متى يجب زيارة الطبيب النفسي؟

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الأربعاء، 15 فبراير 2023
متى يجب زيارة الطبيب النفسي؟

يتجنب معظمنا زيارة الطبيب النفسي أو العيادة النفسية، نتيجة المخاوف الاجتماعية من النبذ أو الوصم أو النظرة الدونية، إضافة إلى الخوف من تهمة الجنون، لكن واقع الأمر، أن زيارة الطبيب النفسي قد تخفف علينا من أعباء الحياة، كما أنها تحمينا من تطور الأزمات النفسية التي قد تصل إلى ردود فعل خطيرة في بعض الأحيان، لذلك يجب أن تعرف الأعراض التي تستدعي زيارة الطبيب النفسي، إضافة إلى بعض المعلومات والنصائح قبل الزيارة الأولى للمختص النفسي، وذلك ما سنتناوله في هذا المقال.

الفرق بين المعالج النفسي والطبيب النفسي

عادة ما يتم الخلط بين الطبيب النفسي، والمعالج أو المستشار النفسي، على الرغم من وجود اختلافات جوهرية بين المهنتين، تتعلق بنوعية الأمراض أو الأزمات التي يعالجها كل منهما.

وبطريقة العلاج، لكن الفرق شديد الوضوح من التسمية، فالطبيب النفسي، هو طبيب بالدرجة الأولى (Medical Doctor)، تلقى دراسة الطب العام، ثم تخصص في علاج الأمراض العقلية والنفسية.

بينما المعالج النفسي (Therapist)، هو من أتم دراسة علم النفس، وتخصص في علم النفس العيادي أو المعالجة النفسية، ولا يحق للمعالجين وصف الأدوية، على عكس الأطباء النفسيين.

إذ تأتي ضرورة التمييز بين المهنتين، من اختلاف مجال عمل كل منهما، فهناك بعض الأمراض النفسية التي تتطور إلى مراحل معقدة فتتحول إلى أمراض عقلية، لا يمكن للمرشد النفسي الإلمام بها.

كما أن هناك أمراضاً نفسية (عقد) يمكن علاجها من خلال الجلسات النفسية، دون الحاجة إلى الأدوية، أو بالاعتماد على الأدوية البسيطة كالمهدئات منخفضة التأثير.

فيتجه المريض إلى المعالج النفسي، علماً أنَّ المعالج النفسي لا يستقبل الحالات التي تتطلب طبيباً نفسياً، بل يقوم بتحويلها فوراً إلى الطبيب المختص، كما أنَّ الأطباء النفسيين يستعينون بالمستشار النفسي ضمن مجال اختصاصه. [1]

هل يجب زيارة الطبيب النفسي أولاً أم المعالج النفسي؟

عند ظهور الأعراض النفسية التي تستدعي استشارة اختصاصية، ينصح الأطباء بزيارة الطبيب النفسي المختص، الذي يمتلك القدرة على تشخيص الأمراض العقلية والنفسية.

أكثر من المعالج أو المستشار النفسي، حيث يعتبر التشخيص الصحيح للمرض، هو الخطوة الرئيسية في علاجه، ويمكن أنَّ يقوم الطبيب بتحويل المريض إلى المعالج النفسي، حسب الحالة.

كما يجب تجنب زيارة الطبيب العام، أو طبيب الأسرة في حال وجود أعراض نفسية خطيرة، لأن التشخيص الذي سيقدمه لن يكون تشخيصاً احترافياً، حيث يحتم القانون في بعض الدول على الطبيب العام أن يحول المرضى الذين يشكون من أعراض نفسية إلى الطبيب النفسي.

لأن الطبيب العام سيراقب العلامات الحيوية للجسم، وسيبحث عن الفيروسات والجراثيم، لكنه لن يتمكن من معرفة الأسباب النفسية لما يعاني منه المريض بدقة. [1]

أعراض تستدعي زيارة الطبيب النفسي

هناك العديد من الأعراض التي تستدعي منا زيارة المعالج أو الطبيب النفسي، وليس من الصعب رصد هذه الأعراض، حيث إن منها ما يمكن أن يلاحظها الإنسان على نفسه كالأرق والتوتر، ومنها ما يرتبط بأحداث معينة، كفقدان أحد الأحبة، أو التعرض لأزمة عاطفية، إضافة إلى بعض العلامات التي يصعب على الشخص نفسه تمييزها، فيحتاج إلى مساعدة الآخرين للنصيحة والإرشاد.

فيما يأتي نذكر أبرز الأعراض التي تستدعي زيارة الطبيب النفسي: [2]

الشعور بالفقدان

يتعامل الإنسان في حياته مع الكثير من حالات الفقدان، فالموت هو سنة هذا الكون، إلا أن بعض الأشخاص لا يستطيعون تجاوز مرحلة الفقد بسهولة، حيث يؤثر فقدان أحد الأحبة أو الأقارب على حياتهم كلِّها، ويفضل أن يزور هؤلاء الأشخاص مختصاً نفسياً.

يساعدهم على التخلص من أزمة الفقدان التي يمرون فيها، التي غالباً ما تسبب درجات متفاوتة من الحزن، إضافة إلى الأرق وفقدان الشهية، لكن هذه الأعراض لا تكون ذات أصل عضوي، بل تنتج عن أزمة نفسية.

كما يفضل أن يتم عرض الأطفال على الطبيب النفسي، في حال فقدان أحد الوالدين، أو أحد الأشخاص ذوي المكانة المهمة في حياة الأطفال، لأن الأزمة التي يمر فيها الطفل نتيجة الفقدان، قد تتطور لديه لتشكل عقدة نفسية مستديمة، سيكون علاجها أكثر تعقيداً عندما يكبر.

التوتر والقلق

يعتبر التوتر والقلق الدائمين، من أمراض العصر الحديث، نتيجة تسارع الحياة والضغوطات الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة التي يواجهها إنسان العصر الحديث، وقد يتعامل الإنسان باستهتار مع هذا التوتر، إلا أن ذلك سيؤدي لتفاقم الأزمة النفسية وتطورها.

ما يمكن أن يعرض الإنسان لأمراض نفسية خطيرة، لذلك ينصح بزيارة المختص النفسي في حالة الشعور بالضغط والقلق الدائم، وغالباً ما تكون هذه الزيارات قليلة وقصيرة، يحصل من خلالها المصاب بالتوتر والقلق على بعض النصائح والإرشادات، وأحياناً بعض الأدوية، التي ستساعده على الاستمرار بحياة طبيعية.

الشعور بالكآبة أو الاكتئاب

أيضاً تعتبر الكآبة من آفات العصر، وللكآبة العديد من الأسباب، منها ما هو عضوي، مثل: نقص فيتامين د، أو خلل إفرازات الغدة الدرقية، وأغلب أسبابها نفسي، كما أنَّ هناك العديد من المراحل التي يمر بها المصاب بالكآبة.

ومن الممكن أن تقضي على حياته بشكل كامل، إما عن طريق تعطيل قدرته على الاستمرار بالحياة اليومية، أو بلجوء المصابين بالاكتئاب الحاد إلى الانتحار، من جهة أخرى، فإن علاج الاكتئاب يرتبط بأسبابه والمرحلة التي وصل إليها المريض، وكلما كانت الزيارة إلى العيادة النفسية مبكرة مع بداية الشعور بعلامات الاكتئاب، كلما كان العلاج أسرع وأكثر فاعلية.

الرهاب

الرهاب أو الفوبيا هو اضطراب نفسي معروف، يتمثل في حالة من الخوف الهستيري، أو غير العقلاني من بعض الأشياء أو الأشخاص أو حتى المفاهيم.

تختلف درجة الرهاب من شخص إلى آخر، فهي لدى البعض لا تشكل أزمة نفسية عميقة، ولا تتطلب مراجعة الطبيب، ما دام الشخص قادراً على التعايش معها، لكنها لدى البعض الآخر، تصل إلى مراحل هستيرية، قد تؤدي إلى حالات من الإغماء أو الإصابة بنوبات اكتئاب عند التعرض لأسباب الرهاب.

إذ تعتبر زيارة الطبيب النفسي في الحالة الأولى من باب الوقاية من تطور الرهاب، أما في الحالة الثانية، سيكون المطلوب علاجاً نفسياً منظماً.

المشاكل الأسرية

من بين الاختصاصات النفسية الدقيقة، هناك استشاريون أسريون، يختصون بمجال المشاكل الأسرية، سواء المشاكل الزوجية، أو القضايا المتعلقة بتربية الأطفال، ومساعدتهم على اجتياز المراحل العمرية المختلفة بشكل سليم، وتعتبر هذه الاستشارات التي تحصل عليها الأسرة بالغة الأهمية، حتى وإن لم يكن هناك مشاكل مستعصية في حياتها.

المشاكل الاجتماعية والعلاقات العاطفية

هناك بعض المشاكل الاجتماعية التي تستدعي زيارة المختص النفسي، مثل صعوبات الاندماج مع المحيط الاجتماعي، أو الشعور بالنبذ، إضافة إلى التعصب الاجتماعي ضد المرأة، أو ضد الرجل.

كما تعتبر العلاقات العاطفية من الأسباب البارزة التي قد تسبب أزمات نفسية تتفاوت بشدتها، فإذا كنت تعاني من أزمات ما بعد الانفصال، أو الصعوبة في الحديث مع الجنس الآخر، لا تتردد بزيارة المختص النفسي، وستجد لديه ما تريد.

الوقوع في الإدمان

الإدمان من المشكلات التي تحتاج إلى مساعدة كبيرة من المحيط، ومن الاختصاصيين النفسيين، خاصة عندما نتحدث عن أنماط معقدة من الإدمان، وقد يظن البعض أن الإدمان الكيميائي على الكحول، أو التبغ، أو المخدرات، هو أخطر أنواع الإدمان.

لكن هناك أنواع عدة من الإدمان النفسي التي تهدد حياة الإنسان، واستقراره الاجتماعي والأسري، مثل: الإدمان على الجنس، أو الإدمان على ألعاب الفيديو...إلخ.

كما أن للإدمان الكيميائي جانب نفسي لا يستهان به، حيث أوجد العلم الكثير من الطرق للتخلص من التدخين مثلاً، كالسيجارة الإلكترونية الحديثة، لكن في الوقت نفسه، تعتبر مساعدة المختص النفسي في مثل هذه الحالات أمراً ضرورياً، كما تصنف مصحات العلاج من الإدمان، ضمن مصحات العلاج الطبي النفسي.

الأمراض العقلية

في الحالات التي ذكرناها، يمكن زيارة المعالج النفسي أولاً، على الرغم من الأفضلية الدائمة للطبيب النفسي، أما في حالة الأمراض العقلية، فلا بد من زيارة الطبيب النفسي حصراً، لعدة أسباب، أولها أن العلاج غالباً ما يكون دوائياً.

ذلك بالتوازي مع العلاج النفسي، كما أن الأمراض العقلية تكون أكثر تعقيداً واختلاطاً من أن يقوم المعالج النفسي أو الطبيب العام بتشخيصها، ونحن هنا نتحدث عن حالات الذهان، وانفصام الشخصية بأنواعه، والاضطرابات الحادة الناتجة عن الكوارث النفسية والصدمات، كالتعرض للتحرش الجنسي أو الاغتصاب، أو العودة من الحرب...إلخ.

انعدام الأسباب العضوية للأعراض المرضية

هناك بعض الأعراض الصحية، التي تجبر طبيبك العام على القيام ببعض التحاليل، لكن إذا لم يتمكن من إيجاد أسباب عضوية لهذه الأعراض، فأنت أمام أزمة نفسية مختبئة، وغالباً ما تتمثل هذه الأعراض في نقص أو فرط في الشهية، أو أعراض جلدية (الطفح، البهاق...إلخ).

إضافة إلى آلام البطن وتشنج القولون العصبي، كذلك آلام الرأس المستمرة، الشعور بالخمول، انعدام النشاط، في هذه الحالات، لا تتردد في مراجعة طبيبك النفسي. [2]

نصائح قبل الزيارة الأولى للطبيب النفسي

غالباً ما يتجنب الناس زيارة الطبيب النفسي خوفاً من الضغوطات الاجتماعية، التي سيتعرضون لها إذا عرف المحيطون بهم أنَّهم يتلقون المساعدة من المختص النفسي.

هنا يجب التنبيه، فعلى المحيط الاجتماعي أن يكون متعاوناً إلى أقصى الحدود مع الأشخاص الذين يتلقون العلاج النفسي، وغالباً ما يكون هذا التعاون هو التعامل الطبيعي، دون أن يتطرقوا إلى هذه الزيارة أو نتائجها (إلا إذا طلب الطبيب ذلك).

من جهة ثانية، فإذا كنت بحاجة لزيارة طبيبك النفسي، تذكر أن السرية من صلب عمله، ولن يبوح بأسرارك التي تقولها له إلا لأسباب طبية بحتة، لذلك كن مطمئناً، كما لا يجب أن تتعامل مع الزيارة الأولى على اعتبارها كافية لتقييم التجربة.

حيث ستكون هذه الزيارة مجرد تعارف بينك وبين الطبيب، سيحاول الطبيب خلالها أن يشكِّل تشخيصاً أولياً عن الحالة، لذلك لا تتوقع نتائج مبهرة من الزيارة الأولى، كما أنَّ هناك النصائح التي يجب اتباعها قبل الزيارة الأولى.

حاول أن تتبع هذه النصائح قبل الزيارة الأولى للطبيب النفسي: [1]

  • لا مانع من اصطحاب أحد الأصحاب أو الأقارب إذا كنت تشعر أنَّهم سيساعدون في وصف الحالة، ولا مشكلة في ذهابك وحيداً.

  • حاول أن تسجل الأعراض التي تعاني منها على ورقة كي لا تنسى بعضها أثناء الجلسة، سيساعد ذلك على التشخيص الصحيح.
  • اسأل الطبيب في أي شيء دون تتردد، فإن لم تفهم أمراً ما، اسأل الطبيب بوضوح، لأن فهمك للمشكلة جزء من العلاج.
  • إذا كانت لديك أي سوابق بتناول أدوية نفسية، أو العلاج من الاضطرابات النفسية، فخذ معك سجلك الطبي.
  • إذا كنت تعاني من أي مشاكل عضوية، خاصةً ما يتعلق بالغدد، أو إذا كنت تتناول أي أدوية، خذها معك، لأن ما تعاني منه قد يكون من الآثار الجانبية لأدويتك.
  • يجب أن تكون صريحاً جداً في طرح مشكلتك، لأن الطبيب لن يتمكن من تحديد المشكلة بدقة، إلا إذا قدمت له المعلومات الصحيحة والكافية.

متى يجب تغيير الطبيب النفسي الذي يعالجك

يعتبر التواصل الفعال بين الطبيب والمريض، من أهم عوامل نجاح العلاج، وهو ما يطلق عليه عنصر الثقة، كما يأخذ هذا العامل حيزاً أكبر في الحالات النفسية، خاصة في حالات العلاج بالوهم، وجلسات الاستماع، إضافة إلى التحليل النفسي.

لذلك يجب أن تكون متأكداً من ارتياحك لطبيبك النفسي، ولا تتردد في زيارة طبيب آخر إن لم تكن مرتاحاً مع طبيبك، كما أنَّ هناك بعض الأمور التي قد تساعد في اتخاذ القرار بتبديل الطبيب: [3]

  • إذا جربت نوعاً أو أكثر من مضادات الاكتئاب ولم تأخذ النتيجة المرجوة.
  • إذا كان طبيبك قد قدم أكثر من تشخيص خلال الجلسات، أو إذا كان لديك تشخيص مختلف من عدة أطباء.
  • إذا لم تشعر بالتوافق بينك وبين الطبيب.
  • إذا لم تحصل على النتائج المرجوة من العلاج، أو شعرت بآثار جانبية للأدوية.
  • إذا شعرت أن الأدوية التي تحصل عليها من طبيبك كثيرة أو غير فعالة.

ختاماً، التأخر في زيارة الطبيب النفسي قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، فالعديد من الحوادث السيئة التي تحدث لنا خلال اليوم، تنتج عن ضغوط نفسية، يجب أن نعترف بوجودها، ويجب أن نترك علاجها لأصحاب الاختصاص.