شيرين النويس سفيرة أطفال «صعوبات التعلم».. صاغت من ألمها قصة نجاح

  • تاريخ النشر: الأحد، 05 أبريل 2015 آخر تحديث: الأحد، 06 فبراير 2022
شيرين  النويس سفيرة أطفال «صعوبات التعلم».. صاغت من ألمها قصة نجاح
سفيرة حب وأمل لكل طفل يعاني من «صعوبة التعلم»، مدّت يدها بحنان الأم لتمسك بأياديهم الصغيرة وتعدهم بغد أفضل. صاغت من ألمها ولحظات اليأس قصة نجاح ورسالة إنسانية للمجتمع بضرورة التنبه لهذه الفئة التي تبحث عمن يرعاها لتسهم في المستقبل في بناء الوطن. «ليالينا» التقت نموذجاً مشرفاً للمرأة الإماراتية التي نفخر دائماً بإنجازاتها، شيرين النويس، المؤسس والمدير التنفيذي لمركز «تعليم» للتدريب وتنمية المهارات، وأجرت معها هذا الحوار.
 
شكّل تشخيص ابنك محمد «بالدسلكسيا» نقطة تحول في حياتك، حدثينا عن هذه التجربة وكيف تفاعلت معها؟ 
هذه التجربة هي رحلة معاناة وألم وكفاح، استمرت 10 أعوام، لإيجاد حل لمشكلة ابني محمد، وهي التي قادتني لتأسيس مركز «تعليم» للتدريب وتنمية المهارات. وذلك بعد أن اكتشفت أن محمد يعاني ضعفاً أكاديمياً واضحاً في الكتابة والقراءة والإملاء منذ دخوله المدرسة، على الرغم من ذكائه العالي بالنسبة لعمره آنذاك. وبدأت باتخاذ بعض الإجراءات كأي أم حريصة على مستوى تحصيل ابنها الأكاديمي ومستقبله، بتنقله بين خمس مدارس وإعطائه الدروس الخصوصية وإعادة الصف، ولكن دون جدوى. وازدادت مشكلته مع تقدمه في العمر. ومن خلال الإطلاع والبحث سواء عن طريق الكتب أو المواقع الإلكترونية وجدتُ الحل في السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك اكتشفت حقيقة ما يعاني منه محمد، وماذا نعني «بالدسلكسيا» ومفهوم «صعوبة التعلم» عند الأطفال، بعد أن تم إخضاعه لاختبارات تقييمية وبرنامج علاجي.
 
شيرين  النويس سفيرة أطفال «صعوبات التعلم».. صاغت من ألمها قصة نجاح
 
كيف تصفين حياة محمد اليوم ومستواه الأكاديمي؟
أنا أفتخر بمحمد وبالإنجاز الذي حققه، حيث حصل على نسبة 94 % في الثانوية العامة، ومنحة للدراسة الجامعية في الولايات المتحدة الأمريكية تخصص علم اقتصاد، وحالياً أنهى الفصل الدراسي الجامعي الأول بمعدل امتياز. وهو شخص مسؤول يشعر برغبة كبيرة في مساعدة الأطفال الذين يعانون من صعوبات التعلم، لأن التحديات التي واجهها في حياته خلقت منه انسان إيجابي  يمتلك إرادة وعزيمة قوية لخدمة مجتمعه من واقع تجربته الخاصة.
 
قبل أن نتحدث عن تأسيسك لمركز «تعليم» ماذا نعني «بالدسلكسيا»؟
«الدسلكسيا» هي عسر القراءة وهي إحدى أنواع صعوبات التعلم وأكثرها شيوعاً، ومصطلح «صعوبة التعلم» يستخدم لوصف مجموعة من العوامل والظروف التي تعمل على إيجاد مشكلة أو قصور لدى الطفل في واحد أو أكثر في مجالات التحصيل الدراسي والمتمثلة في مواد القراءة والكتابة والكلام والتحدث والاستماع والتهجئة والحساب، وهي ذات منشأ عصبي وراثي لكن قد تسهم العوامل البيئية المحيطة في ظهورها. ويغيب عن الكثيرين أيضاً أن الطفل «الديسلكسي»، ليس متخلفاً عقلياً أو يعاني من إعاقة جسدية أو ذهنية أو توحد، بل أغلب الأطفال المعُسرين في القراءة لديهم معدلات ذكاء متوسطة، وقد تتعدى نسبة ذكائهم المعدلات الطبيعية، لذلك نجد العديد من مشاهير العالم الذين خلفوا وراءهم بصمات مميزة، وإنجازات أفادت البشرية، قد عانوا أعراض «الديسلكسيا» في طفولتهم المبكرة.
 
ما الأعراض التي تساعدنا في الكشف المبكر عن «صعوبة التعلم» وما أهمية ذلك؟
صعوبة التعلم هي اضطراب وظيفي وصعوبة نمائية تتعلق بالطريقة التي يستقبل بها المخ المعلومات وينظمها ويرتبها ويخزنها ويتذكرها ويستعيدها في ترتيب منهجي طبيعي. ويمكن اكتشاف وتشخيص صعوبات التعلم عند الأطفال من عمر 4 سنوات لوجود تقييم ما قبل المدرسة مثل معرفة الأرقام والأشكال والألوان، ولكن التشخيص يكون بشكل أدق مع دخول الطفل المدرسة وتكوين المهارات لديه، والتي يتم اخضاعها للتقييم لاكتشاف حالة الطفل والمشكلة التي يعاني منها. وعادة ما يصاحب صعوبة التعلم ظواهر عديدة مثل تشتت انتباه ونشاط زائد أو عزلة وانطوائية وصعوبة التحصيل العلمي في المدرسة وعدم التكيف مع عملية التعلم والتعليم. والكشف المبكر والتدخل السريع يحد من خطورة تفاقم المشكلة ويساهم في علاجها بنسبة 80 %.
 
شيرين  النويس سفيرة أطفال «صعوبات التعلم».. صاغت من ألمها قصة نجاح
 
ما مدى خطورة اهمال الطفل الذي يعاني من «صعوبة التعلم»؟
تراكم تجارب الفشل المتكررة في حياة الطفل وعدم قدرته على العطاء الأكاديمي مقارنة بزملائه يولد لديه احساس سلبي يؤثر على نفسيته وبالتالي يتصف سلوكه بالعنف والعدوانية مثل ضرب زملائه والهروب من المدرسة. وعدم تشخيص حالة الطفل وتقديم البرنامج العلاجي له قد تخلق منه في المستقبل شخص يعنف زوجته أو غير سوي ممكن أن يرتكب الجرائم أو يدمن على مخدرات، لذلك يجب أن تتضافر وتتكاتف جميع الجهود من الأهل والمدرسة والدولة لمساعدة هذا الطفل ليكون نواة صالحة في البناء والعطاء في المجتمع. 
 
ما أبرز التحديات التي واجهتك مع بداية تأسيسك لمركز «تعليم»؟
عانيتُ كثيراً في الحصول على الترخيص الحكومي لإنشاء هذا المركز والذي افتتح في فبراير عام 2014 بمجهود شخصي على الرغم من كوني أم وموظفة. وأيضا نشر الوعي لدى الأمهات المواطنات حول هذه الفئة «صعوبات التعلم» وتفسير ماهيتها وتبسيط مفهومها بطريقة سهلة غير أكاديمية أو طبية، وذلك بمقابلة الأهل بنفسي وشرح حالة الطفل بعد استلام التقرير من المشخص.
 
ما الذي يميز «تعليم» عن غيره من المراكز في الدولة؟
هو المركز الأول من نوعه في الدولة المختص في تشخيص وعلاج الأطفال ذوي صعوبات التعلم «الإعاقة الأكاديمية» بأنواعها المختلفة، أي أنه لا يعنى بأي من فئات ذوي الاحتياجات الخاصة الأخرى. ويقدم خدماته بثلاث لغات: العربية، الإنجليزية، الفرنسية وذلك في تقييم حالات صعوبات التعلم وإعداد البرنامج العلاجي وتنفيذه على يد مختصين في هذا المجال، كما يقدم تقييم نفسي شامل يحدد نسبة ذكاء الطفل وتقييم مشكلات اللغة والكلام واضطراب فرط الحركة والمشاكل السلوكية التي تظهر لدى الأطفال وتسبب مشاكل لهم في عملية التفاعل.
 
ما مدى نجاح المشاريع المجتمعية التي تنطلق من واقع معاناة وتجربة شخصية؟ 
عادة ما تحمل هذه المشاريع رسالة إنسانية وأهداف مجتمعية وتوعوية نبيلة تخدم الوطن، بعيداً عن الهدف التجاري الربحي، وعندما تكون رسالة صاحب المشروع نابعة من ألم شخصي يكون أقدر على توصيلها واستجابة الناس لها وتفاعلهم معها وخاصة إذا كان من نفس البيئة، فهو أقدر على فهم متطلبات مجتمعه واحتياجاته وكيفية مخاطبته. كما أن هذه المشاريع المجتمعية لتبصر النور وتستمر، تستلزم مجهوداً مضاعفاً وصبراً وإرادة لا تعرف المستحيل لنجاحها، وهي صفات تميز أصحاب المشاريع المجتمعية المستلهة من واقع معاناة شخصية.
 
شيرين  النويس سفيرة أطفال «صعوبات التعلم».. صاغت من ألمها قصة نجاح
 
ما رأيك بالمستوى الذي وصل إليه دمج ذوي صعوبات التعلم في المدارس؟
لا توجد مدارس مؤهلة لدمجهم أو مخصصة لذوي صعوبات التعلم في الدولة. هناك غرفة تحت مسمى غرفة مصادر تستوعب ذوى الاحتياجات الخاصة على اختلاف حالاتهم، ووضع الأطفال ذوي صعوبات التعلم في هذا المجال يؤثر سلباً عليهم لأن طريقة استيعابهم مختلفة، لذلك نرفع في «تعليم» شعار «أنا أتعلم بطريقة مختلفة». طفل صعوبات التعلم طبيعي سليم عقلياً وجسدياً، لا توجد حاجة لفصله عن زملائه، كل ما في الأمر هو حرص الأهل والمدرسة على تطبيق توصيات المختص المعالج والتي عادة ما نقوم في مركز «تعليم» بتسليمها للأهل بعد اخضاع الطفل للتشخيص والبرنامج العلاجي لإيصالها للمدرسة وتطبيقها، مثل إعطائه وقتاً إضافياً في الاختبارات ومساعدته في قراءة أسئلتها، إعلام جميع المدرسين بحالة الطفل وعدم تكليفه بالقراءة بصوت مرتفع للحد من زيادة خبرات الفشل لديه.
 
ما النصيحة التي توجهينها للأم التي يعاني طفلها من صعوبة التعلم؟  
 أود أن أنصح كل أم بشكل عام أن تجري فحصاً للنظر والسمع قبل دخول الطفل المدرسة لأن عدم التنبه لذلك يخلق عند الطفل صعوبة التعلم. وكما تهتم الأم بتغذية طفلها ومعرفة الأطعمة المناسبة لكل مرحلة عمرية، عليها التنبه للمهارات والقدرات التي يكتسبها الطفل وتطورها مع مراحل نموه. ويجب أن تعي الأم أن الطفل الذي يعاني من صعوبة التعلم يتطلب معاملة خاصة مثل تعزيز ثقته بنفسه وزيادة المحفزات وعدم مقارنته بأقرانه وعدم تأنيبه وعقابه، وأن تثقف نفسها وتزيد من اطلاعها في هذا المجال. وتحرص على تضافر الجهود بينها وبين المركز والمدرسة ليتمكن الطالب من اجتياز مرحلة صعوبة التعلم والوصول لمستوى أقرانه.
 
شيرين  النويس سفيرة أطفال «صعوبات التعلم».. صاغت من ألمها قصة نجاح
 
هل لديك الرغبة بافتتاح فروع جديدة لـ«تعليم» في الدولة وخارجها؟
بالتأكيد، وأبحث عن أشخاص مثلي مروا بهذه التجربة فهم الأقدر على إيصال رسالة المركز، حيث أن مديرة مركز تعليم في أبوظبي بريطانية عانت في طفولتها من «الدسلكسيا»، كما سنفتتح في بيروت فرع مع سيدة شخصت حالة ابنتها بالدسلكسيا، وأيضاً في عُمان مع أم لطفلين لديهما صعوبة التعلم. إلى جانب فرع 
في مدينة دبي، حيث تبنت حكومة دبي فكرة مشروعي.
 
بعد مرور عام على افتتاحك لمركز «تعليم» ماذا عن رؤيتك المستقبلية ؟
أتمنى لمشروع مركز «تعليم» الإستدامة من خلال الدعم المعنوي قبل المادي من قبل مؤسسات الدولة، وتبني هذا المشروع وتوسيع نطاقه لنتمكن من استقبال أكبر عدد ممكن من الطلاب ولنشر الوعي المجتمعي وتفعيل دور الشراكة المجتمعية للمؤسسات والأفراد، لتحمّل جزء من المسؤولية تجاه ذوي صعوبات التعلم، وتحقيق رؤية مجلس أبوظبي للتعليم، وإعلاء اسم الإمارات عالياً وجعلها من الرواد في هذا المجال على مستوى العالم العربي. كما نعمل على تأسيس مركز للدراسات والبحوث بالتعاون مع جامعة فلندية، ونأمل بأن نساهم في انشاء حضانة ومدرسة لأطفال صعوبات التعلم في الدولة. 
 
كلمة شكر لمن توجهينها؟
لابني محمد، فلولا التحديات التي خضناها سوياً لما وصلت إلى ما أنا عليه الآن، تعلمت منه الصبر والإصرار ومنحني الفرصة لمساعدة أطفال «صعوبات التعلم»، وأن أكون صوتاً يعبر عنهم لتوعية المجتمع بقضيتهم. أجمل احساس ممكن أن يشعر به الإنسان عندما يكون قادراً على العطاء ومساعدة الآخرين لا أقصد المساعدة المادية، ولكن المساهمة في بناء الإنسان وتغيير مجرى حياته من خيبات الأمل وتجارب الفشل إلى قصص نجاح وتميز. فعندما أرى هذه المعاني في عيون الأطفال أشعر بالرضا وبأنني ملكت كنزاً.