كيف غير المشاهير مفهوم الجمال من خلال السوشيال ميديا؟

  • تاريخ النشر: منذ يومين
كيف غير المشاهير مفهوم الجمال من خلال السوشيال ميديا؟

في السنوات الأخيرة، أصبح تأثير المشاهير على مفاهيم الجمال واضحًا وملموسًا، خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي منحتهم منصات هائلة لعرض صورهم المثالية. النجمات العربيات والعالميات بدأن في مشاركة إطلالات مبهرة لا تشوبها شائبة، ببشرة مصقولة، وعيون واسعة، وشفاه ممتلئة، وأنوف نحيلة.

هذه الصور انتشرت بسرعة البرق، وغالبًا ما تكون معدّلة رقمياً أو مفلترة بشكل كبير، ما جعل جمهورهم، خصوصًا الفتيات الصغيرات، يقارنون أنفسهم بهذه الصور غير الواقعية. وهنا بدأت رحلة التحوّل في مفهوم الجمال: من الجمال الطبيعي المتنوع إلى جمال رقمي مكرر وموحّد.

ظهور الوجه المثالي على إنستغرام

في عالم المشاهير الرقمي، أصبح هناك ما يُعرف بـ "الوجه المثالي على إنستغرام"، وهو شكل وجه محدد الملامح يظهر في معظم الصور: بشرة خالية من المسام، خدود بارزة، شفاه ممتلئة، أنف رفيع، وعيون تميل قليلًا إلى الأعلى.

هذا الشكل، الذي غالبًا ما يكون نتيجة لفلاتر أو تعديلات رقمية، بات معيارًا يُقاس عليه الجمال، ليس فقط بين المتابعين بل حتى بين المشاهير أنفسهم. وقد اعترف بعض أطباء التجميل أن هناك موجة متزايدة من النساء، وحتى المراهقات، يطلبن عمليات تجميل لجعل ملامحهن تشبه الصورة المعدّلة التي يرونها في صورهن أو صور النجمات على إنستاجرام.

الفلاتر: متعة بصرية أم ضغط نفسي؟

عندما ظهرت الفلاتر لأول مرة على سناب شات وإنستاجرام، اعتُبرت نوعًا من الترفيه واللعب الخفيف، لكنها تطوّرت بسرعة لتصبح أدوات قوية تغيّر شكل الوجه بالكامل.

يمكن بضغطة زر الحصول على بشرة مثالية، شد للعين، تكبير للشفاه، وتصغير للأنف. هذه التعديلات صارت معتادة لدرجة أن بعض المستخدمين لا يستطيعون تخيّل شكلهم الطبيعي من دونها. بل إن البعض تفاجأ بوجهه الحقيقي عند إيقاف الفلتر، ليشعر بعدم الرضى والانزعاج من ملامحه الأصلية.

تأثير نفسي عميق ومدروس

أثبتت الدراسات أن الاستخدام المتكرر للفلاتر يؤدي إلى انخفاض احترام الذات، خاصة بين المراهقين. واحدة من الدراسات البريطانية كشفت أن أكثر من 40٪ من الشباب بين 16 و25 عامًا يستخدمون الفلاتر بشكل دائم ويشعرون بعدم الراحة تجاه شكلهم الحقيقي.

الأكثر من ذلك هو ظاهرة جديدة تُعرف باسم اضطراب التشوّه المرتبط بسناب شات، حيث يسعى بعض المستخدمين لإجراء عمليات تجميل لتقليد شكلهم بعد التعديل الرقمي. المشكلة لا تقتصر على التجميل فقط، بل تمتد إلى اضطرابات الأكل والقلق والتوتر المرتبط بمقارنة الذات المستمرة بصور مثالية غير واقعية.

المشاهير بين الواقع والتعديل

شهد العالم الرقمي عدة حالات فضح فيها المتابعون التناقض بين صور النجمات المعدلة وصورهن الحقيقية التي تلتقطها عدسات المصورين في المناسبات الرسمية. تظهر النجمات على إنستغرام ببشرة ناعمة وإضاءة مثالية، بينما توضح الصور الأصلية تفاصيل البشرة الحقيقية من خطوط دقيقة، مسام وتفاوت لون الجلد.

بعض المقارنات البصرية بين الصور المفبركة والصور الواقعية أصبحت تنتشر على نطاق واسع، وغالبًا ما تُحدث صدمة عند المتابعين الذين يكتشفون أن ما ظنوه كمالًا طبيعيًا ما هو إلا نتاج تقنيات رقمية.

فيديوهات الصدق تكشف الحقيقة

مؤخرًا، ظهرت موجة إيجابية من بعض صناع المحتوى على تيك توك وإنستاجرام، حيث بدأوا بمشاركة مقاطع تظهر وجوههم بالفلاتر ثم من دونها، بكل عيوب البشرة أو علامات التعب. إحدى صانعات المحتوى الشابات نشرت فيديو يظهر وجهها باستخدام فلتر يُظهرها بمظهر مثالي، ثم أزالته ليظهر وجهها الحقيقي المصاب بالحساسية والاحمرار.

لاقى الفيديو تفاعلًا كبيرًا وملايين المشاهدات، وعلق كثيرون بأنهم شعروا بالارتياح لرؤية الواقع، متمنين لو لم تكن الفلاتر موجودة أصلاً لما تسببه من أثر نفسي سلبي.

تجميل رقمي يتحول إلى عمليات جراحية

تأثير الفلاتر لم يتوقف عند الصور فقط، بل بدأ يغيّر توجهات الناس تجاه أجسادهم ووجوههم. أطباء التجميل أشاروا إلى ازدياد ملحوظ في طلبات عمليات مثل الفيلر والبوتوكس ورفع الحواجب وشد الوجه، لا لتقليد نجمات شهيرات بعينهن، بل لتقليد الصورة المعدّلة التي يرونها لأنفسهم على إنستغرام.

في عام 2021، ذكرت إحدى الجمعيات الطبية أن أكثر من 70٪ من أطباء التجميل تلقوا طلبات لتغييرات مستوحاة من شكل الوجه الرقمي المتداول في المنصات، ما يعكس مدى تغلغل هذه الصورة في وعي الناس.

التأثير الثقافي على مفاهيم الجمال

ما بدأ كأداة ترفيهية بسيطة تحول إلى عامل ضغط يومي على فئات واسعة، خصوصًا الفتيات في سن المراهقة. أصبح الجمال الحقيقي يُقاس بمدى تشابه الشخص مع الشكل الرقمي المتكرر، مما أدى إلى طمس الهويات البصرية الفردية.

بعض الفتيات بدأن في شراء مستحضرات تجميل بعشرات الدولارات لمحاكاة تأثير فلتر معين، بينما لجأ البعض الآخر إلى الحميات القاسية أو حتى الإجراءات الطبية لتحسين صورهم الواقعية بما يتناسب مع ما يظهر على الشاشات.

خطوات نحو الواقعية وتقبل الذات

في مقابل هذا الضغط الكبير، بدأت تظهر حركات مضادة تسعى لترويج الجمال الطبيعي، مثل حملات التوعية ضد الفلاتر، وتشجيع النساء على مشاركة صورهن دون تعديل. بعض المنصات بدأت بإضافة تنبيهات تشير إلى استخدام فلاتر على الصور، في محاولة لتقليل الخداع البصري. كما ظهرت حملات مثل فلتر ديتوكس التي تشجع على التخلص من الفلاتر ولو ليوم واحد في الأسبوع، لتذكير الناس بجمالهم الحقيقي.

إلى جانب ذلك، بدأنا نشهد تحولًا تدريجيًا في نظرة المتابعين، حيث أصبح هناك تقدير أكبر للواقعية. كثير من المستخدمين باتوا يفضلون متابعة حسابات تظهر الوجوه كما هي، دون تلميع مفرط. بعضهم وجد في هذه الحسابات ملاذًا نفسيًا بعد سنوات من الضغط الذي سببته الصور المثالية. أيضًا، هناك دعوات لإدخال التوعية الرقمية ضمن المناهج التعليمية، حتى يتعلم الجيل الجديد التفريق بين الجمال الحقيقي والزائف، وحماية أنفسهم من الوقوع في فخ المقارنات المدمرة.

مستقبل الجمال بين الواقع والوهم

مع مرور الوقت، يبدو أن هناك وعيًا يتشكّل تجاه خطورة الصورة الرقمية المثالية. الناس باتوا يدركون أن الجمال الحقيقي لا يحتاج إلى فلتر، وأن الكمال الظاهر في الصور ليس سوى نتاج زوايا تصوير وإضاءة وبرامج تعديل. الجمال في جوهره يتعلّق بالصحة، والثقة، والراحة النفسية، لا بالمثالية المصطنعة.

ربما نعيش الآن مرحلة انتقالية بين مرحلتين: مرحلة سيطرت فيها الفلاتر ومعايير الجمال الرقمية على كل شيء، ومرحلة جديدة بدأت ملامحها تتشكل، ترتكز على تقبل الذات والبحث عن الأصالة. في هذه المرحلة، لن يكون الجمال رقميًا بقدر ما سيكون إنسانيًا، يشبهنا، ويحترم اختلافاتنا، ويمنحنا الشعور بالرضا دون الحاجة إلى لمس الشاشة.

ليالينا الآن على واتس آب! تابعونا لآخر الأخبار