زواج المقايضة أو المبادلة

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الإثنين، 25 نوفمبر 2019
زواج المقايضة أو المبادلة

كما تسود فكرة أن المولود الذكر علامة للفرح والسرور والنعمة، بينما المولود الأنثى علامة للشؤم والحزن والنقمة في بعض المجتمعات؛ فإن زواج الشغار أو البدائل أو المقايضة من العادات المجحفة بحق المرأة، الذي ما زال سائداً في بعض المجتمعات العربية حتى يومنا هذا.

تزويج الفتاة بالمقايضة وفي سن مبكرة بعد حرمانها من الدراسة

نشرت جامعتا بهاء الدين زكريا وفيصل آباد (Faisalabad & Bahauddin Zakariya) الكائنتان في باكستان والمتخصصتان بالدراسات الإسلامية؛ مقالاً حول زواج المقايضة لعام 2015. في مجلة باكستان للعلوم الاجتماعية (Pakistan Journal of Social Sciences)، حيث جاء فيه "أن هناك العديد من المجتمعات الكائنة في جنوب وشرق آسيا اعتمدت في تزويج أفرادها على ما يسمى زواج المقايضة أو التبادل"، إذ تفرض الأسرة على الفتاة أن تترك دراستها وتشارك عبئ أعمال المنزل مع والدتها في سن مبكرة.

كما أنها يجب أن تتزوج من الشخص الذي تمّ اختياره من قبل والديها دون أي اعتراض، مما ينتقص من قيمة الفتاة وإرادتها، فينتشر هناك ما يسمى بزواج المقايضة أو زواج التبادل، ولهذا النوع من الزواج معنى سنتعرف عليه، كما أنه منتشر حتى اليوم في بعض المجتمعات العربية.

الزواج عقد احتماعي يكفل حقوق المرأة والمقايضة تحولها إلى متاع

الزواج هو مؤسسة اجتماعية قديمة قدم وجود الجنس البشري كعلاقة رسمية بين الرجل والمرأة، هذا ما اعترف به العرف والقانون أيضاً، كما ينطوي الزواج على واجبات وحقوق معينة، فتختلف شعائره وطقوسه بين الشعوب والمجتمعات، ولأن جميع الأديان السماوية تعترف بالزواج كحاجة طبيعية من حاجات البشر، وبما أن ما يسمى (زواج المقايضة) يندرج تحت لائحة أعراف بعض المجتمعات، وحتى الإسلامية منها؛ كان لا بد أن نبحث في وجهة نظر الإسلام في الزواج، فنجد أن الزواج حسب الدين الإسلامي يُعتبر عقداً اجتماعياً يتضمن مسؤوليات واسعة من حقوق وواجبات، حيث يعتبر كلاً من الزوجين شخصاً ذي شأن، فهو اتحاد اثنين ليتقاربا من بعضهما البعض جسدياً وعاطفياً وعقلياً. كما أن الدين الإسلامي يفرض على الزوج أن يمنح زوجته مهراً وهو قدر من المال أثناء إبرام عقد الزواج لحفظ حقوقها، وإعلاء شأن المرأة في الزواج، من خلال عدم انتقاص شخصيتها وكيانها.

أما عندما نأتي لمعنى زواج المقايضة نرى أن الأمر مختلف تماماً، فيُعرَّف زواج المقايضة على أنه: "اتفاق بين اثنين من الرجال على الزواج بأخوات بعضهما البعض بالتبادل، مع إلغاء حاجة دفع المهر، كذلك غضُ النظر عن موافقة الأخوات أو رفضهما، وفي حال فشل الزواج بين أحد الطرفين يُعتبر زواج الطرف الثاني لاغياً وباطلاً حتى وإن كانا سعداء ومتفقان في حياتهما الزوجية"، وهو أحد أنواع الزواج التقليدي الغير متكافئ في كثير من الأحيان.

هل ما يزال زواج المقايضة سائداً حتى وقتنا الحاضر؟

عند بحثنا عن أنواع الزواج في يعض المجتمعات؛ نجد أن زواج المقايضة ما زال يحتلّ أهمية في عادات وأعراف العديد منها حتى وقتنا الحالي، على الرغم من تطور العلم والمعرفة وانتشارهما، حيث ترفض هذه المجتمعات التغيير وتعتبره ضرباً من الجنون والتمرد، وتعتمد في أفكارها على الإعلاء من قيمة الرجل والانتقاص من قيمة المرأة، فينتشر زواج المقايضة في الباكستان مثلا ويسمى هناك ب واتا ساتا (Watta Satta)، أما في المجتمعات العربية كمصر واليمن فيسمى بزواج الشغار.

حيث تلجأ تلك المجتمعات لزواج المقايضة تقاعساً عن دفع المهر، دون وجود أدنى فكرة عن رأي المرأة وعن عمرها وعن قيمتها ودورها في المجتمع، فيتمّ الاتفاق بين الرجلين على النحو التالي: "سوف أتزوج من أختك، إذا تزوجتَ أختي، وفي حال طلّقتَ أختي، سوف أطلّق أختكَ"؛ كأن الأختان عبارة عن سلعتين يتم الحصول على واحدة منهما بإعطاء الثانية للآخر.

وينتشر زواج المقايضة أو الشغار في اليمن بشكل كبير فيعتبر هناك أعلى نسبة انتشار بين البلدان العربية، فحسب مقال للكاتبة مي نعمان نشرته (BBC) على موقعها في تاريخ 29 تموز/يوليو عام 2014، فإن "نسبة زواج الشغار في اليمن للفتيات دون سن 15 تشمل أكثر من ربع الفتيات هناك"، ويعتبر بعض أهالي اليمن أن هذا النوع من الزواج هو أمر تقليدي قديم ومن العادات الاجتماعية المهمة التي يجب أن يحافظوا عليها وهم فخورين بها على أية حال.

كما ذهب الشيخ اليمني محمد مأمون من خلال وثائقي مسجل لصالح الخدمات العالمية ل بي بي سي أن "هذا النوع من الزواج حرام"، فالدين الإسلامي يعتبر المهر أمر ضروري وواجب وهو من حق المرأة ليصون كرامتها ويحفظ قيمتها عند الزوج، وهو جزء لا يتجزأ من عقد الزواج الإسلامي الصحيح، ويبين الشيخ مأمون أن زواج الشغار باطل وحرام وذلك نسبة إلى قواعد الشريعة الإسلامية.

ومن خلال الوثائقي المذكور، روى عدد من الأشخاص قصصهم وتجاربهم في زواج الشغار، ونستطيع من خلال هذه التجارب أن ننتهي لخلاصة حول السلبيات والأثار السيئة التي من الممكن أن تصيب المجتمع بسبب زواج الشغار، منها:

  1. إن زواج الشغار/ المقايضة ينتقص من قيمة المرأة ودورها في المجتمع، مما يزيد من فكر الجهل والتخلف في تلك البلدان التي تعتمد على هذا النوع من الزواج.
  2. قد يؤدي زواج الشغار/ المقايضة إلى تفكيك أسرة بكاملها؛ في حال لجأ أحد الأطراف في عقد المقايضة إلى تطليق زوجته، مما يدفع الطرف الآخر إلى تطليق زوجته بالمقابل حتى وإن كان الطرف الآخر سعيداً ضمن عائلته.
  3. في حال عدم إيقاف هذا النوع من الزواج، سوف يتعرض الكثير من الفتيات إلى الضغط من أجل الزواج في سن مبكرة جداً، مما يجعلهن سلعة للبيع والمقايضة غير متابعات لدراستهن أو حتى عيشهن حياة كريمة بعيداً عن شبح المسؤولية المبكر لسنهنّ.
  4. في حال تزوجت الفتيات بطريقة زواج الشغار/ المقايضة لن تستطيع أن تكفل حياة كريمة لنفسها، فلن تحصل أبداً على المهر الذي يضمن مستقبل أفضل لها، وسوف تبقى في حالة توتر كامل خوفاً من قدوم لحظة يختلف فيها أخيها مع زوجته (شقيقة زوجها) مما يدفع زواجها إلى الانهيار أيضاَ دون وجود أي سبب منطقي.

في النهاية.. في حال اعتبرت هذه المجتمعات أنها تتبع الدين الإسلامي، يجب أن تجد حلّاً لهذه القضية المهمة، المنتقصة من قيمة وقدر المرأة، لأن مبادئ الدين الإسلامي وشريعته ترفض منطقياً هذا الزواج وتعارضه كما تحرمه أيضاً.

أخيراً.. بالرغم من كل أنواع العنف والاستبداد التي تُلحَق بالمرأة في وقتنا الحالي، إلا أننا نستطيع أن ننشر وعياً وإدراكاً مهماً، خاصة في مجتمعات التخلف والجهل، بالتالي العودة على المجتمع بالفوائد الجمّة التي تطهره من كل الأمراض الاجتماعية التي ما تزال سائدة حتى وقتنا الحالي.

ليالينا الآن على واتس آب! تابعونا لآخر الأخبار