عيد القديسة بربارة

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الإثنين، 04 ديسمبر 2023
عيد القديسة بربارة

منذ كنتُ صغيرة أسمع عن عيد البربارة، وهو عيد سنوي يستنفر من أجله الناس حول العالم وخصوصاً المسيحيين الذين يحيون هذا العيد، يحظى بتغطية إعلامية مهمة، ولم أكن أعرف لماذا. يتحدثون عن أن هذا العيد تخليداً لذكرى فتاة ولدت في العهد الروماني اسمها بربارة، فما هي قصة هذه الفتاة؟ ولماذا اختير يوم الرابع أو السابع عشر من شهر كانون الأول/ديسمبر للاحتفال بهذا العيد؟ وما هي أبرز طقوس عيد البربارة؟ هذا ما سنجيب عنه في هذه المقالة.

تاريخ الاعتراف بعيد البربارة

أدخلت الإمبراطورية الرومانية البربارة ضمن الأعياد المسيحية (كعيد الفصح وعيد الميلاد) في عام 1729، ورغم أن المسيحيين متفقون على استحقاق القديسة بربارة يوماً في السنة لتذكر مآثرها، لكنهم يختلفون في تاريخ هذا اليوم، فالمسيحيون الغربيون يحتفلون بعيد القديسة بربارة في الرابع من شهر كانون الأول/ديسمبر كل عام، والمسيحيون الشرقيون يحتفلون بعيد القديسة بربارة في السابع عشر من شهر كانون الأول/ديسمبر كل عام، وقد اختير هذا اليوم سواءً الرابع أو السابع عشر نسبة لليوم الذي قتلت فيه بربارة على يد والدها.

الاحتفال بعيد البربارة في بلاد الشام

يحتفل المسيحيون الذين يتبعون التقويم الغربي بالاحتفال بعيد البربارة في الرابع من شهر كانون الأول/ديسمبر من كل عام في بلاد الشام (سوريا، لبنان، الأردن، فلسطين) مساء يومي الثالث والرابع من شهر كانون الأول/ديسمبر كل عام، من خلال ما يلي:

  • خروج الأطفال والشباب مساءً في ثياب تنكرية لمعايدة الجيران والأقارب والأصدقاء، ويأخذوا منهم بعض الحلويات.
  • خروج الناس إلى الشوارع وترديد الأغاني والأهازيج الدينية الخاصة بالمناسبة.
  • يحضر طبق البربارة وهو عبارة عن قمح مسلوق، مضافاً إليه السكر والرمان.

عيد البربارة في بريطانيا

يحتفل البريطانيون بعيد البربارة في الرابع من شهر كانون الأول/ ديسمبر، وتحديداً الجيش لبريطاني حيث يقومون بعروض عسكرية لكل من (المدفعية الملكية، سلاح الجو الملكي البريطاني)، ويتبادلون تقديم الحلويات احتفالاً بهذا العيد، إضافةً للتخلص من بعض الذخائر القابلة للانفجار (كالقنابل)، وسنتعرف على رمزية ذلك من خلال قصة القديسة بربارة تالياً في هذا المقال.

عيد البربارة في الولايات المتحدة الأمريكية

يحيي الأمريكيون عيد البربارة في الرابع من شهر كانون الأول/ديسمبر من كل عام وتحديداً الجيش كما في بريطانيا أيضاً، حيث يتخلصون من بعض الذخائر القابلة للانفجار (كالقنابل)، أما المدنيون فيقومون بمسيرات نحو الكنائس، كما تقام أيام رياضية، حجوزات في الفنادق، حفلات الكوكتيل والعشاء وغيرها من الأنشطة.

عيد البربارة في اليونان

يحتفل اليونانيون بعيد البربارة في الرابع من شهر كانون الأول/ديسمبر من كل عام كل على طريقته، حيث يقيم سلاح المدفعية في الجيش اليوناني والحرس الوطني القبرصي مخيمات لاستقبال المحتفلين بالعيد، كذلك يتم تقديم الحلويات التقليدية للجنود والزوار (القمح المسلوق).

عيد البربارة في أستراليا

يحيي الأستراليون عيد البربارة في الرابع من شهر كانون الأول/ديسمبر من كل عام كل على طريقته أيضاً، فعلى سبيل المثال تحتفل مؤسسات التعدين والصناعات الثقيلة؛ بهذا العيد من خلال تذكر الأشخاص الذين توفوا أثناء عملهم في هذا المجال.

في أرمينيا

يحيي الأرمنيون عيد القديسة بربارة في الرابع من شهر كانون الأول/ديسمبر من كل عام، من خلال زيارة كهف القديسة بربارة على سفوح جبل آرارات، حاملين الشموع وأكاليل الزهور.

عيد البربارة في مقدونيا

يحتفل المقدونيون بعيد القديسة بربارة في السابع عشر من شهر كانون الأول/ديسمبر كل عام، حيث تقتصر احتفالات البربارة على العائلة والأصدقاء، ويمتنعون عن الخروج من المنزل، فيما يمتنع آخرون عن استقبال الضيوف في هذا العيد لأنهم قد يحملون لهم حظاً سيئاً بقية العام.

قصة البربارة

ولادتها وسكنها في برج معزول

تعرف بربارة باللغة اليونانية القديمة باسم (Αγία Βαρβάρα)، وهي إحدى قديسات المسيحية المبكرة، ويطلق عليها اسم الشهيدة بربارة، حسبما أورد الكاتب الأمريكي فيرغسون في كتاب علامات ورموز المسيحية، الصادر عن جامعة أكسفورد، عام 1959.

ولدت بربارة في أوائل القرن الثالث للميلاد في مدينة نيقوميدية الموجودة حالياً في تركيا، وبعد وفاة والدتها عاشت بربارة مع والدها الوثني الذي اشتهر في قومه بالغنى الفاحش والجاه، حيث وضع ابنته بربارة في برج لأنها كانت جميلة جداً، وأحاطها بحراسة شديدة، ولم يسمح لأحد برؤيتها سوى المعلمين الذين علموها عبادة الأصنام، فقضت بربارة أيامها تحدق في الطبيعة؛ فترى في النهار التلال المشجرة، الأنهار سريعة الجريان، المروج المغطاة بالزهور، وفي الليل السماء متلألئة بالنجوم والقمر ساطع، فأعجبت بما شاهدته.

فكرت في من خلق هذا العالم المتناغم والرائع، تدريجياً.. أصبحت بربارة مقتنعة بأن الأصنام بلا روح، وأنها من صنع الإنسان، فعلى الرغم من أن والدها والمعلمين شرّبوها عبادة الأصنام، لكنها لم تقتنع حتى تعرف الإله الحقيقي مكرّسة كل حياتها لتحقيق هذا الهدف، وقضاء حياتها عذراء.

انتشرت شهرة جمالها في جميع أنحاء المدينة، وسعى كثيرون لطلب يدها للزواج، وعلى الرغم من توسلات والدها، لم تقبل الزواج بأي منهم، فهددها بقطع علاقته بها إذا بقيت رافضة للزواج.

بربارة تعتنق المسيحية

شعر والدها أن بقاء ابنته وحيدة أثّر على مزاجها، فسمح لها بمغادرة البرج وأعطاها الحرية الكاملة في اختيار الأصدقاء والمعارف، فالتقت باربرا بالراهبات المسيحيات الشابات في المدينة، اللاتي علمنها عن خالق العالم، كذلك حول الثالوث (الأب، الابن، روح القدس)، كما التقت بكاهن أتى من الإسكندرية متنكراً في زي تاجر لنشر المسيحية، فعلمها الدين الجديد وعمّدها ثم عاد إلى بلده.

بربارة تعترف لوالدها أنها اعتنقت المسيحية

خلال هذا الوقت، بدأ العمال بناء الحمام الفاخر بناءً على أوامر من والدها ديسقورس، حيث أعد العمال نافذتين على الجانب الجنوبي، ولكن باربرا، استفادت من غياب والدها، وطلبت منهم إقامة نافذة ثالثة، وبالتالي تشكيل الثالوث المسيحي، كما رسمت على أحد جدران الحمامات الصليب، وعندما عاد ديسقورس من رحلة قام بها في مدينة نيقوميدية، وأعرب عن عدم الرضا للتغيير في خطة البناء، فقالت بربارة لوالدها أنه "حان الوقت لتعرف الثالوث المقدس"، وتترك عبادة الأوثان لأنه لا جدوى منها.

فغضب وأمسك سيفه ليضربها به، لكنها ركضت، من خلال فتحة ظهرت فجأة في البرج، وعندما تبعها والدها اعترضته تلة، انشقت ومرت منها بربارة إلى كهف قريب، فاختبأت فيه، ولم يستطع والدها إيجادها، لكن رآها راعيان للأغنام، وعندما صدفهما والدها سألهما عنها، فلم يبلغه الراعي الأول أين مكانها، لكن الراعي الثاني دله على مكانها، وتقول الأسطورة: "إنه تحول إلى حجر وغنمه تحولت جراداً".

اعتقال بربارة وتعذيبها

بعد أن وشى الراعي عن مكان بربارة، اعتقلها والدها، وعذّبها بقسوة فضربها ثم فرك جروحها بالقماش كي يزيد ألمها وجوّعها، لكن ذلك لم ينجح في جعل بربارة تتراجع عن اعتناقها المسيحية، فسلمها لمحافظ المدينة أنطونيوس الذي سجنها في سجن مظلم، واستمر في تعذيبها دون جدوى، بل على العكس كانت تزيد من صلواتها، فحصل ما لم يكن متوقعاً، كانت تخضع للتعذيب في النهار وعندما تصحو في الصباح تكون جروحها قد التأمت.

بربارة وجوليانا

خلال فترة سجنها، تعرفت بربارة على جوليانا، وهي فتاة مسيحية مسجونة لذات السبب؛ اعتناق المسيحية، كانت تتعرض للتعذيب لحملها على التراجع عن اعتناق المسيحية أيضاً، وعندما رفضت قاموا بتعريتها وجرها في شوارع المدينة على طريق مليء بالمسامير وسط حشد من سكان المدينة الوثنيين، وتقول الأسطورة: "إن الرب أرسل ملاكاً غطى جسد جوليانا العاري" عندها أدركت بربارة أنها كانت على صواب في ثباتها على إيمانها واعتناقها المسيحية، مؤمنةً بأنه سيأتي يوم يعاقب الله فيه هؤلاء الجلادون.

وفاة بربارة على يد والدها

وبعد سجنها صدر قرار بإعدامها؛ فطلب والدها من الإمبراطور الروماني مكسيميانوس أن يأذن له بقطع رأسها بيده، فسمح له بذلك، وبعد أن قطع رأس ابنته في الرابع من شهر كانون الأول/ديسمبر عام 267 (وفق ما ورد في النسخة الفرنسية من كتاب "الجماعة الإنجيلية والقيامة "Anglican Community of the Resurrection" للأب هاري واو ويليامز المنشورة عام (1975)، ضربه البرق هو وأنطونيوس وماتا محترقين، بذلك يكونا قد دفعا ثمن ما فعلاه بحق بربارة وجوليانا.

قبر الشهيدة بربارة.. ولماذا حذفت الكنيسة الرومانية العيد من تقويمها؟

دفنت الشهيدة بربارة في مدينة فالنتينوس بمدينة القسطنطينية (إسطنبول حالياً)، بتركيا، وفي القرن الثاني عشر نقلت الأميرة بربارة ابنة الإمبراطور البيزنطي ألكسيوس كومنسنز رفات بربارة؛ إلى دير سانت مايكل الذهبية في العاصمة الأوكرانية كييف، وفي عام 1930 نقل رفاتها مرة جديدة إلى كاتدرائية القديس فلاديمير في نفس المدينة، ثم جلب بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية في كييف؛ البطريرك فيلاريت جزءاً صغيراً من ذخائر بربارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية في شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 2012، حيث وضع في كاتدرائية القديس أندرو الأوكرانية الأرثوذكسية في بلوومينغدل بولاية إلينوي.

الكنيسة الرومانية الكاثوليكية تحذف عيد البربارة من تقويمها

ألغت الكنيسة الرومانية الكاثوليكية عيد البربارة من قائمة أعيادها المدرجة في تقويمها في عام 1969؛ بسبب الشكوك حول أسطوريّة وتاريخيّة بربارة، ولاسيما أن الموسوعة الكاثوليكية أكدت أنه بالعودة لجذور المسيحية في العصور القديمة لم توجد أي إشارة إلى القديسة بربارة، كما لم يرد اسمها في النص المنقح الأصلي من Martyrology القديس جيروم، لكن في القرن السابع الميلادي ورد اسم القديسة بربارة في النسخة الموسعة من Martyrology، لكن القديسة بربارة بقيت في قائمة قديسي الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، لأن الناس يحيون الذكرى.

القديسة بربارة شفيعة ضد الموت المفاجئ

أصبحت القديسة بربارة شفيعة لمن يعمل في الأعمال الحربية كطواقم المدفعية، وكذلك شفيعة لعمال المناجم وغيرهم ممن عملوا مع المدافع والمتفجرات، كي تحميهم من الموت المفاجئ أو العنيف أثناء العمل، ففي مدينة سانتا باربارا الإسبانية يضعون تمثالاً للقديسة بربارة في على السفن لحمايتها، وفي الحصون المقامة في إسبانيا لحمايتها من الانفجار.

مدينة سانتا بربارة تخليداً لذكرى القديسة بربارة

أقامت بعثة الفرنسيسكان (وهي بعثة تبشيرية تقيم المدارس والكنائس في المناطق التي تزورها)؛ مدينة سانتا بربارة التي تقع على بعد مئة كيلومتر شمال غربي لوس إنجليس في عام 1602 حيث نجا رئيس البعثة سيباستيان فيزكينو من عاصفة عنيفة في هذه المنطقة خلال هذا العيد، فقام ببناء المدينة تخليداً لهذه القديسة، كما أقيمت مدن أخرى تحمل اسم القديسة سانتا بربارا في كل من البرازيل، تشيلسي، كولومبيا، الهندوراس، المكسيك، فنزويلا، الفلبين، إضافةً للعديد من الكنائس التي حملت اسمها، مثل: كاتدرائية سانتا بربارا في موسكو، وفي التشيك يوضع تمثال القديسة بربارة عند وضع حجر الأساس لمشاريع الأنفاق، كونها شفيعة لعمال المناجم.

يمنح الجيش الأمريكي وسامين للقديسة بربارة

  • وسام القديسة بربارة، ميدالية بلون الذهب مع الشريط الأحمر، تمنح للجنود الذين خدموا لفترة طويلة في الجيش الأمريكي وأحرزوا إنجازات استثنائية.
  • وسام القديسة بربارة وميدالية فضية مع الشريط الأحمر، تمنح للجنود المتميزين في عملهم على المدى الطويل في مدفعية الميدان أو مدفعية الدفاع الجوي.

في الختام.. تعد القديسة بربارة شفيعة لصناع المدافع، المهندسين المعماريين، علماء الرياضيات، عمال المناجم، القوات البحرية، إذ يعتقدون أنها تحميهم من الموت المفاجئ أو الموت العنيف، وهي مثالٌ حيٌ في أذهاننا حول حرية التفكير والدفاع عن المواقف الصحيحة، إنسانة تخلت عن الثروة والجاه، رفضت العائلة والزواج، وتفرغت لعبادة الله، فأصبحت قديسة بنظر كل من عرف قصتها، وكل من احتفل أو سمع بأحد يحتفل بعيدها.

ليالينا الآن على واتس آب! تابعونا لآخر الأخبار