مصر الرومانية والبيزنطية وبداية الفتح الإسلامي

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الإثنين، 25 نوفمبر 2019
مصر الرومانية والبيزنطية وبداية الفتح الإسلامي

انتهى عهد مصر الفرعونية مع فتوح الإسكندر الكبير ووصوله إلى مصر سنة 331 قبل الميلاد، حيث طرد الفرس وأنهى عصر مصر القديمة التي كانت من أهم الإمبراطوريات في الشرق القديم والعالم، وبدأ بعده صراعٌ لا ينتهي على سيادة مصر.

فتوالى على مصر حكام عدة من عهد البطالمة خلفاء الإسكندر، ثم الرومان بعد انتصار أوكتافيوس على مارك أنتوني وحبيبته كليوبترا، إلى أن تمكن الفرس الساسانيون من انتزاع السلطة من البيزنطيين لفترة بسيطة قبل أن يسترجع البيزنطيون ما فقدوه من إمبراطوريتهم.

وصولاً إلى الفتح الإسلامي الذي يعتبر من أبرز الأحداث في تاريخ مصر، فما زالت مصر تحافظ على هويتها الإسلامية حتَّى يومنا هذا شأنها بذلك شأن معظم الدول العربية.

حكمت الإمبراطورية الرومانية الشرق سبعة قرون من الزمن

قبل أن نصل إلى الحديث عن حكم الرومان لمصر وأهم خصائص هذه الفترة لا بد لنا أن نقف سريعاً مع الرومان أنفسهم، فقد بدأ نجم روما يسطع بالتوازي مع نهوض الحضارة الإغريقية وتوسعها في الشرق.

ومن الواضح بالنسبة للباحثين أنَّ روما استندت إلى الحضارية الإغريقية في بدايتها قبل أن تحل محلها وتسيطر على أملاكها، فمن بين هذه التأثيرات أسطورة تأسيس روما التي اعتبرت مؤسسي روما من أصول إغريقية، يمكنكم الاطلاع على قصة تأسيس روما الكاملة من (هنا).

فعلياً بدأ عهد روما في الشرق بعد سيطرة أوكتافيوس على الحكم -المعروف أيضاً بأغسطس- حيث يعتبر عهده نقطة انطلاقٍ لعصر الإمبراطورية الرومانية، ومن أشهر أباطرة الرومان الذين تلوه قبل الانقسام كان نيرون الذي يقال أنَّه أحرق روما، وتراجان الذي بلغت روما في عهده قمة توسعها.

ما الفرق بين الرومان والبيزنطيين؟

وصل قُسطنطين الأكبر إلى عرش روما مطلع القرن الرابع الميلادي، وغيَّر وصوله إلى الحكم وجه الإمبراطورية الرومانية بشكل جذري، فكان من أبرز أعماله أنَّه اعترف بالديانة المسيحية وسمح بحرية العبادة لمعتنقيها.

وهناك جدل كبير إن كان هو نفسه اعتنق المسيحية أم لا، كما قام بنقل العاصمة من روما إلى بيزنطة على شاطئ البوسفور والتي عرفت بالقسطنطينية نسبة إليه.

بعد وفاة قسطنطين تقاسم أولاده الثلاثة الإمبراطورية، وبقيت تتوسع وتضيق حتَّى انتهت إلى قسمين رئيسيين:

  1. الدولة الغربية وعاصمتها روما.
  2. الدولة الشرقية عاصمتها بيزنطة أو القسطنطينية، وهي الدولة التي استمرت بحكم المستعمرات الرومانية الشرقية، والتي يسميها المؤرخون الدولة البيزنطية.

وهناك بعض المؤرخين يعتقدون أن انقسام الامبراطورية يعود إلى ما قبل عهد قسطنطين الأول، لكن الأغلب يؤيد أن عهد قسطنطين وخلفائه ابتداءً من سنة 323 ميلادية هو النقطة الفاصلة بين الإمبراطورية الموحدة وبين انفصالها إلى دولتين شرقية وغربية.

فيما يلجأ المؤرخون إلى دراسة هذه الفترة من تاريخ مصر كفترة متصلة ابتداءً من سنة 30 قبل الميلاد وحتَّى العقود الأولى من القرن السابع الميلادي، من منطلق أن انفصال الإمبراطورية الرومانية إلى دولتين لم يؤثر على الولايات التابعة لها ومنها مصر.

خطط الرومان للاستيلاء على مصر لأكثر من 170 سنة

فعلياً بدأ الرومان يفكرون جدياً بالسيطرة على مصر بعد احتلالهم قرطاج حوالي سنة 202 قبل الميلاد، لكن البطالمة كانوا ما يزالون قادرين على حماية أنفسهم من الرومان، كان ذلك حتَّى وصول يوليوس قيصر إلى كليوباترا السابعة آخر حكام البطالسة في مصر.

وقف يوليوس قيصر مع حبيبته كليوباترا السابعة بمواجهة أخيها بطليموس الثالث عشر فقتله هو وأتباعه، وكان المشروع بين ملكة البطالسة وقيصر الرومان أن يكون ابنهما قيصرون حاكماً للإمبراطورية في المستقبل، لكن اغتيال يوليوس قيصر أنهى هذه الأحلام.

لم تكن كليوباترا لتيأس؛ فاتجهت إلى القائد الروماني مارك أنتوني المعروف أيضاً بأنطونيو أو أنطونيوس، وتزوجته وخاضت معه حرباً ضد أكوتافيوس (أغسطس) للسيطرة على عرش روما.

لكن معركة أكتيوم قضت على طموح كليوباترا للمرة الثانية والأخيرة، فانتحرت عندما بلغها خبر هزيمة مارك أنتوني وانتحاره، ليؤول حكم مصر إلى أوكتافيوس سنة 30 قبل الميلاد.

بدأ أوكتافيوس بتوطيد حكمه في مصر من خلال إزالة كل العقبات من طريقه، فقتل ابن أنطونيوس وكذلك قيصرون ابن كليوباترا ويوليوس قيصر، كما جعل مصر من الولايات الخاضعة له مباشرة، بل ومنع زيارة الفرسان الرومان أو السناتو إلى مصر إلَّا بإذن شخصي منه.

فقدت مصر استقلالها السياسي والعسكري خلال فترة حكم الرومان

يشير عمر الإسكندر و أ.ج. سفدج مؤلفا كتاب (تاريخ مصر إلى الفتح العثماني) إلى أن فترة حكم الرومان لمصر كانت خالية من أي نشاط سياسي، حيث فقدت البلاد استقلالها السياسي والتاريخي وحتَّى استقلالها العمراني طيلة فترة حكم الرومان والبيزنطيين التي امتدت حوالي 670 عام.

ويمكن أن نختصر هذه الفترة من خلال استعراض الخصائص التالية لحكم الرومان في مصر:

  • اعتمد الرومان على النظام الإداري الذي اتبعه البطالمة تقريباً، حيث قام أغسطس بتعيين حاكم لمصر مقره الإسكندرية، وتم تقسيم البلاد إلى مديريات لكل منها مدير مسؤول أمام الوالي، كما كان للوالي مساعدان في البداية ثم ثلاثة يستعين بهم لإدارة أقسام مصر الرئيسية؛ العليا والدنيا والوسطى.
  • تميز عهد الرومان بازدياد الحوادث العنيفة على خلفية دينية، فقد شهدت مصر العديد من الفتن الدينية بين اليهود والإغريق، وبين المسيحيين والوثنيين، وكان الرومان يخمدون هذه الفتن بقسوة في أغلب الأحيان.
  • في القرن الثالث الميلادي فقد الرومان السيطرة على مصر عندما تمكنت ملكة تدمر زنوبيا من السيطرة على مصر والشام عام 268 ميلادي، لكن هذه السيطرة لم تستمر أكثر من عامين حيث تمكن أورليان من إجبار التدمريين على التراجع حتَّى تدمر نفسها، وانتهت هذه الصفحة من تاريخ المنطقة بموت زنوبيا المختلف عليه.
  • في عهد دقلديانوس الذي وصل إلى حكم روما سنة 284 ميلادية بدأت بعض الإصلاحات في مصر، وقد أقام أهالي الإسكندرية عامود الصواري كنوع من العرفان له على ما خصصه لهم من معونات، لكن دقلديانوس انقلب على المسيحيين في أواخر أيامه وبدأ حملة اضطهاد عنيفة ضدهم، فسمي عصره بعصر الشهداء لكثر ما قتل من المسيحيين.
  • استمر اضطهاد المسيحيين في مصر على يد الرومان حتَّى وصول قسطنطين إلى حكم روما بعد نزاعات استمرت منذ مطلع القرن الرابع الميلادي وحتَّى عام 323، وكان قد أعلن اعترافه بالديانة المسيحية ومنح المسيحيين حرية العبادة من خلال مرسوم ميلانو سنة 313 ميلادية، ثم حلت المسيحية مكان الوثنية لتكون الدين المهيمن في الإمبراطورية الرومانية.
  • في عهد قسطنطين أيضاً بدأت الفتنة بين الطوائف المسيحية بعد أن انتهى عصر الاضطهاد الديني، واستمرت هذه الفتن فترة طويلة فيما بعد، كما تعود الرهبنة المسيحية إلى هذه المرحلة.

تعتبر فترة الإمبراطورية البيزنطية فترة تحول ديني وحضاري في مصر

كانت المستعمرات الرومانية الشرقية من حصة الإمبراطورية الشرقية بطبيعة الحال، وأصبحت بيزنطة هي مقر السلطة المركزية لهذه الدولة ولذلك يعرف بالعهد البيزنطي، حيث كانت الديانة المسيحية هي الديانة الغالبة والرئيسية في الإمبراطورية البيزنطية.

عموماً ما يهمنا في هذه المرحلة هو وضع مصر في ظل الدولة الرومانية الشرقية أو البيزنطية، ويمكن القول أن الحال لم يختلف كثيراً عمَّا كان عليه أيام الأباطرة الرومان الأوائل.

بل أن الفقر والبؤس يعتبر السمة العامة لهذه المرحلة، وأصبحت مصر بالنسبة للبيزنطيين مزرعة للقمح الذي يكاد يكون المنتج المصري الوحيد في تلك الأيام كما يرى عمر الإسكندراني في المرجع المذكور سابقاً.

ويمكن أن نختصر هذه الفترة من خلال الخصائص التالية لحكم البيزنطيين في مصر:

  • المتفق عليه غالباً أن المرحلة البيزنطية بدأت بعد موت قسطنطين عام 337 ميلادي.
  • أبرز سمات هذه المرحلة في مصر وفي الشرق عموماً صعود نجم الديانة المسيحية وازدياد سلطة الكنيسة بعد انتشار المسيحية بشكل كبير بين السكان.
  • ومن الحوادث المهمة في طور انتشار المسيحية أن الإمبراطور ثيودوسيوس (379-395 ميلادي) أصدر أمراً بنشر المسيحية قسراً وإجبار الناس على اعتناقها.
  • أصبحت مدينة الإسكندرية تمثل القيادة المسيحية في الشرق، وخاضت صراعات طولية مع كنائس سوريا حول أمور دينية وعقائدية، كما بدأ العداء يتسع بين الكنيسة البيزنطية والكنيسة المصرية، وكانت الخلافات بين المصريين والإمبراطورية خلافات دينية وسياسية.
  • هذه الخلافات التي كثيراً ما تطورت لأحداث عنيفة وانقسامات عميقة لعبت دوراً كبيراً في إضعاف الإمبراطورية البيزنطية، وبالتالي أصبحت فريسة سهلة للفرس الساسانيين الذين كانوا يطمحون لإقامة إمبراطورية جديدة على أنقاض الإمبراطورية الرومانية الشرقية.

نهاية حكم الرومان البيزنطيين والفتح الإسلامي لمصر

يعتبر عهد الإمبراطور هرقل (من عام 610 وحتَّى 641 ميلادي) عهد احتضار بيزنطة، حيث تمكن الفرس الساسانيون من ابتلاع معظم ممتلكات الإمبراطورية الرومانية الشرقية من الشام وحتَّى مصر مروراً بفلسطين، وكان ذلك في السنة الخامسة من حكم هرقل.

لكن هرقل تمكن بعد عشر سنوات من استعادة مصر من خلال انتصاره بمعركة نينوى سنة 627 ميلادية، وتوقيعه معاهدة مع الفرس تضمنت استعادة مصر وضمها مجدداً إلى النفوذ البيزنطي.

لكن الإمبراطورية البيزنطية كانت قد تهالكت فعلياً، وقد أنهكتها حربها مع الفرس وانقساماتها الداخلية، ما أذن لجيوش المسلمين أن تقضي على نفوذ البيزنطيين، فوصل عمرو بن العاص على رأس جيش المسلمين إلى مصر عام 649 ميلادي ليبدأ فصل جديد من تاريخ مصر.

ختاماً... مع وصول المسلمين إلى مصر انتهى عهد الإمبراطوريات القديمة في الشرق، وبدأ عهد الدولة الإسلامية التي عرفت بدورها الكثير من الصراعات والحروب الداخلية، وكان لمصر من هذه الحروب نصيب، فكانت مطمعاً للولاة ومقراً لتأسيس دول جديدة وانهيار أخرى حتَّى العصر الحديث.

ليالينا الآن على واتس آب! تابعونا لآخر الأخبار