متى يمشي الطفل؟ خطواته الأولى ودعم نموه الحركي

حين تسألين نفسكِ متى يمشي الطفل؟ فأنتِ في الحقيقة لا تبحثين عن رقم محدد، بل تبحثين عن فهم أعمق للنمو الحركي والعاطفي لصغيرك. لحظة المشي الأولى ليست مجرد خطوة صغيرة يخطوها طفلك، بل هي بداية مرحلة جديدة من حياته، وامتداد مشاعرك كأم بين الفخر والدهشة والقلق اللطيف.

في هذا المقال، سنأخذك في رحلة تفصيلية حول العمر الطبيعي لمشي الطفل، وما هي علامات تدل على قرب مشي الطفل، وكيف تحدث هذه العملية تدريجياً في جسمه، وكيف يمكنكِ دعم وتسهيل تعليم المشي للأطفال بأسلوب علمي وعملي في الوقت نفسه.

متى يمشي الطفل؟ الفهم العلمي والعملي لأول محطة استقلال في حياته

سؤال متى يمشي الطفل؟ قد يبدو بسيطاً، لكنه في الحقيقة يخضع لتفاوتات كبيرة بين طفل وآخر. فالمشي ليس مهارة عضلية فقط، بل هو مزيج من:

• النضج العصبي.
• قوة العضلات.
• التوازن.
• البيئة المحفّزة.
• الجينات.
• التغذية.

ولذلك، عندما نتحدث عن متى يبدأ الطفل بالمشي؟ فإننا نتحدث عن نطاق طبيعي واسع وليس وقتاً محدداً.

العمر الطبيعي لمشي الطفل

وفق الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال، فإن العمر الطبيعي لمشي الطفل يتراوح بين:

• 9–12 شهراً: يبدأ بعض الأطفال بالوقوف والحبو والاتزان.
• 12–15 شهراً: العمر الأكثر شيوعاً للمشي المستقل.
• 15–18 شهراً: ضمن الحدود الطبيعية تماماً.

لا يُعتبر التأخر مقلقاً إلا إذا تجاوز الطفل 18 شهراً دون أي محاولة للمشي مع وجود مؤشرات أخرى مثل ضعف العضلات.

علامات تدل على قرب مشي الطفل: كيف تعرفين أن الخطوة الأولى أصبحت قريبة؟

كي تشعري بالاطمئنان، هناك مجموعة من العلامات الواضحة التي تشير إلى اقتراب حصولك على إجابة "متى يمشي الطفل؟"، وعند ظهورها يمكنك توقع الخطوات الأولى خلال أسابيع أو أشهر قليلة. إليك أهم علامات قرب مشي الطفل:

1. الوقوف لعدة ثوانٍ دون دعم: عندما يقف طفلك بمفرده ويحاول الحفاظ على توازنه، فهذه من أقوى العلامات التي تدل على أنه جاهز للخطوة القادمة.
2. المشي بمساعدة الأثاث: مثل دفع الكرسي أو التمسك بالطاولة والتنقل حولها. هذا يُعرف بـ "Cruising" وهو مرحلة مهمة في تعلم التوازن.
3. محاولة الانحناء والتقاط الأشياء: عندما يحاول طفلك الانحناء على الأرض وهو واقف، فهذا يعني أن عضلات الساقين أصبحت أقوى.
4. النهوض دون الحاجة إلى التمسك بشيء: هذه علامة ذهبية تشير إلى أن المشي أصبح قريب جداً.
5. الرغبة المتزايدة في الحركة: يزداد الفضول والحماس عند الطفل، فيبدأ بالتحرك من غرفة لأخرى بأي طريقة ممكنة: زحف، دحرجة، أو حبو سريع.
6. تنسيق أفضل بين اليدين والقدمين: التوازن بين الأطراف الأربعة هو أساس المشي.

هذه العلامات تساعدك على تقدير متى يمشي الطفل بدقة أكبر، وتُشعر الأم بأن الطريق أصبح واضحاً أمامها.

كيف يتعلم الطفل المشي؟ المراحل التي يمر بها قبل أن يخطو بثقة

من المهم أن تعرفي أن تعليم المشي للأطفال لا يبدأ عندما يقف الطفل فقط، بل هو نتاج مراحل سابقة تبدأ منذ الشهور الأولى.

دعينا نستعرض تسلسل هذه المراحل بشكل مبسط:

المرحلة 1: التحكم بالرأس (0–3 أشهر)

مفاجئ أليس كذلك؟

لكن نعم… التحكم بالرأس هو أول لبنة في بناء عملية المشي.

المرحلة 2: الجلوس المستقل (6–8 أشهر)

الجلوس يعزز من قوة عضلات الظهر والجذع، وهي ضرورية للوقوف لاحقاً.

المرحلة 3: الحبو أو الزحف (7–10 أشهر)

الحبو ليس مجرد حركة انتقالية، بل هو تدريب كامل على التوازن والتنسيق بين اليدين والقدمين.

المرحلة 4: الوقوف بمساعدة (9–12 شهراً)

يقف الطفل ممسكاً بالأثاث ويحاول التوازن. هنا تبدأ أولى محاولاته لتحمل وزنه على قدميه.

المرحلة 5: المشي بمساعدة (10–13 شهراً)

يمشي وهو ممسك بيد أحد والديه أو الأثاث.

هذا التمرين يعلمه أحد أهم قوانين الحركة: نقل الوزن بين الساقين.

المرحلة 6: المشي المستقل (12–15 شهراً)

الخطوات الأولى تكون قصيرة ومترددة، لكن مع مرور الأيام تصبح أكثر ثباتاً وثقة.

عوامل تؤثر على متى يمشي الطفل

هناك عدة عوامل لها دور كبير في تحديد متى يبدأ الطفل بالمشي ومنها:

• العامل الوراثي: غالباً يتبع الطفل نمط المشي لدى أحد الوالدين.
• الوزن: الأطفال الأكثر وزناً قد يحتاجون لوقت أطول في بناء القوة العضلية.
• البيئة المحفّزة: الطفل الذي يُمنح مساحة آمنة للحركة يمشي أسرع من طفل يُحمل طوال الوقت.
• التغذية: الكالسيوم، فيتامين (د)، الحديد، والبروتين أساسية لنمو العظام والعضلات.

تعليم المشي للأطفال: كيف تدعمين طفلك خطوة بخطوة؟

لا يوجد شيء أجمل من رؤية صغيرك يخطو نحوك للمرة الأولى. ولتحقيق ذلك بطريقة صحية وآمنة، إليك أهم الطرق العلمية وأفضل طرق تعليم المشي للأطفال في المنزل التي ينصح بها الخبراء:

1) ممارسة الوقت على البطن (Tummy Time)

ممارسة الوقت على البطن يقوّي الرقبة والظهر ويحفّز الطفل على رفع جسمه، مما يعده للجلوس ثم المشي.

2) خلق بيئة آمنة للحركة

احرصي على توفير منطقة بثلاث قواعد مهمة:

• ناعمة.
• فسيحة.
• خالية من الزوايا الحادة.

3) تشجيع الطفل على محاولة الوقوف

اجلسي أمامه وامسكي يديه برفق ودعيه يحاول الوقوف. لا تسحبيه للأعلى، بل دعيه يدفع بنفسه.

4) الألعاب المشجعة على المشي

وضع الألعاب على رف منخفض أو على الطرف الآخر من الغرفة يحفز الطفل على الزحف والوقوف والمشي.

5) ترك الطفل يمشي حافياً داخل المنزل

هذا يساعد على تطوير إحساس القدم بالأرض وتحسين التوازن.

6) تجنب المشايات التقليدية

منظمة الصحة العالمية تحذر من استخدامها لأنها:

• تؤخر المشي.
• تضع الطفل في وضعيات غير طبيعية.
• تزيد من خطر السقوط.

بدلاً منها: يمكن استخدام عربات الدفع الآمنة.

متى يكون تأخر المشي مشكلة تستدعي استشارة الطبيب؟

بشكل عام، لا يعتبر التأخر مصدر قلق إلا إذا ظهرت بعض الإشارات مثل:

• عدم القدرة على الوقوف حتى مع المساعدة عند 12 شهراً.
• عدم المشي عند 18 شهراً.
• ضعف واضح في عضلات الساقين.
• فقدان أحد الأطراف لمرونته مقارنة بالآخر.

إن شعرتِ بالقلق، من الأفضل زيارة الطبيب لتقييم الوضع.

في الختام، لا تقارني طفلك بغيره، فكل طفل له إيقاعه الخاص. توقعي منه أن يسقط ثم ينهض مرة أخرى، فهذا جزء طبيعي من تعليم المشي للأطفال. المهم أن يشعر بالأمان، وأن يجدك دائماً بجانبه تشجعينه بابتسامة وثقة.

ولتبقى إجابة السؤال: متى يمشي الطفل؟ هي: عندما يكتمل نموه الحركي والعصبي والعاطفي معاً، بومضة جميلة لا تُنسى في حياته وحياتك.

مواضيع ذات صلة