مصر في العصر الإسلامي وصولا لعهد العثمانيين

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الإثنين، 25 نوفمبر 2019
مصر في العصر الإسلامي وصولا لعهد العثمانيين

أحدثت فترة الدولة الرومانية ثم البيزنطية تغيراً جذرياً في تركيبة المجتمع المصري وثقافته، كما عايش المصريون أحداثاً دامية من الاضطهاد الديني خاصة في عصر دقلديانوس نهاية القرن الثالث الميلادي.

وعلى الرغم من اعتراف الإمبراطورية الرومانية بالمسيحية إلَّا أن الفتن لم تنتهِ طيلة فترة حكم الرومان والبيزنطيين.

تزامن ظهور الدعوة الإسلامية في شبه الجزيرة العربية مع نزاع الفرس والبيزنطيين على الشرق، هذا ما يعتبر أحد عوامل توسع الدولة الإسلامية.

خاصَّةً وأنَّ النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد بشر المسلمين بانتصارهم على الفرس والروم، وبعد وفاة النبي بدأ جيش المسلمين فتوحاته لبلاد فارس وللبلاد الواقعة تحت سيطرة البيزنطيين ومنها وادي النيل.

ثم أصبحت مصر تنتقل من حكم إسلامي إلى آخر بالحرب أو بالسلم، فمرت بها دول عديدة تكاد تكون ذاتها التي مرت ببلاد الشام، حيث بدأ الحكم الأموي بعد انتهاء عهد الخلفاء الراشدين.

ثم بدأ العهد العباسي، وخلال الحقبة العباسية تفتّت الدولة الإسلامية وعرفت دولاً عديدةً داخل الدولة الكبيرة، فكان في مصر الطولونيون والإخشيديون، ثم الخلافة الفاطمية التي قضى عليها الأيوبيون، إلى أن وصل الأمر للماليك آخر حكام مصر قبل الفتوحات العثمانية.

فتح المسلمين لبلاد فارس

امتدت حروب المسلمين والفرس بين سنة 12 هجرية وسنة 21 هجرية، حيث بدأت فتوحات المسلمين لبلاد فارس في عهد أول الخلفاء الراشدين أبي بكر الصديق.

ولما توفي أبو بكر خلفه عمر بن الخطاب الذي جهز جيشاً قوامه 30 ألف ليواجه جيش الفرس الذي بلغ عدده 130 ألف وفق ما يذكر عمر الإسكندري في كتابه تاريخ مصر إلى الفتح العثماني.

ومن أشهر المعارك التي خاضها المسلمون في هذه المرحلة كانت معركة القادسية سنة 14 هجرية/ 636 ميلادية، واستمرت معارك المسلمين والفرس حتَّى استقرت السيطرة على بلاد الفرس لجيش المسلمين سنة 21 هجرية/ 642 ميلادية، وكان ذلك بعد أن تمكن أبو عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد من السيطرة على الشام سنة 14 للهجرة/ 635 للميلاد.

الطريق إلى مصر

بعد أن سارت الفتوحات الإسلامية الشرقية على قدم وساق وتمكن المسلمون من بلاد الشام اتجه جيش من المسلمين إلى بيت المقدس، وخاض معركة أجنادين الشهيرة التي هزم فيها الروم، ثم حاصروا بيت المقدس أربعة شهور.

واستمر حصار القدس حتَّى قبل أن يسلم بطريركها المدينة للمسلمين شريطة أن يأتي خليفتهم عمر بن الخطاب بنفسه، وكانت العهدة العمرية المشهورة سنة 15ه/636 م التي منح المسلمون من خلالها الأمان لأهل القدس على أموالهم وأنفسهم ومبانيهم الدينية المقدسة.

الفتح الإسلامي لمصر

مهد فتح بلاد فارس وبلاد الشام وبيت المقدس الطريق أمام المسلمين إلى وادي النيل، فقاد عمرو بن العاص جيشاً صغيراً يقصد به مصر، ودخلها بسهولة من سيناء بعد مقاومة ضعيفة من الحاميات البيزنطية فيها.

ثمَّ واصل جيش المسلمين سيره حتَّى بلغ تل الفَرما أواخر سنة 18ه/ 639 م، واستمر القتال عنده حوالي شهرين حتَّى تمكن المسلمون من اقتحام الحصن في الشهر الأول من عام 640 للميلاد، ثم اتجهوا إلى ببليس بعد أنَّ انضم إليهم مؤيدوهم من السكان.

تحصن البيزنطيون في حصن بابليون المنيع، واتخذ عمرو بن العاص من قرية أم دنين معسكراً لجيشه ريثما يأتيه المدد، لكنه فعلياً بدأ بحصار الحصن في جمادى الأولى من سنة 19ه/ مايو 640 م قبل وصول الإمداد.

واستمرت هذه المعركة حتَّى توقيع معاهدة صلح مع بطريرك الطائفة الملكانية والقائد الفعلي لجنود البيزنطيين المقوقس (سيروس).

لكن إمبراطور الروم رفض هذه المعاهدة وأرسل في طلب المقوقس، فاستأنف المسلمون حصارهم وقتالهم حتَّى أخلى الروم الحصن في شهر أبريل/نيسان من عام 641 ميلادي.

فتح الإسكندرية ونهاية عهد البيزنطيين في مصر

بعد انهيار دفاعات البيزنطيين في حصن بابليون اتجه عمرو بن العاص إلى الاسكندرية آخر معاقلهم حيث تحصن البيزنطيون فيها جيداً، واستمر الحصار والقتال حوالي ثلاثة أشهر إلى أن طلب البيزنطيون الصلح وكان المقوقس قد عاد من القسطنطينية مجدداً، فأبرم مع عمرو بن العاص اتفاقاً جديداً.

أبرز بنود معاهدة تسليم الإسكندرية للمسلمين

التقى عمرو بن العاص والمقوقس في حصن بابليون وأبرموا اتفاق تسليم الإسكندرية للمسلمين وفق سلسلة من الشروط أبرزها:

  1. أن تُدفع الجزية للمسلمين.
  2. أن يعقد لذلك هدنة مدتها 11 شهراً.
  3. أن تجلي جيوش الروم عن الإسكندرية.
  4. أن لا يتدخل المسلمون في دين المسيحيين ولا يستبيحوا كنائسهم.
  5. أن يُسمح لليهود بالإقامة في الإسكندرية.
  6. أن يسلم الروم 150 من جنودهم و50 من رجالهم غير المحاربين كضمانة لتنفيذ الاتفاق.

فعلياً لم تكن حامية الإسكندرية راضية عن هذا الاتفاق، خاصة وأنَّ المدينة يمكن أن تصمد لسنوات أمام الحصار، حيث يعتقد البعض أن المقوقس كان يرغب في الاستقلال ببطريركيته عن القسطنطينية، لكن ما يهمنا في هذا المقام أن المسلمين سيطروا على وادي النيل وأنهوا عهد البيزنطيين عام 642 ميلادي.

أحوال مصر في عهد الخلفاء الراشدين

كان عمرو بن العاص أول ولاة مصر طيلة خلافة عمر بن الخطاب، وفي عهد ابن العاص تعرضت الإسكندرية لهجوم جديد من البيزنطيين لكنهم لم يتمكنوا من استعادتها.

إلَّا أنَّ موقعها على البحر دفع المسلمين لينقلوا مركزهم إلى مدينة جديدة هي الفسطاط التي تعتبر أولى المدن الإسلامية في مصر، كما تم بناء أول جامع فيها.

عزل عثمان بن عفان والي مصر عمرو بن العاص وولى عليها عبد الله بن سعد بن أبي السراح الذي كان اليد اليمنى لسلفه، كما لم يكن أقل كفاءة منه وخاض واحدة من أهم معارك التاريخ الإسلامي وهي معركة ذات الصواري البحرية بمواجهة البيزنطيين سنة 34 ه/ 655 م والتي انتهت بانتصار المسلمين.

في عهد آخر الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب ولى محمداً بن أبي بكر الصديق على مصر، وقد كانت الفتنة قد اشتعلت بين علي ومعاوية بن أبي سفيان، فقتل محمد بن أبي بكر الصديق عندما عاد عمرو بن العاص إلى مصر على رأس جيش معاوية.

حكم مصر ثمانية وعشرون والياً في العهد الأموي

عاد عمرو بن العاص والياً لمصر ثانية وقد منحه إياها معاوية بن أبي سفيان لأبنائه بالوراثة، لكن وبعد وفاة ابن العاص سنة 43 ه/ 663م تولى ابنه عبد الله بن عمر، ثم عزله الخليفة بعد سنتين وولى شقيقه عتبة بن أبي سفيان على مصر.

ومن أبرز ولاة الأمويين على مصر

  1. عقبة بن عامر الجُهني، أول من وضع الأعلام على سفن المسلمين.
  2. مَسلمة بن مخلد، أول من بنى منارات المساجد.
  3. سعيد بن يزيد.
  4. عبد الرحمن بن عتبة في عهد عبد الله بن الزبير.
  5. عبد العزيز بن مروان في عهد أبيه مروان ابن الحكم، وفي عهد أخيه عبد الملك بن مروان، وانتقل إلى حلوان بعد أن ضرب الطاعون الفسطاط، فكانت حلوان القاعدة الثانية للمسلمين في الديار المصرية.
  6. عبد الله بن عبد الملك بن مروان، وفي عهده تم تعريب الدواوين ونقلها عن القبطية.
  7. آخر ولاة الأمويين على مصر كان عبد الملك بن مروان بن موسى بن نصير، ليكون عدد ولاة مصر الأمويين 28 والياً.

في عهد الدولة العباسية بدأ ولاة مصر يستقلون بها لأنفسهم

لم تكن مصر سوى إمارة تابعة لدولة الخلافة الإسلامية حتَّى وصول أحمد بن طولون إليها وتأسيس الدولة الطولونية وفق ما يرى الدكتور ناصر الأنصاري في كتابه المجمل في تاريخ مصر، فكان الخلفاء الأمويون يرسلون ولاة إلى مصر لتنظيم أمورها وأخذ خراجها دون إدراك أهميتها الفعلية.

ولم يكن انتقال مصر من الأمويين إلى العباسيين صعباً، فحافظ العباسيون على معظم الموظفين الذين أعلنوا ولاءهم للخلافة الجديدة، لكن عصر العباسيين تميز بكثر الفتن والقلاقل بين المسلمين.

كما شهدت الصعيد ثورة عام 166ه/ 782م، وتمكن الثائرون من السيطرة على الوجه القبلي حتَّى ولاية الفضل بن صالح الذي أتى بجيش من الشام قضى على الثورة.

كما كثر عزل الولاة في العصر العباسي، ففي عهد هارون الرشيد وحده تولى مصر 16 والياً في 12سنة، واستمرت ثورات عرب الحوف وانضم لهم القبط حتَّى جاء المأمون بنفسه إلى مصر سنة 217 ه/ 832م.

حيث يُعتقد أن هذه المرحلة هي مرحلة انتشار الإسلام في مصر بعد أن دخل جزء كبير من الثائرين في الإسلام.

كما تصدت مصر الإسلامية في عهد العباسيين للروم الذين دخلوا دمياط في عهد الوالي عنبسة بن اسحق الضبي عام 853 ميلادي، وكان هذا آخر الولاة العرب في مصر.

تعتبر الأسرة الطولونية أول من تمكن من حكم مصر بالوراثة بشكل شبه مستقل

بقيت مصر ولاية عباسية لكن كان الولاة يقيمون في بغداد ويرسلون من ينوب عنهم ويجمع لهم الخراج من الديار المصرية، ولمَّا تولى الأمير باكباك ولاية مصر أرسل إليها أحمد بن طولون سنة 254 ه/ 868م الذي بنى مدينة القطائع لتتسع لجنده وحاشيته.

بدأ أحمد بن طولون يتعامل مع مصر كأنَّها ولاية مستقلة له، فبنى مسجده الشهير، وبنى المارستان للمرضى، وقرب منه العلماء والزهاد، كما وسع من جنده وحاشيته، وانتهى ذلك إلى قطع الخراج عن الخلافة، فأرسل الأمير الموفق بالله جيشاً ليعزله لكنَّه لم يصل إليه.

توسع ابن طولون حتَّى سيطر على الشام وبرقة، ولما عاد وجد ابنه العباس قد حاول الاستيلاء على الملك فسجنه بقية حياته، وتميز عهد ابن طولون بالهدوء والاستقرار، كما تحسنت العلاقة بين ابن طولون والدولة العباسية فيما بعد.

أبرز حكام الأسرة الطولونية في مصر

  1. خمارويه بن أحمد بن طولون، وفي عهده حاول أمراء دمشق والأنبار والموصل انتزاع الشام منه، لكنهم فشلوا بذلك، كما أنَّ وصول الخليفة المعتمد ثم المعتضد شهد تحسناً للعلاقات بين خمارويه ورأس الخلافة، فتزوج المعتضد ابنة خمارويه قطر النَّدى، وأصبح جهاز قطر النَّدى مضرباً للمثل، كما بنى لها والدها في كل محطة على الطريق بين مصر وبغداد قصراً، وكاد إسراف خمارويه أن يفرغ خزائنه.
  2. قتل خمارويه على فراشه في دمشق من قبل خدمه وتولى بعده ابنه أبو العساكر، فخلعه أهله بعد شهور قليلة، ليتولى مكانه شقيقه أبو موسى هارون.
  3. لم يكن هارون أحسن حالاً من أخيه، ولما شعر الخليفة العباسي المكتفي بالله بضعف الطولونيين أرسل جيشه بقيادة محمد بن سليمان الكاتب لاستعادة مصر.
  4. قام شيبان بقتل ابن أخيه هارون وأخذ مكانه لكنه لم يتمكن من جمع الجيش المشتت، فانتهت الدولة الطولونية على يد محمد بن سليمان الذي أحرق القطائع ودمر الميدان سنة 293 ه/ 905.

الدولة الإخشيدية في مصر

بعد سقوط الطولونية شعر الخلفاء بأهمية مصر، فهي قادرة على منح من يتولاها من المال والمنعة ما يغريه بالاستقلال عن الدولة، فلجؤوا في هذه الحال إلى الإكثار من عزل الولاة وتولية غيرهم، كما خصصوا عاملاً للخراج مع صلاحيات أوسع ويتبع للخليفة مباشرة.

وفي الفترة التي فصلت بين دولة ابن طولون ودولة الإخشيد (حوالي 30 سنة) تولى مصر 11 والياً، ووصل الأمر إلى تغيير أربعة ولاة في سنة واحدة، فضلاً عن المنافسة بين الولاة وأصحاب الخراج، كما يُذكر أن أكثر من نصف هذه الفترة كانت للقائد التركي أبو منصور تكين الذي تولى أربع مرات وتولى ابنه مرة.

وصل أبو بكر محمد بن طغج إلى ولاية مصر في عهد الخليفة العباسي المتقي سنة 323 ه/ 935 م، وأخذ لقب الإخشيد وهو لقب ملوك فرغانة الأوزبكية، كما كان الإخشيد قائداً في الجيش قبل ذلك وشارك في صد هجمات الفاطميين على مصر.

حكام الدولة الإخشيدية في مصر

  1. كان بن طغج الإخشيد يحاول أن يصل إلى ما وصل إليه أحمد بن طولون قبله، فأخذ ولاية مصر الشام له ولأبنائه من بعده لمدة ثلاثين سنة في عهد الخليفة المتقي بعد أن وقف إلى جانبه في صراعه مع الأتراك في بغداد.
  2. توفي الإخشيد في دمشق سنة 334 ه/ 946 م، وكان قد عهد بالولاية لابنيه أونجور وعلي، وكان الوصي عليهما غلام الإخشيد كافور.
  3. كان كافور المتحكم بأمور الدولة حتَّى وفاة أونجور وتولية عليّ رسمياً من قبل الخليفة العباسي المطيع لله، لكن الأمور بقيت بيد كافور حتَّى وفاة علي بن الإخشيد سنة 355 هجرية/ 966ميلادية.
  4. بقيت الأمور مستقرة لكافور دون أن يكون أميراً، إلى أن تمت توليته رسمياً على مصر وكان لقبه الأستاذ، فيقال له الأستاذ أبو المسك كافور.
  5. فعلياً كان كافور حاكماً قوياً استطاع حماية ولايته من الفاطميين ومن محاولات العباسيين استعادتها، كما اشتهرت قصته مع أبي الطيب المتنبي الذي مدحه كثيراً وهجاه أكثر، واستمر حكم كافور فعلياً من وفاة الإخشيد وحتَّى وفاته هو سنة 357هـ/ 967م.
  6. بعد كافور تولى أحمد بن علي بن الإخشيد وكان صغيراً، فقام على الوصاية ابن عمِّ أبيه، وانتهت الدولة الإخشيدية على يد جوهر الصقيلي قائد جيش المعزِّ لدين الله الفاطمي بعد عام واحد من وفاة كافور.

مصر في عهد الفاطميين

أدرك الفاطميون ما لم يدركه العباسيون من قبلهم، فلم يتعاملوا مع مصر كإمارة تابعة لدولتهم التي نشأت في المغرب بل جعلوا من مصر حاضرةً ومقراً لهذه الدولة.

فعلياً بدأ الفاطميون بالتطلع إلى حكم مصر منذ تأسيس دولتهم في المغرب، وهيؤوا لذلك الطريق لجيشهم من خلال حفر الآبار وتجهيز محطات الاستراحة، كما يعتبر وصول المعزِّ لدين الله الفاطمي إلى الخلافة في المغرب نقطة تحول في تاريخ الشيعة الفاطميين ودولتهم.

يقال أن المعزَّ كان شديد الحنكة والذكاء، كما كان كثير الاطلاع ويجيد الكثير من اللغات، فقام أولاً بتوطيد حكمه في الداخل وضمن لنفسه تأييد قادة القبائل في المغرب ومراكش حتَّى الأطلسي، ثم سيَّر جيشاً كبيراً إلى مصر على رأسه القائد رومي الأصل جوهر الصِّقلي، ووضع تحت تصرفه 100 ألف مقاتل مجهزين أفضل تجهيز، إضافة إلى 24 مليون دينار.

وعلى الرغم من القوة العسكرية الكبيرة للفاطميين إلَّا أنهم دخلوا مصر سلماً، وسلمت لهم الإسكندرية والفسطاط سنة 358ه/969 ميلادية.

بناء مدينة القاهرة والجامع الأزهر

بدأ جوهر الصقلي بتجهيز الأمور لاستقبال الخليفة المعزِّ لدين الله، فحدد حدود مدينة جديدة وبنى القصرين بين الفسطاط وعين شمس وسماها القاهرة، التي تقع في وسط العاصمة المصرية الحالية، كما بنى في القاهرة الجامع الأزهر الذي استمر بناؤه ثلاث سنوات حتَّى سنة 361ه/972م.

فيما وصل المعزُّ إلى القاهرة في موكب مهيب حمله وآل بيته وجثث أسلافه سنة 362ه/973م، وكان الفاطميون قد سيطروا على الشام وحلب وبدأت معاركهم مع القرامطة أشقائهم في المذهب، وكاد القرامطة أن يستولوا على القاهرة لولا أن المعزَّ استمال أحد حلفائهم من البدو فانقلب عليهم.

أبرز حكام الدولة الفاطمية في مصر

  1. توفي المعزُّ سنة 367ه/975م، وكانت فترة حكمه من أبرز محطات تاريخ مصر على الرغم من قصرها، ثم خلفه ابنه العزيز.
  2. كان العزيز متسامحاً وشديد القرب من المسيحيين حتَّى عين له وزراء منهم، كما ازدادت الثروة في عهده فأنفق الكثير على البناء والإصلاح.
  3. بعد وفاة العزيز تولى الحاكم بأمر الله خلافة الدولة الفاطمية وكان متطرفاً في كل شيء، في العقاب والثواب والدين والدنيا، فألَّب عليه الناس وآل بيته، وأغلب الظن أنَّه قتل على جبل المقطم لما كان يراقب النجوم سنة 411ه/1021م.
  4. بعد الحاكم تولى الظاهر لإعزاز دين الله الخلافة في الدولة الفاطمية، وكان الظاهر صغيراً في السن ولم يكن قادراً على تدارك ما أفسده الحاكم، كما واجه مجاعة كادت تفتك بالناس لولا ارتفاع النيل سنة 417ه/ 1027م.
  5. تولى المستنصر بالله الخلافة وعمره سبع سنوات فحكم ستين سنة انهارت خلالها الدولة الفاطمية وخسرت معظم امتدادها في الشام وأفريقيا، كما شهد عهده قحطاً دام سبع سنين، فضلاً عن فتنة الأتراك والسودانيين.
  6. تولى الخلافة بعد المستنصر مجموعة من الخلفاء الضعفاء هم؛ المستعلي، الآمر، الحافظ، الظافر، الفائز، والعاضد آخر خلفاء الفاطميين.

انهيار الدولة الفاطمية وصعود الأسرة الأيوبية

فعلياً استطاع السلاجقة الأتراك السيطرة على الشام وأسسوا فيها حكماً قوياً، ولما كانت الدولة الفاطمية قد خارت قواها وانعدمت قدرتها على الحرب استنجد العاضد بحاكم الشام نور الدين محمود المعروف بنور الدين الزنكي أو الشهيد، الذي أرسل قواته وعلى رأسها القائد الكوردي أسد الدين شيركوه وابن أخيه صلاح الدين الأيوبي.

تمكن شيركوه من صد الصليبيين عن مصر، فحصل بذلك على الوزارة من الخليفة العاضد لكن سرعان ما وافته المنية، فورثه ابن أخيه صلاح الدين الأيوبي في جميع مناصبه، وعينه الخليفة العاضد بمراسم رسمية كما منحه لقب الملك المظفر ناصر أمير المؤمنين.

استطاع صلاح الدين الأيوبي أن ينشئ دائرة ولاء له في مصر، وفعلياً هو من أعلن انتهاء عهد الدولة الفاطمية عندما استبدل اسم الخليفة العاضد باسم الخليفة العباسي المستضيء بأمر الله في الدعاء والخطب في المساجد، وكانت وفاة العاضد في اليوم التالي بعد أن أدركه المرض في سنة 567ه/1171م.

حكام الأسرة الأيوبية

  1. بعتبر صلاح الدين الأيوبي المؤسس الفعلي للأسرة الأيوبية في مصر، وحكم بين عامي 1171 و1193 ميلادي.
  2. بعد موت صلاح الدين خلفه ابنه العزيز عماد الدين، استمر في الحكم حتَّى وفاته عام1199 ميلادي.
  3. بعد موت العزيز عماد الدين بدأ عصر الفتن في الدولة الأيوبية، حيث تولى ابنه المنصور الحكم في التاسعة، ثم الأفضل ابن صلاح الدين الذي جاء من الشام ليسيطر على الأمور في مصر تحت اسم المنصور.
  4. ثم تنازع الأفضل مع الملك العادل شقيق صلاح الدين، الذي تمكن أخيراً من خلع الملك الأفضل والانفراد في الحكم، وحكم بين عامي 1201 و 1219 ميلادي.
  5. بعد الملك العادل خلفه ابنه الملك الكامل ناصر الدين وهو أول من سكن القلعة، ثم خلفه ابنه سيف الدين، ثم شقيقه الملك الصالح سيف الدين بن الكامل الذي اتسع نفوذ المماليك في عهده.
  6. لما توفي السلطان الصالح أيوب أخفت زوجته شجرة الدر أمر موته، وأدارت البلاد حتَّى عودة ابنه توران شاه من حصن كيفا في العراق واستلام الحكم، فتصدى للحملة الصليبية السابعة حيث أراد الفرنجة استغلال وفاة الملك الصالح.
  7. قام المماليك بقتل توران شاه بالاتفاق مع زوجة أبيه شجرة الدر سنة 1250 ميلادية لينتهي معه عهد الأسرة الأيوبية.

تعتبر فترة حكم شجرة الدر هي الفترة الانتقالية بين الأيوبيين والمماليك

استعانت شجرة الدر بالمماليك للتخلص من السلطان توران شاه، وأصبحت هي السلطانة حوالي ثمانين يوماً قبل أن تتزوج من عز الدين أيبك أتابك العسكر إرضاءً للخليفة العباسي وللعامة فأصبح هو السلطان.

لكنها قتلته عام 1257 للميلاد إمَّا لخلاف سياسي على تحجيم دورها والانفراد برأيه أو بدافع الغيرة من زوجته الثانية، وكانت نهاية شجرة الدر على يد المماليك في شهر أيار/مايو من العام نفسه، يمكنكم زيارة هذا الرابط للتعرف أكثر على قصة شجرة الدر.

الحكام المؤسسين لدولة المماليك في مصر

  1. مع عز الدين أيبك بدأ عهد المماليك، ومع وفاته تولى ابنه المنصور علي السلطنة تحت وصاية الأمير سيف الدين قطز، وكان المماليك على الرغم من كونهم سلطنة مستقلة إلَّا أنَّ لهم تبعية اسمية للخلافة العباسية.
  2. عام 1259 ميلادي أعلن الأمير قطز حاجة مصر لسلطان قوي ليواجه تهديدات هولاكو والتتار، فعزل السلطان الصغير وأخذ مكانه.
  3. واجه الملك المظفر سيف دين قطز خطر التتار الذين قضوا على الدولة العباسية واستباحوا العراق وحلب والشام وكانوا في طريقهم إلى مصر، فانتصر عليهم في معركة عين جالوت الشهيرة عام 1260 للميلاد، لكنه قتل على يد جماعة من الممالك في طريق العودة إلى مصر، ونودي بالملك الظاهر ركن الدين بيبرس سلطاناً خلفاً لقطز.
  4. استطاع الظاهر بيبرس أن يوطد دعائم دولة المماليك كما بدأ بإعادة بعث الخلافة العباسية في مصر من جديد، وذلك من خلال استقباله لأحمد بن الإمام الظاهر بن الإمام الناصر العباسي الذي أعاد تأسيس مقر الخلافة العباسية في مصر تحت ظل المماليك، وكان لقبه المستنصر بالله.

نهاية المماليك وبداية الدولة العثمانية

يتم تقسيم عهد المماليك إلى قسمين:

  1. المماليك البحرية الذين سكنوا جزيرة الروضة في القاهرة وأبرزهم السلطان ركن الدين بيبرس الذي استطاع الانتصار على الصليبيين وانتزاع إماراتهم على سواحل سوريا كما واجه خطر التتار، وتلاه في الحكم 22 سلطاناً من المماليك البحرية طيلة 132 سنة أبرزهم السلطان المنصور قلاوون الذي يعتبر بأهمية وقوة بيبرس، كما عاصره شيخ الإسلام ابن تيمية فكانت بينهما علاقة طيبة خاصة بالتصدي للتتار.
  2. والمماليك البرجية نسبة إلى أبراج القلعة التي سكنوها، وحكموا بعد المماليك البحرية لمدة 134 سنة اعتباراً من عام 1382 ميلادي، وكان أبرز حكامهم السلطان برقوق بن أنس بن عبد الله الذي أسس حكمهم، كما عرفوا بالشركسية نسبة إلى أصولهم، ومع نهاية الممالك البرجية أو الشركسية بدأ عهد الدولة العثمانية.

أخيراً... فعلياً كان آخر حكام المماليك هو طومنباي الذي أعدم عام 1516 على يد السلطان العثماني سليم الأول، ينتهي بذلك عهد الخلافة العباسية والدولة المملوكية في آنٍ معاً.

ولتبدأ مرحلة الخلافة العثمانية التي يختلف المؤرخون على تسميتها، بين من يعتبرها فتحاً واستمراراً للدولة الإسلامية، وبين من يعتبرها غزواً واحتلالاً، علماً آن آخر ظهور للمماليك كان في مذبحة القلعة التي دبرها محمد علي باشا عام 1811 فتخلص منهم جميعاً دفعة واحدة ليخلو له عرش مصر.

ليالينا الآن على واتس آب! تابعونا لآخر الأخبار