التفكير الإيجابي وأثره على حياتنا

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الإثنين، 25 نوفمبر 2019
التفكير الإيجابي وأثره على حياتنا

في العقود القليلة الماضية ظهر عشرات الدعاة إلى التفكير الإيجابي والتفاؤل، واستندوا بدعوتهم هذه إلى جملة من الأبحاث النفسية والاجتماعية والطبية عزَّزوها بتجاربهم الشخصية.

لكن المبالغة بالدعوة وتصوير التفكير الإيجابي كضربٍ من ضروب السحر أوجد فئة كبيرة تعارض هذا التصور وتشكِّك في مدى فعَّالية التفكير الإيجابي والتفاؤل بمواجهة واقع الحياة.

سنحاول وإياكم أنْ ننظر إلى التفكير الإيجابي بعيداً عن المبالغة والكلام الإنشائي لنتمكن من الوصول إلى التأثير الحقيقي للتفكير الإيجابي على صحتنا وحياتنا الاجتماعية ومستوى دخلنا.

التفكير الإيجابي وجهة نظر مبنيَّة على تفكير عميق

التفكير الإيجابي من المفاهيم التي لاقت رواجاً كبيراً في الفترة الأخيرة، كما واجه التفكير الإيجابي الكثير من الانتقادات نتيجة تناوله بصورة حالمة وكأنَّه انفصال عن الواقع، فهل هو كذلك؟

يمكن أن نشير إلى التفكير الإيجابي كآلية يتبعها الأشخاص المتفائلون في توقعاتهم وتعاملهم مع الأحداث اليومية.

ومن الظلم أنْ ننظر إليه كانفصال عن الواقع ما دام يقوم في جوهره على مفاضلة عقلية وعاطفية بين التعامل مع الأمور من موقف الهزيمة والتعامل مع ذات الأمور من موقف التقبُّل أو حتَّى البحث عمَّا هو جيد في حدث سيء.

ويمكن أن نقسم التفكير الإيجابي إلى قسمين رئيسيين من حيث الهدف:

  • التفكير الإيجابي فيما يتعلق بالمستقبل.
  • التفكير الإيجابي بالأحداث الراهنة أو تقبل الأمور بشكل إيجابي.

فالتفكير الإيجابي هو موقف عقلي وعاطفي يحاول أن يركز على الأجزاء الأفضل من الحياة

يدافع الإيجابيون عن أنفسهم بقولهم أنَّ الفرق بينهم وبين السلبيين فقط هو وجهة النظر، فبينما يتعامل الشخص السلبي مع الحدث متوقعاً الأسوأ يتعاملون هم مع ذات الحدث من خلال توقع الأفضل.

أو البحث عن طريقة للاستفادة من ذات الحدث ليكون أفضل.

ويمكن أن نقرَّ بالتفكير الإيجابي بالأحداث والأمور الراهنة كوسيلة أفضل للتعايش مع طبيعة الحياة، فالحدث الذي يقع يصبح من الماضي.

ولا شك أنَّ القادر على تجاوز الأحداث السيئة والمضي قدماً سيتمكن من إحراز نتائج أفضل على جميع الأصعدة مقارنة بالواقف على الأطلال.

لكن يبقى السؤال فيما يتعلق بالتفكير الإيجابي نحو المستقبل، فهل حقاً سيجلب التفاؤل ما هو أفضل؟ أوَليس من الأسلم أن يتوقع الإنسان ما هو أسوأ ليستعد جيداً؟ ومن قال أن التفكير الإيجابي يعني غضَّ النظر عن الاحتمالات السيئة؟!.

ببساطة؛ لنستفيد من التفكير الإيجابي بالمستقبل لا بد أن نتمكن من تحديد كل خياراتنا بطريقة عقلية تمنحنا إدراكاً كاملاً للمخاطر التي تحيط بأي فكرة أو خطة نريد القيام بها.

لكن التركيز على النتائج الجيدة وتعزيزها هو العمود الفقري لمفهوم التفكير الإيجابي.

فوائد التفكير الإيجابي وتأثيره

لا بد أن معظمنا قد سمع عن فوائد التفكير الإيجابي، فهناك العديد من الكتب والمحاضرات والبرامج المصوَّرة التي تحاول أن تحفز الناس ليكونوا إيجابيين، لكن هل هناك أبحاث حقيقية تثبت أن التفكير الإيجابي يؤثر على حياتنا بشكل ما؟!.

التفكير الإيجابي والصحة الجسدية

أجرت منظمة (Johns Hopkins Medicine) بحثاً حول انعكاس التفكير الإيجابي على صحة القلب، وقد كانت النتيجة لصالح الأشخاص الذين يتميزون بموقف إيجابي من الحياة.

حيث تم تقييم هذا الموقف من خلال أدوات تقييم الرضا عن الحياة، أدوات تقييم القلق، أدوات تقييم البهجة.

أشارت نتيجة البحث إلى أن الأشخاص الإيجابيين الذين يمتلكون تاريخاً عائلياً من أمراض القلب أقل عرضة للإصابة بمشاكل قلبية من أولئك الذين يمتلكون تاريخاً عائلياً إلى جانب تفكيرٍ سلبي أو موقف سلبي من الحياة.

وعلى الرغم من الرابط الغامض بين الإيجابية والصحة -كما تشير الدراسة- إلا أنَّه من الواضح وجود صلة قوية بين التفكير الإيجابي والصحة الجيدة.

كما يبدو أن التفكير الإيجابي يساعد الناس على اتخاذ قرارات أفضل والتركيز على الأهداف طويلة الأمد.

يزداد الاهتمام العلمي بالرابط بين التفاؤل والصحة، فهناك العديد من الدراسات التي تشير إلى احتمال وجود هذا الرابط وتأثيره الكبير على صحة الإنسان.

لكن أغلب الدراسات تشير بشكل غامض إلى هذا الرابط وتتوقع أنَّ دراسات مقبلة ستصل إلى نتائج قاطعة في هذا الصدد.

التفكير الإيجابي والصحة النفسية

إذا كانت العلاقة بين التفاؤل والصحة الجسدية ما تزال غامضة فإن الأمر أقل غموضاً عندما نتحدث عن التفكير الإيجابي والصحة النفسية.

هذا على الأقل ما يشير إليه موقع منظمة (The Pursuit of Happiness) بعد أن جمع نتائج دراسات مختلفة وناقشها، حيث تبين أنَّ التفاؤل والتفكير الإيجابي يرتبطان بشكل قوي باستجاباتٍ أفضل لصعوبات الحياة.

كما يرتبط التفكير الإيجابي أو التفكير المتفائل "ارتباطاً إيجابياً" باحترام الذَّات والرضا عن الحياة، فضلاً عن كون التفكير الإيجابي إجراء وقائي وعلاجي بمواجهة الاكتئاب والقلق.

فالأشخاص الذين يتمتعون بمَلَكَة التفكير الإيجابي يستطيعون التعامل مع الخيبات أو الصدمات بطريقة أفضل، هذا طبعاً إن لم يتخطوا عتبة التفكير الإيجابي إلى الانفصال عن الواقع!

لمعلومات أكثر عن آثار التفاؤل على صحتنا النفسية والجسدية ننصحكم بزيارة هذا الرابط.

الرابط بين التفكير الإيجابي وتنمية المهارات

تُعتبر باربرا فريدريكسون (Barbara L. Fredrickson) من أبرز الباحثين في علم النفس الإيجابي (Positive Psychology).

وفي علاقات الأفكار والمشاعر الإيجابية بحياتنا، كما تعتبر نتائج دراساتها مرجعاً للكثير من الأبحاث والدراسات حول الموضوع نفسه.

تعتمد نظرية فريدريكسون على أنَّ المشاعر الإيجابية تلعب دوراً أساسياً ببقائنا واستمرارنا، كمشاعر الحبِّ والامتنان والفرح...إلخ، هذه الأفكار الإيجابية تساعد الناس على الانفتاح بمواجهة أفكار جديدة واكتساب مهارات جديدة.

كما أنَّها تساعدهم على إيجاد موارد فكرية أكثر خصوبة وتشعباً، فيما يضطر أصحاب التفكير السلبي إلى اتخاذ موقف دفاعي من الحياة يجعلهم أقل انفتاحاً وتطوراً، بل وتمسكاً بما لديهم على حساب البحث عمَّا هو أفضل.

كيف يؤثر التفكير الإيجابي على مستوى الدخل؟!

ربما يبدو الأمر مبالغاً به عندما نقول أن التفكير الإيجابي ينعكس على مستوى الدخل، لكن إذا فكرنا مجدداً بعيداً عن التشكيك المسبق سنجد أن ذلك ممكن جداً.

فالتفكير الإيجابي الذي يجعل من الشخص أكثر تقبلاً لعمله وأكثر قدرة على تنمية مهاراته بل وأكثر انفتاحاً على أفكار وتجارب جديدة كما ذكرنا سابقاً.

فمن الطبيعي أن ينعكس ذلك على نوعية عمله ويقدم له فرصاً وخيارات مختلفة، ولا بد أنَّ قدرته على تقبل الأزمات والتعامل معها بهدوء ستساعده على الارتقاء بسلمه الوظيفي وستمنحه المزيد من العلاوات المالية والمكافآت.

وفي دراسة نشرتها مجلة (Journal of Economic Psychology) عام 2009 وأعاد نشر نتائجها موقع (Science Direct)، تبين أن التفكير الإيجابي ينعكس بشكل مباشر وغير مباشر على مستوى دخل الموظفين.

لذلك لا يجب أن يفكر العمال والموظفون بتنمية قدراتهم وحسب بل يجب أن يعيدوا النظر بموقفهم العام وأن يسعوا لبناء موقف إيجابي.

لا بدَّ أن التفكير الإيجابي مفهوم يستحق منَّا عناء التجربة على الأقل

السؤال الأول الذي يجب أن نطرحه هنا هو: هل من الممكن للأشخاص المتشائمين أن يكتسبوا القدرة على التفكير الإيجابي؟!

عموماً ربما يميل الإنسان أكثر لأن يكون سلبياً ومستسلماً للضغط الراهن وإيجابياً تجاه المستقبل، لكن حتَّى الأشخاص الذين يتميزون بتفكير سلبي لن يكونوا سعداء بتوقعهم الأسوأ دائماً!

كما أنَّ تمسكهم بالتفكير السلبي يأتي من رغبتهم في حماية أنفسهم من خيبات الأمل أو نتيجة لتعرضهم لخيبات أمل كبيرة في حياتهم.

إذا أعدنا النظر في النتائج التي توصلت إليها الدراسات حول آثار التفكير الإيجابي سنجد فيها سبباً كافياً يدعونا إلى المحاولة، حتَّى وإن كانت في بعض المفاصل مجرد نتائج محتملة.

إلَّا أنَّها تستحق التجربة، فعلى الأقل ستكون الحياة أقل توتراً وأكثر سعادة لمجرد أنَّنا نبحث عن الأفضل دائماً.

لا يوجد وصفة سحرية تجعل منَّا أشخاصاً إيجابيين

قبل أن نذكر بعض الأمور التي تساعدنا على تحسين موقفنا من الأحداث والأشخاص المحيطين بنا لا بد أن نشير إلى بطلان الوصفات الجاهزة.

فلا بد أن يحمل التفكير الإيجابي هوية الشخص نفسه، ولا بد أن يبحث كلٌّ منا عن الطريقة التي تناسبه هو دون غيره، وهذا لا يتعارض مع مشاركة التجربة وذكر الخطوات الأهم على طريق التفكير الإيجابي.

1. التفكير بما هو جيد مما يحيط بنا

واحدة من أهم مراحل التفكير الإيجابي هي البحث عن أمور نشعر نحوها بالامتنان، هذه المرحلة التي تعتبر تمهيدية تقوم على التفكير أكثر بما هو جيد في حياتنا.

ربما سنفكر بالأشخاص المهمين في حياتنا أو الأمور الجيدة التي حدثت لنا وما تزال تؤثر في حياتنا، كما أنَّ كتابة هذه الأمور التي تشعرنا بالسعادة ستساعدنا أكثر ببناء تصوُّر إيجابي نحو حياتنا.

2. تحديد ما هو سلبي بشكل دقيق

كي لا يتحول التفكير الإيجابي إلى حالة غير عقلانية لا بد أن نفكر بالأمور السلبية الحقيقية بالتوازي مع البحث عن الإيجابيات، فلا أحد يستطيع أن يتجنب الشعور بالأسى تجاه حدث غير متوقع من شأنه أن يفسد خطةً محكمة.

لكن لا بد أن نحافظ على توازننا وأن نمضي قدماً في البحث عن الحلول من خلال تقييم المشكلة تقييماً صحيحاً مبنياً على تحديد الإيجابيات والسلبيات في كل من الخطة والنتيجة والحل.

3. إعادة تقييم التجارب السابقة من زاوية إيجابية

النظر إلى الأمور من زاوية مختلفة، وهذا لا يقتصر فقط على الأفكار أو التجارب الراهنة بل يجب أن نعيد تقييم التجارب السابقة من وجهة نظر مختلفة.

هنا لا نطلب أن يتم تقييم كل التجارب باعتبارها جيدة! لكن لا بد من إعطاء فرصة للجوانب الإيجابية من التجارب السابقة لتبرز نفسها.

4. العقل يستمع لما نقوله! لنكن إيجابيين

وفق النظرية التي تقول أن العقل الباطن يستمع إلينا ويتخذ موقفاً مما نقوله فلا بد من إعادة التفكير بردَّة فعلنا تجاه ما نواجهه من عقبات.

وبالكلمات التي نستخدمها عندما نتعرض لمواقف معينة، فيجب أن نجعل خطابنا لأنفسنا وللمحيطين بنا أقل سخطاً وأكثر هدوء.

5. مراقبة الشكوى تحفز الأفكار الإيجابية

الشكوى المستمرة تعزز من الموقف السلبي، لذلك يجب أن نحاول التقليل من الشكوى وأن نحتفظ ببعض الهموم لأنفسنا لنتمكن من معالجتها وإعادة التفكير بها.

كما يجب أن نختار أشخاصاً مناسبين لنخبرهم بما نشعر به من حزن أو إحباط، فلا بد أننا نحتاج إلى من يساعدنا على تجاوز المشاعر السلبية لا من يجعلنا نغرق أكثر!.

أفكار واقتراحات لتعزيز التفكير الإيجابي

  • يجب أن نتذكر دائماً أن الفشل في تجربة ما لا يعني النهاية، وكلما استطعنا التخلص من الشعور السلبي تجاه الإخفاق كلما استطعنا النهوض والاستمرار أسرع وبقوة أكبر.
  • يجب أن ينصبَّ تركيزنا على بداية اليوم، فغالباً ما تعني البداية الإيجابية يوماً جيداً، كما تعني البداية السلبية نهاراً سيئاً.
  • بعض الوقت المخصص للاسترخاء والاستراحة سيشكل نقلة نوعية في طريقة تفكيرنا وتعاملنا مع أنفسنا ومع المحيط.
  • الابتسامة تلعب دوراً رئيسياً في حياتنا اليومية، فابتسامة صغيرة من شأنها أن تغير موقف الآخرين وطريقة تعاملهم، كما أنَّ الابتسامة يمكن أن تغير مزاجنا حتَّى وإن كانت ابتسامة مصطنعة، حيث يقول الراهب البوذي والمعلم الروحي الفيتنامي (Thich Nhat Hanh): "في بعض الأحيان يكون الفرح هو مصدر ابتسامتك، ولكن أحياناً يمكن أن تكون ابتسامتك هي مصدر الفرح".
  • إن التخلي عن دور الضحية وتحمُّل مسؤولية ما نفعله وما نقوله سيساعدنا على تقييم المواقف والأفكار بطريقة أفضل، وإنشاء تصوِّر أوضح لما نريده وما نسعى إليه.
  • يجب أن نتخلى عن ربط الأحداث السيئة مع بعضها وكأنَّها مؤامرة، فلا يوجد علاقة فعلية بين استيقاظنا متأخرين وبين عطل في السيارة، كل حدث منفصل عن الآخر ويجب التعامل معهما بشكل منفصل.

أخيراً... أفضل ما في الأمر أن التفكير الإيجابي مجاني؛ بل من الممكن أن ينتج عنه مكافأة نفسية أو صحية أو حتَّى ماديَّة بمواجهة الأفكار السلبية "المجانية أيضاً" لكن دون أي توقعات بنتائج جيدة.

ولا بد أن نشير مجدداً إلى أن التفكير الإيجابي ليس وصفة يجب التقيد بها بحرفيتها، بل هو مفهوم وأسلوب حياة يجب أن نقتنع به لنحقق منه أكبر فائدة ممكنة.

لذلك لا بد أن نخلق أساليب خاصة بنا تساعدنا على تجاوز المشاعر السلبية وتخليق المشاعر الإيجابية.

ليالينا الآن على واتس آب! تابعونا لآخر الأخبار