قصائد أبو تمام

  • تاريخ النشر: الأحد، 04 ديسمبر 2022
قصائد أبو تمام

أَبو تَمّام (188 - 231 هـ ) هو حبيب بن أوس بن الحارث الطائي - أحد أمراء البيان - ولد بمدينة بحوران ورحل إلى مصر واستقدمه المعتصم إلى بغداد، فأجازه وقدمه على شعراء وقته فأقام في العراق ثم ولي بريد الموصل وبعد عامين توفي بها.

كان أسمراً، طويلاً، فصيحاً، يحفظ أربعة عشر ألف أرجوزة من أراجيز العرب غير القصائد، في شعره قوة وجزالة، واختلف في التفضيل بينه وبين المتنبي والبحتري، ويعد أبو تمام من أوائل الشعراء الذين ساروا في ركاب التجديد في العصر العباسي، من خلال أخذه بمعطيات الحضارة القديمة، مع المحافظة على الأطر الجديدة للشعر، له العديد من التصانيف منها: فحول الشعراء، وديوان الحماسة، ومختار أشعار القبائل، ونقائض جرير والأخطل وديوان شعره. [1]

قصيدة كُشِفَ الغِطاءُ فَأَوقِدي أَو أَخمِدي

كُشِفَ الغِطاءُ فَأَوقِدي أَو أَخمِدي
لَم تَكمَدي فَظَنَنتِ أَن لَم يَكمَدِ
يَكفيكَهُ شَوقٌ يُطيلُ ظَماءَهُ
فَإِذا سَقاهُ سَقاهُ سَمَّ الأَسوَدِ
عَذَلَت غُروبُ دُموعِهِ عُذّالَهُ
بِسَواكِبٍ فَنَّدنَ كُلَّ مُفَنِّدِ
أَتَتِ النَوى دونَ الهَوى فَأَتى الأَسى
دونَ الأُسى بِحَرارَةٍ لَم تَبرُدِ
جارى إِلَيهِ البَينُ وَصلَ خَريدَةٍ
ماشَت إِلَيهِ المَطلَ مَشيَ الأَكبَدِ
عَبِثَ الفِراقُ بِدَمعِهِ وَبِقَلبِهِ
عَبَثاً يَروحُ الجِدُّ فيهِ وَيَغتَدي
يا يَومَ شَرَّدَ يَومَ لَهوي لَهوُهُ
بِصَبابَتي وَأَذَلَّ عِزَّ تَجَلُّدي
ما كانَ أَحسَنَ لَو غَبَرتَ فَلَم نَقُل
ما كانَ أَقبَحَ يَومَ بُرقَةِ مُنشِدِ
يَومٌ أَفاضَ جَوىً أَغاضَ تَعَزِّياً
خاضَ الهَوى بَحرَي حِجاهُ المُزبِدِ
عَطَفوا الخُدورَ عَلى البُدورِ وَوَكَّلوا
ظُلَمَ السُتورِ بِحورِ عينٍ نُهَّدِ
وَثَنَوا عَلى وَشيِ الخُدودِ صِيانَةً
وَشيَ البُرودِ بِمُسجَفٍ وَمُمَهَّدِ
أَهلاً وَسَهلاً بِالإِمامِ وَمَرحَباً
سَهُلَت حُزونَةُ كُلِّ أَمرٍ قَردَدِ
غَلَّ المَرَوراةَ الصَحاصِحَ عَزمُهُ
بِالعيسِ إِن قَصَدَت وَإِن لَم تَقصِدِ
مُتَجَرِّدٌ ثَبتُ المَواطِىءِ حَزمُهُ
مُتَجَرِّدٌ لِلحادِثِ المُتَجَرِّدِ
فَاِنتاشَ مِصرَ مِنَ اللُتَيّا وَالَّتي
بِتَجاوُزٍ وَتَعَطُّفٍ وَتَغَمُّدِ
في دَولَةٍ لَحَظَ الزَمانُ شُعاعَها
فَاِرتَدَّ مُنقَلِباً بِعَينَي أَرمَدِ
مَن كانَ مَولِدُهُ تَقَدَّمَ قَبلَها
أَو بَعدَها فَكَأَنَّهُ لَم يولَدِ
اللَهُ يَشهَدُ أَنَّ هَديَكَ لِلرِضا
فينا وَيَلعَنُ كُلَّ مَن لَم يَشهَدِ
أَوَلِيَّ أُمَّةِ أَحمَدٍ ما أَحمَدٌ
بِمُضيعِ ما أَولَيتَ أُمَّةَ أَحمَدِ
أَمّا الهُدى فَقَدِ اِقتَدَحتَ بِزَندِهِ
في العالَمينَ فَوَيلُ مَن لَم يَهتَدِ
نَحنُ الفِداءُ مِنَ الرَدى لِخَليفَةٍ
بِرِضاهُ مِن سُخطِ اللَيالي نَفتَدي
مَلِكٌ إِذا ما ذيقَ مُرُّ المُبتَلي
عِندَ الكَريهَةِ عَذبُ ماءِ المَحتِدِ
هَدَمَت مَساعيهِ المَساعي وَاِبتَنَت
خِطَطَ المَكارِمِ في عِراضِ الفَرقَدِ
سَبَقَت خُطا الأَيّامُ عُمرَيّاتُها
وَمَضَت فَصارَت مُسنَداً لِلمُسنَدِ
مازالَ يَمتَحِنُ العُلى وَيَروضُها
حَتّى اِتَّقَتهُ بِكيمِياءِ السُؤدُدِ
وَكَأَنَّما ظَفِرَت يَداهُ بِالمُنى
أَسراً إِذا طَفِرَت يَداهُ بِمُجتَدي
سَخِطَت لَهاهُ عَلى جَداهُ سَخطَةً
فَاِستَرفَدَت أَقصى رِضا المُستَرفِدِ
صَدَمَت مَواهِبُهُ النَوائِبَ صَدمَةً
شَغَبَت عَلى شَغَبِ الزَمانِ الأَنكَدِ
وَطِئَت حُزونَ الأَرضِ حَتّى خِلتَها
فَجَرَت عُيوناً في مُتونِ الجَلمَدِ
وَأَرى الأُمورَ المُشكِلاتِ تَمَزَّقَت
ظُلُماتُها عَن رَأيِكَ المُتَوَقِّدِ
عَن مِثلِ نَصلِ السَيفِ إِلّا أَنَّهُ
مُذ سُلَّ أَوَّلَ سَلَّةٍ لَم يُغمَدِ
فَبَسَطتَ أَزهَرَها بِوَجهٍ أَزهَرٍ
وَقَبَضتَ أَربَدَها بِوَجهٍ أَربَدِ
مازِلتَ تَرغَبُ في العُلى حَتّى بَدَت
لِلراغِبينَ زَهادَةٌ في العَسجَدِ
لَو يَعلَمُ العافونَ كَم لَكَ في النَدى
مِن لَذَّةٍ وَقَريحَةٍ لَم تُحمَدِ
وَكَأَنَّما نافَستَ قَدرَكَ حَظَّهُ
وَحَسَدتَ نَفسَكَ حينَ أَن لَم تُحسَدِ
فَإِذا بَنَيتَ بِجودِ يَومِكَ مَفخَراً
عَصَفَت بِهِ أَرواحُ جودِكَ في غَدِ
وَبَلَغتَ مَجهودَ الخَلائِقِ آخِذاً
فيها بِشَأوِ خَلائِقٍ لَم تُجهَدِ
فَلَوَيتَ بِالمَوعودِ أَعناقَ الوَرى
وَحَطَمتَ بِالإِنجازِ ظَهرَ المَوعِدِ
خابَ اِمرُؤٌ نَحِسَ الزَمانُ بِسَعيِهِ
فَأَقامَ عَنكَ وَأَنتَ سَعدُ الأَسعَدِ
ذاكَ الَّذي قَرِحَت بُطونُ جُفونِهِ
مَرَهاً وَتُربَةُ أَرضِهِ مِن إِثمِدِ
هَذا أَمينَ اللَهِ آخِرُ مَصدَرٍ
شَجِيَ الظَماءُ بِهِ وَأَوَّلُ مَورِدِ
وَوَسيلَتي فيها إِلَيكَ طَريفَةٌ
شامٍ يَدينُ بِحُبِّ آلِ مُحَمَّدِ
نيطَت قَلائِدُ عَزمِهِ بِمُحَبِّرٍ
مُتَكَوِّفٍ مُتَدَمشِقٍ مُتَبَغدِدِ
حَتّى لَقَد ظَنَّ الغُواةُ وَباطِلٌ
أَن قَد تَجَسّمَ فِيَّ روحُ السَيِّدِ
وَمُزَحزَحاتي عَن ذَراكِ عَوائِقٌ
أَصحَرنَ بي لِلعَنقَفيرِ المُؤيِدِ
وَمَتى يُخَيِّم في اللِقاءِ عَناؤُها
فَعَناؤُها يَطوي المَراحِلَ في اليَدِ [2]

قصيدة هُوَ الدَهرُ لا يُشوي وَهُنَّ المَصائِبُ

هُوَ الدَهرُ لا يُشوي وَهُنَّ المَصائِبُ

وَأَكثَرُ آمالِ الرِجالِ كَواذِبُ

فَيا غالِباً لا غالِبٌ لِرَزِيَّةٍ

بَلِ المَوتُ لاشَكَّ الَّذي هُوَ غالِبُ

وَقُلتُ أَخي قالوا أَخٌ ذو قَرابَةٍ

فَقُلتُ وَلَكِنَّ الشُكولَ أَقارِبُ

نَسيبِيَ في عَزمٍ وَرَأيٍ وَمَذهَبٍ

وَإِن باعَدَتنا في الأُصولِ المَناسِبُ

كَأَن لَم يَقُل يَوماً كَأَنَّ فَتَنثَني

إِلى قَولِهِ الأَسماعُ وَهيَ رَواغِبُ

وَلَم يَصدَعِ النادي بِلَفظَةِ فَيصَلٍ

سِنانِيَّةٍ في صَفحَتَيها التَجارِبُ

وَلَم أَتَسَقَّط رَيبَ دَهري بِرَأيِهِ

فَلَم يَجتَمِع لي رَأيُهُ وَالنَوائِبُ

مَضى صاحِبي وَاِستَخلَفَ البَثَّ وَالأَسى

عَلَيَّ فَلي مِن ذا وَهاذاكَ صاحِبُ

عَجِبتُ لِصَبري بَعدَهُ وَهوَ مَيِّتٌ

وَكُنتُ اِمرِءاً أَبكي دَماً وَهوَ غائِبُ

عَلى أَنَّها الأَيّامُ قَد صِرنَ كُلَّها

عَجائِبَ حَتّى لَيسَ فيها عَجائِبُ [3]

قصيدة ثم انقضت تلك السنون وأهلها

وَلَقَد أَراكِ فَهَل أَراكِ بِغِبطَةٍ
وَالعَيشُ غَضٌّ وَالزَمانُ غُلامُ
أَعوامُ وَصلٍ كانَ يُنسي طولَها
ذِكرُ النَوى فَكَأَنَّها أَيّامُ
ثُمَّ اِنبَرَت أَيّامُ هَجرٍ أَردَفَت
بِجَوىً أَسىً فَكَأَنَّها أَعوامُ
ثُمَّ اِنقَضَت تِلكَ السُنونُ وَأَهلُها
فَكَأَنَّها وَكَأَنَّهُم أَحلامُ
أَتَصَعصَعَت عَبَراتُ عَينِكَ أَن دَعَت
وَرقاءُ حينَ تَصَعصَعَ الإِظلامُ
لا تَنشِجَنَّ لَها فَإِنَّ بُكاءَها
ضَحِكٌ وَإِنَّ بُكاءَكَ اِستِغرامُ [4]

قصيدة أَغنَيتَ عَنّي غَناءَ الماءِ في الشَرقِ

أَغنَيتَ عَنّي غَناءَ الماءِ في الشَرقِ
وَكُنتَ مُنشِئَ وَبلِ العارِضِ الغَدِقِ
جَدَّدتَ لي أَمَلاً كانَت رَواتِعُهُ
عَواكِفاً قَبلَها في مَطلَبٍ خَلِقِ
لَو كانَ خيمُ أَبي يَعقوبَ في حَجَرٍ
صَلدٍ لَفاضَ بِماءٍ مِنهُ مُنبَعِقِ
ما مِن جَميلٍ مِنَ الدُنيا وَلا حَسَنٍ
إِلّا وَأَكثَرُهُ في ذَلِكَ الخُلُقِ
يا مِنَّةً لَكَ لَولا ما أُخَفِّفُها
بِهِ مِنَ الشُكرِ لَم تُحمَل وَلَم تُطَقِ
بِاللَهِ أَدفَعُ عَنّي حَقَّ فادِحِها
فَإِنَّني خائِفٌ مِنها عَلى عُنُقي [5]

ليالينا الآن على واتس آب! تابعونا لآخر الأخبار