الزواج بين الأقارب، الإيجابيات والسلبيات

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الإثنين، 25 نوفمبر 2019
الزواج بين الأقارب، الإيجابيات والسلبيات

قرار الزواج هو من أكثر القرارات تعقيداً في حياة الإنسان، حيث أن هناك العديد من العوامل والمعطيات التي تتحكم بشكل مباشر أو غير مباشر في هذا القرار.

كما أن الحب أو التفاهم،كذلك التوافق الجنسي ليست العوامل الأكثر تأثيراً، بل هناك سلسلة معقدة من "التسويات" الاجتماعية إن صح التعبير.

فمن المؤكد أن الزواج ضمن العائلة الواحدة، الذي يحدث تحت ضغط عائلي واجتماعي هو من أبرز هذه التسويات.

كيف ينشأ زواج الأقارب وماهي الاعتبارات التي يقوم عليها؟

تنشأ الرغبة في تزويج الأقارب تبعاً لأهداف اجتماعية تتمثل في:

  • الحفاظ على المميزات العرقية والدينية.
  • حصر التركات ضمن العائلة.
  • كما يعتبر  تمييز النسب وتوسيع العائلة للحصول على الهيبة الاجتماعية لدى البدو مثلاً دافعاً قوياً للإصرار على حصر الزواج ضمن دائرة الأقارب.
  • من جهة ثانية يحظى الزواج العائلي بنظرة مريحة من حيث قدرته على نقل القيم الثقافية إلى الأطفال على اعتبار أن هذه القيم مشتركة بين الأبوين مسبقاً.
  • كما أن العلاقات الاجتماعية التي سينشئها الأزواج ستكون مشتركة إلى حد كبير مما يضمن استقراراً نسبياً في هذه العلاقات.
  • كذلك يضمن الزوجان توافر المعلومات عن بعضهما؛ حيث يملك كل طرف من أطراف العلاقة معلومات كثيرة عن ماضي الطرف الآخر وعن عاداته كما قد تصل المعلومات التي يوفرها الوسط الاجتماعي المشترك إلى أدق تفاصيل الحياة.
  • كما أن مفهوم زواج الأقارب (Endogamy) لا يبقى محصوراً ضمن العائلة وحسب، بل يتوسع ليشمل الزواج من الفئات الاجتماعية المحددة مثل: الفئات الدينية أو العرقية، ذلك للأهداف نفسها.

لهذه الأسباب وغيرها تحاول العائلة الضغط على الشبان والشابات في سن الزواج لاختيار شريك حياتهم من الأقارب.

حيث تبدأ السلسلة من ابن العم الموازي (ابن شقيق الأب) لتمتد إلى أبناء العمة، ثم أبناء العمومة غير الموازيين (أبناء عم الأب)، لتتوسع أكثر فيما يعرف بزواج البدائل الذي يقوم على تبادل الأخوة.

وغالباً ما يجتمع زواج البدائل مع كونهم من أبناء عمومة، فيكون الزوج والزوجة أبناء عم وشقيقة الزوج هي زوجة لشقيق الزوجة.

هذا النمط من الزواج يؤدي في الأجيال اللاحقة إلى تعقيد أكثر في نوعية القرابة، حيث أن الذين بدأوا بالتبادل سيكون لأبنائهم قرابات مشتركة.

فهم أبناء عمة وأبناء خال في ذات الوقت، كما أن تعقيد هذه السلسلة يؤدي بدوره إلى تعقيد المورثات الجينية؛ مما يزيد في نسبة الإصابة بالأمراض والتشوهات الوراثية.

أنواع زواج الأقارب

عندما نسمع كلمة زواج الأقارب، يتبادر إلى ذهننا زواج الأقارب ضمن العائلة الواحدة، لكن في الحقيقة زواج الأقارب مفهوم أكثر شمولاً يتضمن الأنواع التالية:

  1. زواج الأقارب الجغرافي، ويشمل هذا النوع من الزواج الأسر الموجدة في نطاق جغرافي محدد، على سبيل المثال:  الزواج من نفس القبيلة، أو الضيعة، أو المدينة، أو المحافظة، أو حتى الدولة.
  2. زواج الأقارب الاجتماعي، حيث ينتمي العروس والعريس لنفس العائلة، كأن يكونوا أبناء عمومة، أو خالة ...إلخ، وهذا النوع من الزواج هو الأكثر شيوعاً، وأقرب معنى لزواج الأقارب كمفهوم.
  3. زواج الأقارب المهني، حيث يتزوج شباب وبنات المهنة الواحدة من بعضهم البعض، على سبيل المثال: الحداد يتزوج بنت حداد، والخيّاطة تتزوج من خيّاط.
  4. زواج الأقارب الديني، حيث يكون الانتماء لدين معين معيار أساسي في اختيار الزوجين لبعضهما البعض، وقد يعيق اختلاف الدين الذي ينتمي إليه العروسان عملية الزواج، وتعرض الطرفين لضغوطات للتخلي عن هذا النوع من الزواج.

ما هي المميزات التي تجعل من زواج الأقارب مرغوباً؟

هناك العديد من المميزات التي يوفرها زواج الأقارب لكلا الزوجين, بل لكلا العائلتين، مما يجعل الخيار الأول عند بلوغ الشاب أو الشابة سن الزواج هو البحث عن الشريك ضمن الدائرة المحيطة الضيقة، إلا أن هذا الخيار لا يكون خياراً فردياً وإنما رغبة عائلية؛ وأبرز هذه الميزات:

1. توافر المعلومات وسهولة التعارف

حيث يستطيع كلا الخطيبين أن يعرفوا الكثير من المعلومات عن بعضهما خلال فترة ما قبل الزواج، وذلك من خلال العلاقات الاجتماعية التي تحكم كلاهما في ذات الدائرة.

لا بد أن توفر هذه المعلومات يقلل من القلق بخصوص بعد الأسرار الصحية والمالية التي قد يحتفظ بها أحد الخطيبين.

2. الأطفال ينشؤون في بيئة متقاربة

تربية الأطفال بما أن الزوجين من بيئة متشابهة إن لم نقل متطابقة، فهما بالتالي يحملان ذهنية متقاربة إلى حد بعيد من الناحية التربوية على الأقل، كما أنهما غالباً ينظران إلى القيم الاجتماعية والدينية نظرة متشابهة.

هذا التقارب في وجهات النظر بين الزوجين سيجعل من عملية تربية الأطفال أمراً أكثر سهولة مما لو كانا من بيئتين مختلفتين.

كما أن هذا لا يعني ضرورة التطابق أو حتى التشابه بين جميع الأقارب لكن الغالب أن الأقارب يخضعون لذات المعاير الاجتماعية التي يفرضها كل ما هو مشترك بينهم.

3. لا فروقات اقتصادية شاسعة عادة

الحياة الاقتصادية حيث أن الشريكين يعرفان تماماً قبل الزواج الظروف المعيشية التي سيعيشان في ظلها، من جهة أخرى سيكونان أكثر مراعاة لظروف بعضهما الاقتصادية.

كما يحصل في المجتمعات الشرقية أن يساعد والد العروس عريس ابنته في حال كان ابن أخيه أو أحد أبناء عمومته.

إضافة إلى ذلك كما ذكرنا سابقاً يعتبر حصر الإرث ضمن العائلة نفسها أحد الدوافع القوية لاختيار الشريك من ضمن دائرة الأقارب.

4. اندماج أسرع في العائلة الجديدة

الحياة الاجتماعية إحدى المشكلات التي تواجه الأزواج في بداية حياتهم هي علاقة كل منهم المنفردة مع عائلته، ودخول كل منهم إلى عائلة الآخر على اعتباره عنصراً جديداً يحتاج لفهم عادات العائلة والاندماج معها.

في حين يذلل الزواج من الأقارب هذه العقبة إلى حد بعيد، لأن الزوجين يدركان طبيعة العائلة التي نشأوا فيها معاً.

من جانب آخر يمكن اعتبار هذا الزواج منصفاً للمرأة في بعض جوانبه حيث ستحصل المرأة على حماية المنظومة الاجتماعية في المجتمعات الذكورية للقيمة التي تمثلها صلة الدم.

كما أن أغلب المجتمعات التي تلجأ إلى هذا النمط من الزواج لديها قيمة اتجاه الأقارب في العموم؛ هذا ما يرتب على الزوجين التزاماً أخلاقياً اجتماعياً، سيتذكرانه في كل مرة يختلفان فيها.

ما هي الأخطار والسلبيات التي تحيط بالحياة الزوجية في زواج الأقارب؟

كما أن لزواج الأقارب عدداً من المميزات التي تجعل منه خياراً موفقاً، هناك أيضاَ عدة نقاط سلبية لا بد من أخذها في عين الاعتبار قبل اتخاذ القرار وأبرز هذه النقاط هي:

1. الأخطار الصحية

بما أن المورثات في حالة زواج الأقارب ستكون متقاربة بين الأم والأب، فذلك سيرفع من احتمالات انتقال الأمراض الوراثية إلى الأطفال مستقبلاً، كالأمراض المزمنة والتشوهات الجنينية.

إضافة إلى الخلل الصبغي والثلاسيميا وفقر الدم المنجلي، وغيرها من الأمراض التي تنتقل بالوراثة، فكلما ازدادت صلة القربى بين الوالدين كلما ارتفع احتمال أن يكتسب طفلهم نسخة متطابقة من جينات تحمل تلك الأمراض.

كما أجريت الكثير من الدراسات الطبية حول هذا الموضوع اتفقت على أن نسبة الوفاة بعد الولادة والإجهاض لا تختلف إلا بمعدلات قليلة جداً بين الأزواج الأقارب وغير الأقارب.

من جهة ثانية فقد تطورت مراكز فحوص ما قبل الزواج حول العالم، حيث أصبحت هذه الفحوصات ضرورة؛ خاصة في حالة وجود صلة القربى بين الزوجين.

على اعتبار أن أغلب المجتمعات التي ينتشر فيها الزواج التقليدي بين الأقارب، هي في نفس الوقت ترفض لاعتبارات دينية واجتماعية التخلص من الأجنة في حال الاكتشاف المبكر لخلل جيني ما قد يؤدي إلى تشوهات الجنين.

لذلك من الأفضل اللجوء إلى فحص ما قبل الزواج لتجنب التعرض لأخطار الأمراض الوراثية.

2. الحياة الاجتماعية

كما أن الحياة الاجتماعية من المميزات المشجعة على الزواج من قريب، إلا أنها في ذات الوقت تعتبر من معرقلات هذا الزواج، ذلك لأن الأسرة الكبيرة تشعر بأحقية كاملة في التدخل في الشؤون العائلية.

ذلك ليس مبنياً على علاقة المصاهرة القائمة بين العائلتين بقدر ما هو مبني على القرابة السابقة لتلك المصاهرة.

كما أننا غالباً ما نجد خلافات قديمة بين العائلتين، تفترض العائلتان أن هذه الخلافات قد اندثرت بعلاقة المصاهرة؛ إلا أنها غالباً ما تعود لتشكل خطراً حقيقياً على الحياة الأسرية للزوجين.

هل ما زال زواج الأقارب شائعاً حتى الآن؟

ينتشر زواج الأقارب بشكل رئيسي في مجتمعات آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، حيث يندر في أوروبا وأميركا الشمالية.

بل توجد قوانين في بعض الولايات الأمريكية تمنع الزواج بين الأقارب، لكن حتى المجتمعات التي ينتشر فيها هذا النوع من الزيجات المدبرة شهدت انخفاضاً في معدلات الزواج من الأقارب.

يعود هذا الانخفاض بشكل أساسي لارتفاع الوعي الصحي كذلك ارتفاع مستوى التعليم، إضافة إلى مفهوم الحب الرومانسي الذي تدعمه كل وسائل الإعلام حول العالم مستخدمة كافة وسائل الاتصال الجماهيري الممكنة.

أخيراً.. تعرفنا على أسباب ودوافع زواج الأقارب؛ هذا النوع من المصاهرة التي تعزز علاقات القربى بين العائلات المرتبطة بالدم وتحصر الميراث في عائلة معينة.

ثم استعرضنا محاسن الإقبال عليه والمخاطر الصحية و الاجتماعية لزواج الأقارب أيضاً، في النهاية.. انخفضت معدلات الإقبال على هذا النوع من الزواج بسبب الوعي الصحي وبتأثير وسائل التواصل الحديثة.

ليالينا الآن على واتس آب! تابعونا لآخر الأخبار