السعال الديكي عند الأطفال: الأسباب والأعراض والعلاج

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الثلاثاء، 14 مارس 2023
السعال الديكي عند الأطفال: الأسباب والأعراض والعلاج

يحدث السعال الديكي (الشاهوق) لدى الأشخاص من جميع الفئات العمرية، لا سيما الرضع منهم والأطفال بين عمر 11-15 عاماً، ويطلق على هذا المرض في الصّين اسم "سعال المئة يوم"، وهو ينجم عن خمج الطرق التنفسية والرئتين ببكتيريا البورديتيلا الشاهوقية (بالإنجليزية: Bordetella pertussis)، وفي هذا المقال، سنستعرض معاً بشكل أكثر تفصيلاً أسباب السعال الديكي عند الأطفال وأعراضه وكيفية تشخيصه وعلاجه.

أسباب الإصابة بالسعال الديكي

تعتبر بكتيريا البورديتيلا الشاهوقية (بالإنجليزية: Bordetella Pertussis) العامل الرئيسي والشائع الذي نعتبره مسؤولاً عن إحداث السعال الديكي عند الأطفال والبالغين على حد سواء.

ويُشار إلى انتماء هذه البكتيريا إلى مجموعة البكتيريا المكوّرة سالبة الغرام (لا تتلوّن بصبغة الغرام المخبرية)، فهي لها شكل عصيّات صغيرة وغير قابلة للحركة، كما تمتاز بهشاشتها وعدم قدرتها على تحمّل البيئات الجافة.

من جهة أخرى، يمكن للبورديتيلا نظيرة الشاهوقية (بالإنجليزية: Bordetella para pertussis) أن تسبب مرضاً قريباً من السعال الديكي، إلا أن أعراضه حدتها أقل، كما يستمر لفترة زمنية أقصر مما هي عليه في السعال الديكي المُحدَث بالبورديتيلا الشاهوقية. [1]

كيفية الإصابة بعدوى السعال الديكي

تحدث العدوى ببكتيريا البورديتيلا الشاهوقية عبر استنشاق الأطفال الأصحاء للقطيرات الهوائية (بالإنجليزية: Droplets) المحمّلة بها، وذلك بعد خروجها من أنف المصاب أو فمه خلال الضحك أو السعال أو العطاس.

ليس هذا فحسب، بل يمكن لهذه القطيرات أيضاً أن تتوضع بعد خروجها من الطرق التنفسية على يد الفرد السليم، لينقلها بحركة خاطئة إلى أنفه أو فمه، مما يؤمن السبيل أمام البورديتيلا الشاهوقية للوصول إلى البطانة التنفسية والتكاثر ضمنها، وصولاً للأعداد الكافية لظهور الأعراض المرضية.

تمتد فترة الحضانة التي تفصل دخول العامل الممرض إلى جسد الإنسان السليم وحتى ظهور الأعراض المرضية ما بين 7-10 أيام في الأحوال العادية، بينما يمكن أن تصل في بعض الحالات الأخرى حتى 21 يوماً.

يُعدّ الفرد المخموج ببكتيريا البورديتيلا الشاهوقية مُعدِياً لغيره بشدّة أثناء المراحل الباكرة المتعلقة بالمرض، ويبقى مصدر خطر لتفشّي العدوى في الوسط المحيط به حتى الأسبوعين التاليين تقريباً لظهور السّعال الشاهوقي. [1]

الآلية الإمراضية لبكتيريا البورديتيلا الشاهوقية

تصل بكتيريا البورديتيلا الشاهوقية (بالإنجليزية: Bordetella pertussis) إلى الطرق التنفسية في جسم الإنسان، لتلتصق بعدها ضمن الخلايا المبطنة وتبدأ عملية التكاثر والنمو لزيادة أعدادها، ثمّ تقوم بإنتاج ذيفانات (مواد سامة) تعتبر العامل الرئيسي المسؤول عن ظهور الأعراض المرضية لدى الأطفال.

كما تخرّب الذيفانات بدورها وظائف الخلايا المبطّنة للسبيل التنفسي، لا سيما قدرتها على طرد الأجسام الغريبة المتجهة نحو السبل التنفسية السفلية خارج الجسم عبر حركة أهدابها المستمرة، لذلك فإن الشفاء من هذا المرض يعتمد بشكل مهم على تجدد الخلايا التنفسية واستعادتها لوظيفتها الطبيعية. [1]

الفئات العمرية المعرضة للإصابة بالسعال الديكي

أشرنا في المقدّمة كيف يمكن لبكتيريا البورديتيلا الشاهوقية أن تصيب جميع الأفراد من مختلف الفئات العمرية، غير أن أشخاصاً وفئات عمرية معينة لها بعض الخصوصية إذا ما أصيبت بالشاهوق، وذلك على مستوى ضرورة التشخيص والتدبير السريعين لها، نذكرها وفق الآتي: [2]

  • حديثو الولادة والرضع والأطفال الصغار: لا سيما أن القدرة المناعية لدى أفراد هذه الفئات العمريّة لا تزال ضعيفة نسبياً أمام مواجهة بكتيريا الشاهوق، كما أن الرُّضَّع تحت عمر ستة أشهر يحملون خطراً عالياً لظهور المضاعفات التي تحدث في المراحل المتقدمة لمرض الشاهوق.
  • الأطفال الكبار والبالغون: الذين لم يأخذوا اللقاح المضاد لبكتيريا البورديتيلا الشاهوقية.

أعراض السعال الديكي عند الأطفال

يستمر مرض الشاهوق (السعال الديكي) عند الأطفال المصابين عموماً بين 6-8 أسابيع، تختلف شدة الأعراض السريرية الظاهرة، وفقاً لعمر الطفل المصاب وحالته المناعيّة، إضافة إلى إصابته المسبقة بمرض الشاهوق أو إذا كان ممنعاً ضده.

يقسم المرض بشكل أساسيّ إلى 3 مراحل لها أعراضها ومظاهرها السريرية الخاصة بها، نستعرضها وفق الآتي: [2]

المرحلة النزلية (Catarrhal Phase)

تلازم هذه المرحلة مريض الشاهوق مدة زمنية تتراوح بين الأسبوع أو الأسبوعين، يشكو الطفل أثناءها من أعراض شبيهة بالزّكام كالاحتقان الأنفي والسيلان المستمرّ منه.

يضاف لها العطاس المستمرّ والسّعال الخفيف والدُّماع مع احتقان الملتحمة العينيّة، هذا ويمكن للحرارة أن ترتفع بشكل بسيط جداً أثناء هذه المرحلة، يعاني الرُّضَّع من سيلان أنفيّ غزير وكثيف جداً؛ مما يتسبب بحدوث انسداد لديهم يعيق عملية التنفس السليمة.

المرحلة النوبية الاشتدادية (Paroxysmal Phase)

تستمر هذه المرحلة 2-4 أسابيع وربما أكثر، تشتد فيها نوبات السعال ويزداد تواتر ظهورها، حيث تظهر سلسلة متتابعة تتكون من 5-10 سعلات إجبارية أثناء زفير واحد.

يعقبها مباشرة محاولة جهيدة كي يأخذ الطفل شهيقاً كبيراً ومفاجئاً، مما يعطي لهذا السعال صفة الشهقة المميزة (بالإنجليزية: Whoop)، يبدو على وجه الطفل خلال نوبة السعال الشاهوقية احمراراً أو ازرقاقاً واضحاً.

كما يلاحظ جحوظ عينيه وازدياد خروج اللعاب والدموع منه، إضافة إلى انتباج أوردته الرقبية، وقد يغيب ارتفاع درجة حرارة الطفل أثناء هذه المرحلة، أو قد يلاحظ ارتفاعها بشكل طفيف جداً.

يتحفز حدوث الإقياء عند الطفل ما بعد نوبة السعال، وهي كافية بشدّة، كي يتوجه الطبيب نحو الشكّ بالإصابة بالشاهوق، والتحري عنه بالوسائل التشخيصية المكملة.

وتمتاز نوبات السعال الشاهوقي بكونها مرهقة ومتعبة جداً للطفل المصاب، كما يمكن تحريضها بالتثاؤب أو العطاس أو الأكل والشرب، وحتى إذا قام الطفل بأي جهد فيزيائيّ (الركض أو المشي السريع واللعب وغيرها).

مرحلة النقاهة (Convalescent Stage)

يلاحظ استمرارها نحو أسبوع إلى أسبوعين لدى الأطفال، وتتناقص فيها نوبات السعال الاشتدادية والإقياء المحرَّض بعدها بشكل تدريجي، كما يمكن للسعال أن يستمر بعدها عدة أشهر.

تشخيص السعال الديكي (الشاهوق)

يُقدِم الطبيب الفاحص على طرح أسئلة عديدة يستفسر عبرها عن الظروف، التي أدت إلى حصول العدوى عند الطفل المريض، إضافة إلى استعراض أدق التفاصيل حول بداية المرض بمرحلته النزلية وأعراضها.

مع صفات السّعال المهمة أثناء المرحلة الثانية (نوبات اشتدادية تحرض الإقياء بعدها)، قد يصعب على الطبيب أحياناً تحديد التشخيص بدقة أثناء أخذ القصة المرضية وإجراء الفحص السريري لدى الرّضع.

إذ تكون المرحلة النزلية قصيرة المدة والنقاهة طويلة نسبيّاً لديهم، كما تغيب الشهقة المميزة للسعال، وقد يحدث توقف التنفس وتظهر الزرقة بشكل واضح لديهم، أما لدى الأطفال الكبار فقد يفتقد السعال ميزته الاشتدادية المهمة، وقد تغيب الشهقة لديهم أحياناً.

يمكن للطبيب الفاحص أن يسمع بإصغاء الصدر خراخر منتشرة في الساحتين الرئويتين، وقد يلاحظ أيضاً نمشاً على وجه الطفل مع نزيف في ملتحمة عينه.

يعمد الطبيب إلى أخذ عيّنة دموية لفحصها مخبرياً، يلاحظ فيها كثرة واضحة لتعداد الكريات البيض على حساب اللمفاويّات، ويتمّ تأكيد التشخيص عبر أخذ مسحة من البلعوم الأنفي للطفل المريض وزرعها على الأوساط المناسبة في المختبر.

حيث يتم الكشف عن عصيات البورديتيلا الشاهوقية ضمن المسحة المأخوذة، تعتبر الاختبارات المصليّة مفيدة في المراحل المتأخرة من المرض، لا سيما إن كانت نتائج الزروعات المخبريّة سلبيّة، حيث يتم الكشف عن الأضداد المناعيّة الجائلة في مصل الطفل المريض والموجهة ضد الذيفانات (السّموم) التي تفرزها البورديتيلا الشاهوقية. [3]

مضاعفات السعال الديكي عند الأطفال

يمكننا أن نجد واحداً من المضاعفات التي تحدث في المراحل المتقدمة عند بعض الأطفال المصابين بالشاهوق: [4]

  1. الإصابة بذات الرئة (بالإنجليزية: Pneumonia) التي تحدث إثر إنتان بكتيري إضافيّ يتعرض له الطفل المريض بعد إصابته بالشاهوق، كأن يتعرض مثلاً للمستدمية النزلية أو العنقوديات المذهبة أو العقديات الرئوية.
  2. حدوث الانخماص الرئوي التالي لانسداد السبل التنفسية المستمر بالسّدادات المخاطية اللزجة.
  3. استنشاق الطفل للإقياء أو المخاط المتراكم في طرقه التنفسية ووصولهما إلى الأسناخ الرئويّة، مما يحرض على نموّ البكتيريا وحدوث ذات الرئة الاستنشاقيّة.
  4. حدوث استرواح الصدر (خروج الهواء من الرئتين إلى التجويف الصدري) كنتيجة تالية لتمزّق الأسناخ.
  5. التهاب الأذن الوسطى بالمكورات الرئوية.
  6. الرعاف ونفث الدمّ، أو حدوث التغوط الزفتي (براز ممزوج بالدمّ) والنزيف تحت الملتحمة أو النزيف ضمن القحف.
  7. حدوث بعض المضاعفات العصبيّة التي تشكل خطراً كبيراً على صحة الطفل، كالاختلاجات أو السّبات.

علاج السعال الديكي عند الأطفال

تقوم الأسس العلاجية المخصصة لمرضى الشاهوق بشكل رئيسي على تأمين الراحة التامة مع تعويض السوائل والشوارد التي فقدها الطفل نتيجة الإقياء، إضافة إلى إعطاء الأدوية الخافضة للحرارة كالباراسيتامول (بالإنجليزية: Paracetamol) إذا ما لوحظ ارتفاعها بعد القياس.

يمكن للمضادات الحيويّة (إريثرومايسين أو كلاريثرومايسين) أن تفيد في القضاء التام على البكتيريا الممرضة خلال 3-4 أيام من الكورس العلاجيّ المحدّد من قبل الطبيب، خصوصاً إذا أعطيت في الأسبوعين الأوليين من ظهور المرض عند الطفل.

بينما تقتصر مهمة المضادات الحيوية على تقليل فرصة انتشار العدوى وتفشيها بين الأفراد الذين يبقون على تماس مع الطفل المصاب دون تخفيف حدة الأعراض أو شدتها إذا ما وصفت أثناء المرحلة النوبيّة الاشتداديّة.

لا يفيد إعطاء المضادات الحيوية في المرحلة الثالثة من المرض، لا سيما أن الأعراض أثناءها تتراجع تدريجياً ويفقد الطفل قدرته تماماً على نقل العدوى لغيره.

تركّز الأسس العلاجية أيضاً على ضرورة رشف المخاط والمفرزات المتراكمة في السبل التنفسية منعاً من تشكل السدادات المخاطية اللزجة التي تعيق عملية التنفس لدى الطفل المريض.

كذلك رشف المواد الخارجة مع الإقياء كي لا يعاد استنشاقها مجدداً إلى السبيل التنفسي، يضاف إلى السابق أهميّة تجنب العوامل التي تثير سعال الطفل المريض مع تأمين التغذية الجيدة له درءاً لاحتمال حدوث نقص الوزن لديه.

ننصح الأمهات أيضاً بضرورة تأمين فترة مبرّرة يغيب فيها الطفل عن مدرسته، وذلك للحفاظ على صحة زملائه ومعلميه ومنع وصول العدوى إليهم. [3]

اللقاح المضاد للسعال الديكي (Vaccination)

يعطى اللقاح المضاد للشاهوق بالمشاركة مع لقاحي الكزاز والدفتيريا ضمن جرعة لقاحيّة واحدة (Diphtheria – Tetanus – A cellular Pertussis) أو (DtaP).

يشير موقع (CDC) إلى أهمية إعطاء هذا اللقاح وفق 5 جرعات عند الأطفال، لتأمين الوقاية التامة والموجهة ضد الكزاز والدفتريا والسعال الديكي معاً، هذا وتترتب الفترات الزمنية المخصصة لتزويد الطفل باللقاح وفق الآتي: [3]

  1. الجرعة الأولى بعمر شهرين.
  2. الجرعة الثانية بعمر 4 أشهر.
  3. الجرعة الثالثة بعمر 6 أشهر.
  4. الجرعة الرابعة بعمر 15-18 شهراً.
  5. الجرعة الخامسة بعمر 4-6 سنوات.

يُشار كذلك إلى إمكانية إعطاء لقاح (Tdap) للأشخاص البالغين الذين لم يتلقوا تمنيعاً موجهاً للأمراض الثلاثة (دفتريا، كزاز، سعال ديكي) خلال طفولتهم.

إضافة إلى أهمية إعطائه للسيدات الحوامل في النصف الثاني من حملهم لتأمين الوقاية المناسبة للجنين تجاه هذه الأمراض. تجدر الإشارة إلى التشابه الكبير بين مكونات لقاحَي (DtaP) و(Tdap)، غير أن الأخير يحتوي على تراكيز مخففة جداً من ذيفان الكزاز والدفتريا. [3]

في الختام، لطالما كان السعال الديكي (الشاهوق) واحداً من الإنتانات التي تصيب الطرق التنفسية، لذا فإن اتباع قواعد الصحة العامة له أهمية كبرى في الوقاية من مخاطر الإصابة بهذا المرض عند الأطفال والبالغين، ومن أهم الاحتياطات الواجب اتخاذها؛ تغطية الأنف والفم بمنديل نظيف عند العطاس أو السعال مع ضرورة التخلص منه بعد استعماله، والحرص على غسل اليدين الجيّد بالماء الفاتر والصابون دوماً، وكذلك تعقيم الأسطح المنزلية وألعاب الأطفال بشكل مستمرّ.

ليالينا الآن على واتس آب! تابعونا لآخر الأخبار