العلاج السلوكي المعرفي (CBT)

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الإثنين، 25 نوفمبر 2019
العلاج السلوكي المعرفي (CBT)

لأفكارنا وخواطرنا صلة كبيرة بما نشعر به خلال ظرف أو مشكلة معينة قد تعترضنا خلال سير حياتنا اليومي، لتواصل تأثيرها بالمقابل على مجموعة السلوكيات والتصرفات المبنية التي تأتي كرد فعل لمشاعرنا وعواطفنا، لقد توضحت الصلة القائمة بين الأفكار والمشاعر والسلوكيات بشكل كبير على يد الطبيب النفسي آلبرت إليس (Albert Ellis) عام 1955 لتتطور بشكل أكبر من قبل الطبيب النفسي الأمريكي آرون بيك (Aaron Beck) في ستينات القرن الماضي، وقد حققت هذه الطريقة العلاجية نتائجاً مذهلة على مستوى مرضى الإكتئاب والرهاب الاجتماعي.

العلاج يبدأ بالحديث عن الأفكار غير المنطقية التي تسبب المشكلة النفسية

يعتبر العلاج السلوكي المعرفي نمطاً خاصاً من العلاج الكلامي (Talk Therapy) الذي يلجأ إليه أخصائيو الطب النفسي لعلاج مرضاهم بشكل مستقل أو مترافق مع العلاج الدوائي. يقوم العلاج السلوكي المعرفي على إيضاح الأفكار السلبية التي تتوافد على ذهن الفرد الواحد منا، وعلاقتها مع مشاعرنا وسلوكياتنا التي تبدو كاستجابة تالية لهذه الأفكار.

وبمعنى أكثر شمولية ووضوحاً؛ يعتمد هذا النمط من العلاج على استبدال الأفكار غير المنطقية وتغييرها بما هو أكثر اتزاناً وواقعية لتحقيق الراحة النفسية المرجوة من قبل المريض، إضافة إلى تدريبه على تفكيك المشكلة الحالية إلى أجزاء بسيطة يسهل التعامل معها، سواء كانت هذه المشاكل أعراضاً مرضية أو مشاعر حزن حديثة العهد أو مشكلة طلاق أو توتر العلاقة مع أحد الأفراد وغيرها، مع توضيح السبب الأكثر عقلانية لها كي نتمكن من إيجاد أفضل الحلول وأنسبها، مخففين بذلك من حدة المشاعر المبالغ بها والتصرفات المترتبة عليها.

لمزيد من التوضيح، سنتخيل على سبيل المثال أن فرداً ما قد راجع طبيباً نفسياً بأعراض تتعلق بمرض الإكتئاب، كابتعاده عن الأوساط الاجتماعية وخموله الواضح الذي أثر على إنتاجيته على الصعيد المهني، مدّعياً أن لا فائدة مرجوة من مزاولة عمله وفشله الدائم في النجاح وتحقيق الأفضل في العمل. تأتي هنا مهمة الطبيب النفسي بتشخيص الحالة وتحديد درجة الاكتئاب، شارحاً لمريضه الأسباب الواقعية التي تحول بينه وبين مزاولة نشاطاته، والتي تتعلق بتبدلات معينة على مستوى النواقل العصبية الكيميائية (Neurotransmitters) التي أثرت بشكل كبير على أفكاره ومشاعره وسلوكياته، مدرباً مريضه على إزاحة الأفكار السلبية (الفشل) واستبدالها بما هو أكثر واقعية منها (حقيقة المرض)، ووضع الأهداف الخاصة بهذا العلاج والتي سيستعيد معها المريض حيويته ونشاطه، مشيرين إلى أن هذا العلاج قد يتشارك مع وصف الأدوية المضادة للاكتئاب، وفقاً لدرجة المرض وشدته.

الحالات النفسية التي يستهدفها العلاج السلوكي المعرفي

يستفيد مرضى الاكتئاب بشكل ممتاز من العلاج السلوكي المعرفي، ولاسيما على مستوى تخفيف تواتر الهجمات أو النكسات التي تتردد على المرضى، من جهته فقد أشار موقع (Web MD) الطبي إلى فعالية هذا العلاج والمعادِلة إلى حد ما؛ لتأثير الأدوية المستعملة في العلاج النفسي. ولايقتصر الأمر على الإكتئاب فحسب، بل يمكن استخدام العلاج السلوكي المعرفي على نطاق واسع من الأمراض النفسية ليشمل:

يتميز العلاج السلوكي المعرفي بمشاركة المريض نفسه في علاج مشكلته

يمتاز هذا النمط الخاص من العلاج الكلامي بتركيزه الفائق على المشكلة أو مجموعة المشاكل الحالية التي تواجه الفرد، دون الالتفات بشكل كبير إلى تفاصيل الطفولة، إضافة إلى تجزئة هذه المشكلات بغية تسهيل إدراك أسبابها المعقولة والواقعية من قبل المريض ووضعه على الطريق الصحيح كي يجد حلولها بنفسه، مشيرين إلى أن الطبيب النفسي لا يتكفل أبداً بوضع الحلول الخاصة بمشكلات المريض، بل يمهد السبيل أمامه كي يدرك جيداً طريقة تفكيره التي تؤثر بدورها على مشاعره وسلوكياته الخاصة، محاولاً استبدالها بما هو أكثر اتزاناً وملاءمة للمشكلة الحالية.

نذكر من سمات هذا العلاج أيضاً قصر المدة الزمنية التي يتطلبها عادة، لتتراوح بين 14 إلى 16 أسبوع وفقاً لموقع (Web MD) وقد تصل إلى 20 أسبوع في مراجع أخرى. أما على مستوى العلاقة التي تجمع الطبيب النفسي بمريضه، فتميل إلى كونها أكثر تعاونية لتحقيق الهدف المحدد من العلاج.

خطوات العلاج السلوكي المعرفي

1- استعراض المشكلة الأساسية أمام الطبيب النفسي

للعلاج السلوكي المعرفي بنية محددة وخاصة به تختلف عن طرق العلاج النفسي الأخرى، فهنا لا يتحدث المريض بشكل عشوائي عن مواضيع مختلفة، بل يستعرض مشكلته الحالية، التي قد تكون أعراضاً تتعلق بالاكتئاب كالانعزال التدريجي أو فقدان الاستمتاع بالهوايات والعمل، أو مشاكل تتعلق بالنوم وغيرها.

2- وضع الهدف أو مجموعة الأهداف الخاصة بالعلاج السلوكي المعرفي

تقع على الطبيب أو المعالج النفسي مهمة رئيسية تقوم على وضع الأهداف المرجوة من هذا العلاج النفسي، كأن يسترجع المريض رغبته في مزاولة نشاطاته وأعماله اليومية، أو يعاود الاجتماع بأصدقائه بعد عزلة عنهم، أو التخلص من عادات سيئة تتعلق باضطرابات الشهية (كتحريض الإقياء التالي لتناول الطعام)، أي وضع الهدف المتناسب مع المشكلة التي يشتكي منها المريض ومساعدته كي يصل نحو تحقيقه.

3- تحديد مهمات معينة يقوم بها المريض بين الجلسات

فقد يطلب الطبيب من مريضه أن يدون في مذكراته اليومية مجموعة الأفكار السلبية التي قد تعتريه بعد انتهاء الجلسة الأولى، ليتناقشا في الجلسة اللاحقة حول ما ترتب على هذه الأفكار من مشاعر وسلوكيات بغية استبدالها بما هو أنسب؛ مدرباً مريضه بذلك على فهم المشكلة من كافة جوانبها ومحاولاً معه أن يستبعد الأفكار السلبية ويركز على الأسباب الأخرى الأكثر عقلانية للمشكلة.

4- تقييم المريض ومدى استجابته مع العلاج في كل جلسة

وهي خطوة خاصة بالطبيب أو المعالج النفسي، يدوّن فيها ضمن السجل الطبي الخاص بمريضه التطورات الخاصة بحالته ومدى تفاعله وتجاوبه مع العلاج، والاستفادة الفعلية التي ينالها من الجلسات.

يمكن للعلاج السلوكي المعرفي أن يكون جماعياً

علماً أن أغلب الجلسات تقتصر على الطبيب ومريضه فقط، غير أن جلسات العلاج السلوكي المعرفي قد تكون على شكل مجموعات (Group Sessions) تضم أفراداً لديهم المشكلة ذاتها ليستعرضوا معاً كيفية تبدل مشاعرهم وسلوكياتهم تحت تأثير هذه الأفكار السلبية. من ميزات هذه الطريقة أنها تمكن الطبيب أو المعالج من مساعدة أعداد أكثر لتخطي المشكلة وتدريبهم للسيطرة على أفكارهم السلبية، إضافة إلى دعم الأفراد لبعضهم البعض وصولاً لتحقيق الهدف من المعالجة.

ختاماً... جميعنا معرضون لفترات تشتد فيها أزماتنا وتتصاعد خلالها مشاعرنا وأفكارنا السلبية مسببة الأرق والقلق لنا ولمن حولنا، غير أن استشارة الطبيب النفسي ستحول دون تفاقم المشاكل إلى الأسوأ، خصوصاً مع اتساع نطاق المستفيدين من العلاج السلوكي المعرفي ليشمل بذلك جميع طبقات المجتمع وفئاته.