبدو أنَّه حاول إصلاح ما أفسده والده مع المصريين، فألغى بعض القوانين المجحفة واستبدلها بقوانين تعود لعهد أحمس الثاني، كما أصلح المعابد المهدمة، وأصدرت العملة لأول مرة في عهده.

لكن على الرغم من ذلك اندلعت ثورة عارمة ضد الفرس في مصر مستغلة حربهم مع الإغريق، وتمكنت من القضاء على النفوذ الفارسي في الدلتا.

الثورات ضد الفرس وتأسيس الأسرة الثامنة والعشرين

لم يتمكن دارا من القضاء على الثورة المصرية، لكن ابنه اكسر كسيس كان عنيفاً وقاسياً، فتمكن من إخماد الثورة في العام الثاني من حكمه، وعين أخاه ارتاكسر سيس حاكماً لمصر.

لكنه واجه ثورة أعنف من الأولى بقيادة الأمير المصري ارتن حر ارو (اناروس) الذي تمكن من تحقيق انتصارات عدة وصلت إلى قتل شقيق الملك الذي كان حاكماً لمصر.

استطاع الفرس أن يلقوا القبض على زعيم الثورة وأعدموه، لكن الثورة استمرت على يد سايس آمون حور، واستمرت الثورة بين صعود وهبوط حتَّى تزعمها آمون حور الثاني الذي تمكن بعد نضال 6 سنوات من إنهاء الاحتلال الفارسي وتأسيس الأسرة المصرية الثامنة والعشرين، والتي لم تتضمن إلَّا ملكاً واحداً هو محرر مصر من الفرس آمون حور الثاني أو اميرتي الذي اتخذ من ساييس عاصمة له.

الأسرة المصرية التاسعة والعشرون (398-378 قبل الميلاد)

بعد موت اميرتي الملك الوحيد في الأسرة المصرية الثامنة والعشرين استطاع نفرتيس الأول (نايف عاورود الأول) السيطرة على الحكم وتأسيس الأسرة التاسعة والعشرين التي حكمت البلاد نحو 20 سنة من منديس.

وقد حكم خلال فترة الأسرة التاسعة والعشرين أربعة أو خمسة ملوك أبرزهم الملك هكر الذي حكم فترة طويلة نسبياً نحو 13 سنة، استمر خلالها بتعزيز سيادة مصر الوطنية والتصدي للفرس من خلال التحالف مع أعدائهم.

ثم انتقل الحكم لابنه نايف عاورود الثاني الذي حكم شهوراً قليلة قبل أن يتم تأسيس الأسرة الثلاثين آخر الأسرات المصرية.

الأسرة المصرية الثلاثون (378-341 قبل الميلاد)

فعلياً تعتبر الأسرة الثلاثون آخر الأسرات المصرية، فمعها انتهى عهد الفراعنة المصريين إلى الأبد، وعلى الرغم أنَّ هذه الأسرة كانت نهاية الدولة المصرية العظيمة إلَّا أنَّها كانت على جانب من القوة، فحاولت جهدها لإصلاح الأمور الداخلية ومقاومة الأطماع الفارسية.

أسس نقطانب الأول (نختنبو الأول) هذه الأسرة، ثم تلاه الملك جدحر (تاخوس) الذي أعاد التحالف مع الإغريق وخاض معارك مع الفرس في بلاد الشام في محاولة لإعادة أمجاد مصر، لكن أخاه ونائبه الذي تولى إدارة البلاد في هذه الفترة قام بانقلاب عليه، واستدعى لهذا الهدف ابنه نختنبو الثاني الذي كان في جيش عمه جدحر في سوريا.

انفض المرتزقة اليونان من حول الملك جدحر ما دفعه إلى الهرب وطلب اللجوء السياسي من أعدائه الفرس، وقيل إنه قضى حياته عندهم، وبذلك عاد نختنبو الثاني إلى مصر ملكاً، بل آخر الملوك.

مصر بين الفرس والإسكندر الكبير (341-332 قبل الميلاد)

حكم نختنبو الثاني مصر نحو 18 عاماً، وكانت الأمور في البداية متوترة نتيجة اشتعال الثورات ضده من كل جانب، فثورة يقودها أحد أفراد الأسرة التاسعة والعشرين، وثورة يقودها أتباع عمه جدحر، لكنه في النهاية تمكن من القضاء على هذه الثورات، إلا أن ثورات أخرى كانت مسؤولة عن الإطاحة بآخر الفراعنة.

فعلياً لم تكن مصر وحدها التي تنهار في هذه الفترة، بل العالم القديم كله كان ينهار، فأغلب الممالك القديمة كانت خاضعة للاحتلال الفارسي، وربما كانت المملكة المصرية على ضعفها هي الأقوى بين ممالك الشرق القديم.

لكن الممالك الأخرى كالفينيقيين أشعلوا ثورات عنيفة لمواجهة الفرس، ما حرض الفرس على تجنيد جيش ضخم للتصدي لثورات الساحل السوري وتحديداً صيدا.

بعد أن تمكن الفرس من القضاء على صيدا اتجهوا إلى مصر، وخلال سنوات قليلة تمكنوا من السيطرة على مصر واختفى ذكر آخر الفراعنة إلى الأبد، لكن الفرس أيضاً لم يدم لهم البقاء في مصر.

إذ انتهى عهدهم بسرعة مع فتوحات الاسكندر الكبير الذي ضم مصر إلى دولته مترامية الأطراف سنة 332 قبل الميلاد، وللإسكندر في مصر حكايات كثيرة.

أخيراً، هكذا انتهت الدولة المصرية القديمة بعد أكثر من 30 قرناً عرفت خلالها عصور مجد عسكري واقتصادي، وعرفت أيضاً أيام جوع وبؤس، وهذا كان حال معظم ممالك الشرق القديم التي أسست المدنية والحضارة، ثم تهاوت أمام الفرس والمقدونيين من بعدهم، وما تزال حقبة مصر الفرعونية موضوع درس لا ينتهي، فإلى وقت قريب كان هذا الشرق مدفوناً بالرمال، وبشكل درامي، تمكن الباحثون الوافدون من أصقاع العالم الجديد أن يتعرفوا إلى أصول الحضارة في الشرق، وكثيراً ما أثبتت بعض الاكتشافات أخطاءً تاريخيةً جسيمةً وقع فيها المؤرخون القدامى، فهل ستكشف المراحل المقبلة من البحث أموراً جديدة؟!

ليالينا الآن على واتس آب! تابعونا لآخر الأخبار